تحقيق: محمد القزاز: بحسب ما هو معلن حتي الآن من أن جولة الإعادة ستكون بين من يمثل التيار الديني دكتور محمد مرسي, وبين من يمثل النظام السابق الفريق أحمد شفيق, تشعر قطاعات عدة في المجتمع بالخوف من المستقبل القادم, فهم صاروا بين فكي الرحي, أو بين مطرقة الإخوان وسندان النظام السابق, وبالتالي فإن الاصطفاف والاستقطاب السياسي خلال الفترة المقبلة سيكون حادا جدا, وستحدث مواجهات بين قوي المجتمع, فالغموض يلف المجتمع, والخريطة السياسية انقسمت بين اتجاهين لا ثالث لهما, وكلا الاتجاهين مر, ومن هنا نتساءل هل من خروج من المأزق الحالي؟ هل من حلول للمستقبل, وما هي بحسب المحللين والسياسيين.. في تحليله للوضع الحالي يري عبدالخالق فاروق الخبير الاقتصادي ونائب رئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية أن القوي الديمقراطية تجد نفسها الآن في موقف شديد الحرج, فالاصطفافات والخيارات الآن إما مع معسكر الثورة المضادة, أو معسكر التيار الإسلامي, وكلاهما مر, وبداية فإن ضميرنا لا يستريح علي الإطلاق إذا تم التصويت لمعسكر الثورة المضادة, بكل ما يمثله من نظام فاسد وتبعية لأمريكا وتحالف مع إسرائيل, واستبداد سياسي ودولة بوليسية, وفي المقابل فإن أداء الإخوان المسلمين علي مدي الأشهر الماضية وحتي إدارتهم لانتخابات الرئاسة افتقرت للأخلاقية في كثير من المواقع, وفي دعوتهم المتتالية لاحتشاد قوي الثورة خلف مرشحهم محمد مرسي ذي الطابع السلفي والخطاب الديني الرجعي يجعل الاصطفاف معهم محفوفا بالمخاطر علي المستقبل السياسي, وبالتالي فإنه ما لم يتم تفاوض جاد بين الإخوان المسلمين وبين القوي الديمقراطية حول جملة من القضايا منها تشكيل الهيئة التأسيسية يناط لها تشكيل الدستور والحكومة القادمة وطريقة تشكيلها وتكوينها من كافة القوي والكفاءات الوطنية, والفريق الذي سيدير رئاسة الجمهورية, وأن يكون ذلك في بيان سياسي واضح ومعلن علي الرأي العام وليس في الغرف المغلقة يلزم الإخوان بما لم يلزموا به من قبل, فإن الجميع في حل في تحديد موقفهم, إما بالمقاطعة أو مشاركة أي طرف من الأطراف. ليس هناك جديد في ظل هذه المؤشرات يترسخ لدي إحساس بأن كلا التيارين ليس لديه ما يقدمه للشعب المصري حتي يدين له بالولاء فتستقر الأمور,هكذا يشير دكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع جامعة القاهرة, فالأدوات المتوافرة لدي التيارين ليس فيها اكثر من السيطرة علي الناس اما باسم الاستقرار أو بالمشاعر الدينية, وعلينا أن نعقد مقارنة مهمة بين اللحظة التي نعيشها و ما حدث في عام1952 فقد كان لدي عبد الناصر حين قاد ثورة52 ما يقدمه للشعب المصري, فقد أعاد توزيع الثروة عن طريق السيطرة علي ثروات كبار الملاك و الاقطاعيين, حتي إنه حين أطاح بالإخوان وكانوا وقتها أقوي من الآن لم يعترض الشعب علي ما فعل من اجراءات تعسفية ضدهم, و حتي حين أخفق في هزيمة يونيو1967 و أراد التنحي وجد تعاطفا كبيرا من الشعب المصري للبقاء في السلطة, فالسبب في ذلك ان عبد الناصر كان لديه ما يقدمه لكي يلتف الشعب حوله, بينما النظام السابق الآن يحاول أن يحافظ علي أقلية غنية مهددة في رأس مالها وعلاقتها بالسلطة. أما الجانب الثاني وهو التيار الديني فقد جاء ليحمي الصعود الإسلامي للجماعات الإسلامية التي تكونت خلال ال50 سنة الماضية بمزيد من السلطة. ويري د. سعيد أن كلا من النظام السابق و الاسلاميين ليس لديه سوي السيطرة الماديه المباشرة, ومن المتوقع في حالة عودة النظام السابق الي السلطة أن يتحصن أكثر بمزيد من السيطرة و التسلط, أما إذا نجح التيار الديني في الوصول الي السلطة فستكون طموحاته السيطرة علي الحكم اطول فترة ممكنة باسم الدين. ثمرة المؤامرة النتيجة التي وصل إليها أحمد شفيق ومحمد مرسي هي ثمرة المؤامرة, فشجرة الصفقة لن تطرح إلا هذه النتيجة كالمستجير من الرمضاء بالنار, هكذا تذهب دكتورة فادية مغيث الباحثة بجامعة القاهرة, ومن أسف أن كل هذا يتم من خلف ظهر الميدان, واصبحنا بين فكي الرحي, أو بين مطرقة العسكر وسندان الإخوان المسلمين. فإذا كانت الأعمدة منهارة فلن يكون إلا بناء قابلا للانهيار, فالشعب المصري ندم سريعا علي انتخاب برلمان بهذه الصورة, فكيف نصدق أنهم انتخبوا رئيسا بهذه الكثافة, خاصة في ظل تحصين المادة28 من الطعن عليها. وعلينا أن ننظر إلي من ذهب إلي الانتخابات فهم بحسب اللجنة العليا نحو45% من إجمالي عدد الأصوات, إذن فإن الباقي ممن قاطع الانتخابات يحمل أسبابا خاصة لثورة جديدة لها نفس معطيات الثورة السابقة. وعليه وبناء علي ما نراه أمامنا ممن دخل جولة الإعادة, فإن الثورة لم تنجح, فهي لم تقم ولم تشتعل أساسا لكي تأتي بأحد الاثنين( مرسي وشفيق), فمصر القوة الانتخابية لم تذهب إلي صناديق الاقتراع, فهي بمجملها متفقة علي رأي واحد, ومن الممكن اعتبار الفترة القادمة مرحلة انتقالية, لأن الثورة القادمة ستكون أفضل كثيرا. في تحليله لشكل الدولة في الفترة القادمة قال الأستاذ السيد يسين إن ذلك يتوقف أولا علي الدستور, الذي سيحدد باديء ذي بدء صلاحيات رئيس الجمهورية وطبيعة النظام أهو رئاسي أو برلماني أو مختلط, فاللجنة التأسيسية الماضية سيطر عليها الإخوان المسلمون عن طريق حزب الحرية والعدالة واحتكروا عضويتها, إذن فالمعركة القادمة هي معركة الدستور وتشكيل اللجنة وطبيعة اعضائها, والطوائف التي ستشارك فيها, وهي مشكلات تتجاوز الرئيس القادم سواء كان أحمد شفيق أو محمد مرسي, فالمجتمع المصري سوف يراقب بشدة ويحتج ويعترض حال خروجها عن مسارها. أما عن شكل المجتمع,- يشير يسين- فإن ثورة25 يناير كان لديها شعارات محددة من عدالة اجتماعية, وحرية وكرامة, فالمجتمع هنا لن يتوقف علي قدرة رئيس الدولة, لأنه وفي كل الأحوال لن يحكم منفردا, فقد انتهت عملية احتكار واتخاذ القرار, فأحد مطامح ثورة يناير هو المشاركة في اتخاذ القرار والرقابة علي عملية تنفيذه, والثوار أثبتوا ذلك كثيرا في تعديل بعض القرارات وإقالة بعض الوزراء, وهذه الصحوة في التعبير تؤكد أن الرئيس المقبل لن يكون المحرك الرئيسي للقرار, فمنطق الثورة ضد الانفراد في القرار, فأي انفراد فيه سوف يجابه باحتجاجات سياسية سلمية. كما أن شكل المجتمع يضيف يسين- سوف يتوقف علي قدرة مؤسسات النظام السياسي الجديد بعد الدستور علي وضع رؤية استراتيجية لمصر لعشرين سنة قادمة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة, وإن لم توضع هذه الرؤية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار ستصبح عملية اتخاذ القرار عملية عشوائية. ويوجه السيد يسين رسالة إلي عموم الشعب المصري باحترام نتيجة الصندوق بناء علي فلسفة الثورة بأنه لا يجوز إقصاء أحد, حيث علينا أن نتعلم قيم الديمقراطية من التوافق السياسي واحترام الآخر وعدم الإقصاء. كلا الاختيارين مر ورأي دكتور رفعت السعيد أن هذا الاستقطاب الماثل أمامنا ليس هو الأفضل, إذ نحن أمام يمينين: متأسلم, ومدني, وعلينا أن نبحث من هو أشد مرارة, ومن هو أقل مرارة, من هو إذا حكم سيرحل بعد أربع سنوات, ومن هو سيبقي رغم أنف الجميع, وعلينا أولا أن نتشاور, فقد شبعت التيارات المدنية تفككا وتشرذما, ونحن نري أمامنا اصطفافات سريعة لتيار الإسلام السياسي, منها عبدالمنعم أبو الفتوح الذي هرول سريعا إلي الإخوان. ويرجع رفعت السعيد إلي ما نحن فيه الآن إلي اثنين: المجلس العسكري, فيوم تسلمه السلطة انحاز للإخوان, واختار اللجنة التي وضعت التعديلات الدستورية حيث أعدت بإحكام لنصل إلي ما نحن فيه الآن. والمسئول الثاني هو قوي الثورة, فالشباب العظام الذين فجروا الثورة انقسموا وتحولوا إلي136 مجموعة, وتركوا الثورة ليسرقها آخرون, حتي ليصدق قول الشاعر, ياضيعة الشعب إذا غابت مخالبه, وإذ أتي اللص والحراس ما ظهروا, فالحراس( الثوار) انقسموا واختلفوا, فنجح الذين سرقوا الثورة من مجلس الشعب إلي مجلس الشوري ووضع الدستور, ويريدون أن يكملوا الحلقة بالرئاسة.ويشير رفعت إلي أن المصريين الآن في حالة خوف وإحباط ولابد من منحهم قدرا من الثقة, وأن نزيل الإحباط بتوحيد كل القوي المدنية.