اتحاد المصارف العربية كمؤسسة تابعة للجامعة العربية يعني بالشآن الإقتصادي وخاصة ما يتعلق بالأمور المصرفية والمالية, ولكن تبعيته لكيان سياسي يعبر عن كتلة إقتصادية وسياسية مهمة متمثلة في الدول العربية الأعضاء بالجامعة يفرض عليه لعب دور سياسي مهم يتمثل في الحفاظ علي مصالح هذه الدول عند صياغة القرارات المالية والمصرفية المؤثرة. وفي الفترات الماضية كان للإتحاد دور فاعل عبر مؤتمراته وندواته المحلية والإقليمية والدولية حاملا مشعل' التوافق' بين المصارف العربية والمصارف الدولية, وداعيا إلي التعاون, إلا أنه لم يشارك فعليا في صياغة قرارات مصرفية مهمة كتلك المتعلقة بلجنة' بازل', أو غيرها من الأمور الهادفة لرسم السياسات النقدية العالمية. وخلال السنوات الأخيرة بدأ الإتحاد تحت قيادة حكيمة من الدكتور عدنان يوسف رئيس إتحاد المصارف العربية الحالي والرئيس التنفيذي لمجموعة' البركة' علي مستوي العالم أن يخطو خطوات مثمرة نحو مزيد من الفاعلية الدولية, وذلك كمشارك في رسم السياسات المالية, أو كوسيط للبنوك العربية في تنفيذ هذه السياسات. وخلال إنعقاد مؤتمر إتحاد المصارف بالقاهرة حول المشروعات الصغيرة والمتوسطة كان لقاء الأهرام بالأستاذ وسام فتوح أمين عام الإتحاد والذي بلور سياساته المقبلة في حوار مهم فتابعونا.. .. بداية.. كيف تري نمو تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمحفظة إقراض البنوك العربية؟ . إنتهي الإتحاد من دراسة حول هذا الموضوع بالتعاون مع البنك الدولي, ولاحظنا نسب نمو محدودة في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالرغم من الظروف التي يمر بها عالمنا العربي وخاصة دول الربيع العربي. وإذا نظرنا إلي مصر باعتبارها أكبر البلدان العربية من حيث الكثافة السكانية, سنجد أنه بالرغم من الثورة, وخروج بعض الإستثمارات الوافدة أو علي الأقل تجمدها, بذل البنك المركزي جهودا كبيرة لتحقيق التوازن في السوق, ومنع المضاربة علي الجنيه المصري فحقق إستقرارا مطلوبا في سوق الصرف الأجنبي, ووضع إستراتيجية لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بحيث يزيد من شهية البنوك لتمويل هذه النوعية من المشروعات. وإذا نظرنا للقطاع المصرفي العربي ككل سنجد أن إجمالي الأصول بلغت2.6 ترليون دولار, وإجمالي الودائع1.5 ترليون دولار, وإجمالي القروض1.3 ترليون دولار, والمخصص للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من إجمالي الإقراض لا تزيد نسبته عن8% فقط, في الوقت الذي تصل فيه هذه النسبة في أوربا إلي50%. وهناك دراسة حديثة مع مؤسسة التمويل الدولية' الأي إف سي' وهي ذراع البنك الدولي لتنمية دور القطاع الخاص أكدت هذه الدراسة أن بالمنطقة العربية مليوني مؤسسة مسجلة رسميا لدي دوائر الحكومات المختلفة تنتمي لشريحة الشركات الصغيرة والمتوسطة, وهذه المؤسسات لديها ودائع بالبنوك العربية وبالرغم من ذلك فالمصارف تحجم عن إقراضها؟ هذه الإشكالية من وجهة نظر المصارف ترجع إلي نقص القدرات الإدارية والبيانات لدي هذه الشركات, وأيضا نقص الشفافية والحوكمة, وفي تقديرنا أن هناك نقصا في مركزية المصارف العربية فهذه المصارف لا تعبر عن تكتل إقتصادي أو سياسي بل انها تجنح للتعامل مع الخارج بأكثر من اعتمادها علي الداخل بالرغم من أن المصارف العربية كتلة إقتصادية مهمة قيمتها3 ترليونات دولار, وعندما تلجأ المصارف لتجارب عملية تلجأ للخارج فلماذا لا تلجأ للداخل فلدينا البنك الأهلي في مصر وهناك بنك قوي وكبير علي الأقل في كل دولة عربية, لماذا نعتمد علي الأخرين ولا نلجأ للاعتماد علي أنفسنا؟ .. هل هناك مبادرات أخري من الاتحاد بهذا الخصوص؟ . هناك مبادرة لاتحاد المصارف العربية بالتعاون مع الحكومة الإيطالية لإقامة شراكة مصرفية وتأسيس صندوق الشراكة المتوسطية بالتعاون مع البنك الأوروبي للإستثمار,الذي دعا الحكومات الأوروبية لفتح خطوط تمويل لهذا الصندوق بهدف دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالمنطقة. ودور الإتحاد يتمثل مبدئيا في إجراء دراسة فنية, والتوعية المصرفية, وتأسيس قاعدة بيانات لتمد الصندوق بقائمة المشروعات التي يمكن البدء العملي بها. ويبدأ الصندوق بتمويل محدود ولكنه يهدف لزيادته مستقبلا. .. ماذا عن مشاريع الإتحاد المستقبلية؟ . لدينا عدة مشاريع إستراتيجية مهمة حيث نبدأ بالتوسع الإقليمي من خلال فتح المزيد من المكاتب, علي سبيل المثال إنتهينا من أخذ الموافقات الرسمية لفتح مكتب في تونس, وتفعيل مكتب أبو ظبي, ولدينا مكتب قوي بالقاهرة, وليبيا, والسودان, والأردن, ولبنان. أيضا سنعمل علي إعادة تفعيل مركز الوساطة للتحكيم التابع لاتحاد المصارف العربية حيث قمنا بالتباحث مع مراكز التحكيم بالمنطقة, واجتمعنا في أبوظبي مع مدراء هذه المراكز لوضع المسودة الأولي, علي أن تصدر المسودة الثانية في يونيو المقبل, وسيضم هذا المركز المحكمين العرب. .. وفق تصريحات الدكتور عدنان يوسف هناك جهود للإتحاد للتعامل عربيا مع قانون الإمتثال الضريبي للحسابات الأمريكية, فما هي نوعية هذا التعامل؟ . قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأمريكية أو ما يطلق عليه اختصارا( الفاتكا) صدر بهدف إلزام كل بنك حول العالم بالإفصاح المالي عن أي عميل أمريكي لديه حتي يتم محاسبته ضريبيا. ونظرا لخطورة هذا القانون عقدنا أول ندوة لبحث كيفية التعامل معه في سبتمبر2011. وخطورة هذا القانون أنه سيطبق لا محالة نظرا لقوة الدولة المصدرة له وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تملك أهم عملة تحويل دولية وهي' الدولار', وخطورته ترجع إلي أنه يهدد السرية المصرفية حيث يمكن لمسئول الجمارك الأمريكي الكشف علي حسابات البنوك, والمراجعة عليها للتأكد من عدم وجود عملاء أمريكيين لديهم حسابات بهذه البنوك, فما فوق ال50 الف دولار يتم دفع الضريبة عليه, أو أن يقوم البنك بدفع30% من أرباحه للجانب الأمريكي إذا لم يرغب في الكشف عن حسابات العملاء لديه. والعقوبات من عدم تطبيق البنوك لهذا القانون مماثلة للعقوبات المنصوص عليها في جرائم' غسل الأموال'. وقمنا بتأسيس لجنة بهدف دراسة القانون, وبحث كيفية تطبيقه من قبل البنوك والمصارف العربية, أيضا أجرينا مشاورات مع وزارة الخزانة الامريكية, ونستهدف وضع قاعدة بيانات لجنسية العملاء, وتحديث إستمارات الإيداع وفتح الحسابات لدي البنوك بحيث يضاف لها خانة' الجنسية'. خطورة هذا القانون أنه سيجعل من البنوك آلات جباية للضرائب الأمريكية, ويدعو دولا أخري لتقليده مما سيربك العمل المصرفي. هذا القانون يمثل أكبر تحد للمصارف العربية فالتحويلات الأجنبية بالدولار الأمريكي مهما كانت صغيرة لابد وأن تمر عن طريق الولاياتالمتحدةالامريكية, ومن هنا بدأنا في تكثيف الجهود لتأسيس آلية لتسوية المدفوعات العربية إقليميا. هذا القانون سيهز العالم, وتحتاج التفاصيل لمزيد من الدراسات علي سبيل المثال لابد من دراسة تشعبات إزدواجية الضريبة, ودراسة المساس بقانون السرية المصرفية. وعقدنا ندوتين بهذا الشأن في الأردن ولبنان, ونجهز لإجتماع موسع لخبراء القانون والمصارف لبحث كيفية تطبيق البنوك العربية لهذا القانون. كما أوصت الأمانة العامة بمجلس الإدارة الأخير بأبوظبي بتأسيس لجنة علمية كان أول إجتماع لها بمايو الجاري لبحث هذا الموضوع. ويمكن أن نصل لمرحلة ترفض فيها البنوك العربية أو أي بنوك أخري حول العالم فتح حسابات للأمريكان, وحتي في هذه الحالة فإن قانون( الفاتكا) الذي سيطبق في يونيو2013 سيفترض أن عملاء البنوك حول العالم100% أمريكان, وعلي البنوك إثبات العكس, كما ستقوم وحدة بالخزانة الأمريكية بإرسال ممثل لها للإطلاع علي الحسابات المصرفية بالبنوك حول العالم. .. هل وجود عملة عربية موحدة بديلة للدولار يقلل من الإعتماد علي التحويلات عبر الدولار؟ . هناك مطالب بوجود عملة عربية' إفتراضية' ولكن ذلك سيصطدم بالتطبيق الفعلي فكثير من الدول العربية مدفوعاتها وطنية, وشبكات مدفوعاتها محلية, هذا الأمر لن يحل المشكلة ولكنه سيوجد عملة يمكن القياس عليها عربيا في المعاملات البينية العربية. يحتاج الأمر لبحث مكثف من البنوك المركزية, والتشريعات, وتحرير العملة بالعديد من الدول العربية, وغيرها من الأمور التي تسبق إنشاء وتأسيس ألية لتسوية المدفوعات العربية إقليميا. .. هل هناك مبادرات أخري للإتحاد في مجال صياغة القرارات المصرفية الدولية؟ . الإتحاد يشارك في صياغة القرارات المالية والمصرفية الدولية حيث شارك الإتحاد مؤخرا بمؤتمر نظمه مجلس الأمن الدولي والذي صدر عنه قرارات بمنع تمويل أسلحة تهدف للإرهاب أو التدمير الشامل, وكان الإتحاد الممثل الوحيد العربي من بين120 مؤسسة وجهة دولية. وتم الإتفاق علي وضع مؤتمرات إتحاد المصارف العربية علي الموقع الإليكتروني الخاص بمجلس الأمن والأمم المتحدة. والإتحاد ليس مشرعا ولكن توصياته يتم الاخذ بها عند إعداد التشريعات, فهناك تعاون بين الإتحاد ومنظمة العمل المالي المعنية بمكافحة غسل الأموال والتي أصدرت40 توصية, وكان الإتحاد الجهة العربية الوحيدة التي شاركت في صياغتها, وتم الأخذ بالتوصيات التي خلص إليها الإتحاد. .. سؤال أخير.. هل يعني ذلك أنكم أصبحتم لاعبا في صياغة القرارات المالية الدولية؟ . نحن نشارك بكل فاعلية فيما يخدم المصارف العربية ويعزز من قوتها, ويقلل من أية آثار سلبية لقرارات دولية مصرفية أو مالية.. نحن نقوم بدورنا, ونعزز تواجدنا, وقوتنا ترجع إلي قوة المصارف الأعضاء لدينا, منهم نبدأ, ومن أجلهم نعمل, وكل ما نطلبه الدعم والمشاركة, مزيد من التعاون والتكتل في إطار مصرفي عربي موحد, هذا أهم ما نسعي إليه.