يبدو أن السيد عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية مازال متمسكا بالحلم العربي المتمثل في السوق العربية المشتركة والتي قال عنها إنها ليست من قبيل الكلام العاطفي ولكن هناك دلائل تشير لإمكانية تحقيق هذا الحلم.. عمرو موسي الذي فتح الباب علي مصراعيه لمشاركته السياسية في العمل العام بعد انتهاء فترته كأمين عام للجامعة العربية مجيبا عن تساؤل حول امكانية أن يمنح العشر سنوات المقبلة من حياته لمصر بعد أن أعطي السنوات العشر التي مضت من عمره للعمل العربي.. موسي أمين عام الجامعة العربية الذي يتحدث فيثير مزماره تعويذات سحر في أذان المستمعين الذين يتمايلون ويصفقون طربا لحلو الكلام, ثم يستيقظون علي واقع صعب يختلف عن أحلام الرجل الذي لازال مؤمنا بفكرة القومية العربية والتي يقول أنها ليست' سبة' ولكنها حلم قابل للتحقيق. عمرو موسي كان المتحدث الرئيسي في ندوة مجلس الأعمال المصري الكندي والتي شاركه فيها نخبة متميزة من العقول القانونية والاقتصادية التي شاركت بفاعلية في التعاون العربي تشريعا واستثمارا وتبادلا تجاريا وفكريا.. لقد وقفوا علي الشاطئ الآخر من بحر الجامعة العربية يؤكدون من واقع تجاربهم الحية أن حلم السوق العربية المشتركة مازال بعيد المنال. معتز رسلان رئيس مجلس الأعمال المصري الكندي افتتح الندوة مشيرا الي أهمية موضوعها الذي يتناول العمل العربي والرؤية المستقبلية داعيا للنقاش الجاد حول هذه الرؤية.. كما تحدث سفير كندا في القاهرة مشددا علي اهتمام كندا بالتعاون مع المنطقة العربية ومؤكدا أهمية المصالح العربية المشتركة التي تجعل من المنطقة كتلة اقتصادية شريكا في الاقتصاد العالمي.. أول المتحدثين قذف الكرة في ملعب الأمين العام السيد حسين الشبكشي الخبير الإقتصادي والذي تحدث بصراحة دون رتوش مؤكدا ان السوق العربية المشتركة غير قابلة للتحقيق لأنها مبنية علي فكرة عاطفية عكس السوق الأوربية.. لاتوجد سوق ناجحة مبنية علي التميز العرقي وان العرب أفضل من غيرهم.. ضرب الشبكشي أمثلة من الواقع حيث قال أن حجم تعامل الخليج العربي مع الهند10 أضعاف تعامله مع سائر الدول العربية, وان تكلفة شحن طن ورق من ميناء السويس لميناء جدة7 اضعاف تكلفة شحن ذات طن الورق من مونتريال الي جدة.. وابتعد لأكثر من هذا مشيرا الي ان حجم تجارة حلب مع تركيا أكبر من حجم تجارة سوريا مع سائر الدول العربية.. الشبكشي خلص الي أن هناك شيئا خطأ..وأعطي حكمه بأن السوق العربية المشتركة لاتزيد عن كونها افرازا سياسيا غير مبني علي تكامل بنيوي فلا منتجات متكررة ولا معايير جودة ولا بنية أساسية.. وفي الاقتصاد التسييس لا يجدي. واذا انتقلنا الي خبرة حقيقية في التعاون العربي العربي كان الكلام للسيد معتز الالفي رجل الأعمال المصري الذي عمل في الكويت اكثر من ثلاثين عاما.. هو بدوره ألقي القفاز في وجه التعاون العربي المشترك وحلم السوق المشتركة ولكن من واقع مجرب وملموس حيث أكد أن التجارة وحركة العمالة بين الكويت وباقي الدول العربية كانت سهلة ويسيرة في الخمسينيات والستينيات وأنه بعد وضع الأنظمة والقيود اصبح الأمر معقدا في ظل التأشيرات والقيود التجارية والقانونية وفي ذات الوقت نبه الحضور الي أن دولا أخري' فاتحة علي البحري' منها افريقيا.. وأكد أن رأس المال يحسبها صح.. فكلما قلت العقبات قلت التكلفة وزاد الاستثمار. المتحدث الثالث الدكتور طاهرة حلمي رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي والذي تحدث من واقع الدراسات والأبحاث مشيرا الي نتائج دراسة قام بها المركز المصري للدراسات الإقتصادية منذ عدة سنوات هدفها البحث عن أسباب عدم التوصل لما نصبو اليه من تعاون عربي مشترك وكان من أهم نتائجها ضرورة وجود' إرادة سياسية' إضافة الي الحافز الاقتصادي.. وقال أن التوصل للحافز يواجهه تحديات منها ارتفاع حجم البطالة التي وصلت في المتوسط الي14% في عالمنا العربي مقارنة بمتوسط حجم بطالة في العالم6%.. فرص العمل المفروض توافرها في الأعوام العشرين المقبلة تتراوح مابين70 و80 مليار فرصة عمل.. التحدي الأخر نصيبنا من المياه الذي لايزيد للفرد في عالمنا العربي عن1800 متر مكعب مقابل8000 متر مكعب للفرد عالميا.. التحدي الأخر الفجوة الغذائية حيث يستورد العالم العربي أكثر من50% من احتياجاته الغذائية من الخارج.. الفقر أيضا احد التحديات.. الأسباب وراء ذلك تدني الصناعات التحويلية وانخفاض مستوي التجارة مع العالم والتدفق الإستثماري من الدول العربية لدول أخري خارج المنطقة وبلغت جملتها مابين700 الي800 مليار دولار أموال عربية مستثمرة في الخارج.. واضاف حتي' الإنترنت' تحد كبير.. وخلص الي أننا لايمكن أن نتعاون دون أن يكون لدينا بنية أساسية قوية وأضاف.. أن مواجهة هذه التحديات لن يكون الا بإعداد إنسان عربي حر متعلم منفتح علي العالم.. ووضع لبنات أولية تتمثل في تبادل المعلومات بشفافية والسماح بانتقال رجال الأعمال دون قيود أو تأشيرات. جاء الدور علي السيد عمرو موسي الذي قلب المفاهيم بعاصفة من الأفكار التي قد نتفق أو نختلف حولها إلا أنها في النهاية يغلفها كثير من المنطق.. تطرق عمرو موسي الي الإقتصاد والسياسة راسما خطوطا جديدة تحتاج الي توافق عربي حولها قبل أن تكون منهاجا للعمل.. فهو يدعو لفهم مختلف لدول الجوار وفي مقدمتها كل من تركيا وايران.. بدأ معزوفته الفكرية قائلا:' هذه هي المرة الأولي التي أتحدث فيها بعد قمة' سرت'.. من ناحية العمل العربي المشترك الجانب الإقتصادي أكثر الجوانب التي تحقق فيها إنجاز فمن مشاريع للربط الكهربائي وإمدادات الغاز الي مشاريع للسكك الحديدية وتطور لمنطقة التجارة الحرة العربية ومشروع لإتحاد جمركي عربي وهذا يدلل علي أن السوق العربية المشتركة ليست سوقا عاطفية فكثير منا ينادي بها.. الإتحاد الأوربي يرفض تركيا لإنها خارجة عن ثقافته.. وهو مايعني أن خيوط الوحدة الأوربية ليست إقتصادية صرفة.. القومية والشعور القومي ليس' سبة' شرط ان نضعه في الإطار السليم.. السوق اللاتينية سوقا مشتركة يدخلون من يرغبون فيه ويخرجون من يرغبون.. ونحن22 دولة عربية تجتمع علي أسس اقتصادية وليست عاطفية فمن يقول أن حجم التجارة ضعيف غير صحيح فقد اقتربت من14% في ظل منطقة التجارة الحرة العربية.. تبادل العمالة والسياحة والإستثمارات والتعامل في البورصات العربية.. انتقال بالملايين من البشر وبالمليارات من الدولارات.. العمل الإقتصادي العربي صحيح يعيبه ضعف التجارة السلعية ولكن باقي أنواع التعاون تزيد من فاعلية التبادل الإقتصادي للمنافع. وهذا يقودنا لسؤال لماذا لم نحقق سوقا نشطة للتجارة السلعية أولا لإننا لم نكن جادين وثانيا لأن الدول العربية كانت منقسمة بين اشتراكية وشيوعية ورأسمالية ثالثا لان هناك أيادي أجنبية لم تكن تريد أن تجتمع الدول العربية.. تحدث موسي ايضا عن القوي الثقافية الناعمة التي تجمعنا مشيرا الي متابعة العالم العربي للمسلسلات التركية والسورية والمصرية كلها ذوق واحد ومتفرج واحد وهو المتفرج العربي.. وزف عدد من البشائر الطيبة منها الإنتهاء من الإتحاد الجمركي العربي عام2015 الذي يقود لسوق عربية مشتركة حقيقية عام2020.. واضاف أن القمة الإقتصادية الأخيرة في الكويت أنشأت صندوقا عربيا لمساعدة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالمنطقة قوامه2 مليار دولار وتم استقطاب1.2 مليار دولار بالفعل ليبدأ الصندوق العمل قريبا.. نوه أيضا الي مشروع الربط بالسكك الحديدية واجتماع وزراء النقل العرب بهدف مد الطرق بين طريق دمشق عمان, وطريق عمان تبوك والانتهاء من مد طرق الربط بالمغرب العربي من موريتانيا شمالا الي الجنوب. بشرنا أمين عام جامعة الدول العربية بان الجامعة استهدفت التطوير والتحديث والتغيير عبر التعليم والبحث العلمي وتعزيز دور المرأة والديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية وتمت مطالبة الحكومات العربية بموافاة الجامعة بتقارير وافية حول هذه الأمور.. انتقل السيد عمرو موسي الي ملف أخر أكثر شمولا وجرأة وهو ما اطلق عليه دول الجوار العربي والذين يشكلون حلقة تمثل الجامعة العربية بالنسبة لها النواة أو اللب وهذه الدائرة تضم17 دولة حول22 دولة عربية تشمل افريقا ودول المتوسط وأسيا وتركيا وايران والقرن الإفريقي متمثلا في اثيوبيا واريتريا وجنوب المغرب العربي السنغال وكينيا ومالي والنيجر وتشاد وفي المتوسطية قبرص ومالطا واسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا واليونان.. وافترض البدء بتركيا التي تتبع سياسة غاية في الذكاء وتتخذ مواقف واضحة إزاء المشاكل التي يتعرض لها العرب.. وأضاف ان تركيا تتبع سياسة هادئة لينة عكس ايران التي تتبع سياسة نشطة ولكن بدبلوماسية' عاصفة'.. وقال ان الدولتين مع اختلاف سياستهما أصبحتا تمسكان في أيديهما موازيين كثيرة في المنطقة.. وأوضح ان افريقيا أيضا ترتبط برباط وعلاقات ثقافية.. وصف موسي دول الجوار بسوق قوامها700 مليون نسمة قادر علي التبادل الاقتصادي مع المنطقة العربية وقال لرجال الأعمال المشاركين بالندوة.. أنتم الأكثر قدرة علي الإستفادة من هذه السوق بإمكاناتها الواسعة اقتصاديا وإرثه الثقافي.. أحلام عمرو موسي أو رؤاه حاول اشراك الحضور بها داعيا اياهم..:' تصوروا سوقا قوامها38 دولة تعقد اجتماعاتها الدورية وورش عملها بالجامعة العربية بالقاهرة.. كل هذا حول الجامعة العربية وليست بديلا عنها.. مؤكدا أن اختلاف الهويات مصدر قوة للعرب فهو تجمع يضم سدس سكان العالم.. خرج موسي من حلمه العربي الي حلمه المصري مؤكدا أن الحركة السياسية النشيطة الجارية في مصر حاليا تعكس يقظة ونوبة صحيان ما أحوجنا اليها.. أعلن عدم اتفاقه مع من يصفونها بأنها حركة خارجة عن النمط مردفا أنه قد أن الأوان لنخرج عن النمط لنواكب حركة التاريخ المتغير.. قال ان القرن ال21 مليء بالمفاجآت ومن يفكر بعقلية القرن ال20 يخطئ خطأ استراتيجيا مؤكدا أن مستقبل مصر هو الأساس. تصفيق حاد وحوار غير مباشر وردود غير مباشرة عن مشاركة موسي في الحياة السياسية بعد' تخرجه من الجامعة العربية' ونيله شهادة القومية العربية.. معلنا ان الباب مفتوح والحركة السياسية الإيجابية أمر مشروع أن نشارك فيه جميعا.