هناك «مفارقة مؤسفة» مستمرة منذ قرون بين ثراء إفريقيا من جانب وفقر الأفارقة من جانب آخر، وهو ما يستلزم تغيير التفكير وأسلوب العمل السائد فى القارة لإنهاء تلك المفارقة التى تعيق تقدمها منذ قرون. فمع إطلالة «يوم افريقيا»، الذى وافق أمس ويتزامن مع ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963 التى وحدت القارة فى وجه قوى الاستعمار والرجعية، طرح سؤال هام نفسه بقوة فى كل أرجاء القارة الأفريقية، وهو: كيف حققت موارد أفريقيا الطبيعية الثروة «للآخرين»، فيما لا نزال نحن الأفارقة فقراء فى القارة؟!! وماهى سبل الخروج من دوامة تلك المفارقة؟ إنهاء المفارقة إن المفارقة الإفريقية المؤسفة أمر واقعى يجب على القارة التصدى له، لتحقيق أحلامها وأهدافها المتضمنة فى ثنايا «أجندة الاتحاد الافريقى 2063». ومن المؤكد أن الأفارقة وجدوا أنفسهم أمام مسئولية إيجاد «طريقة ما» لتحرير موارد القارة وتوجيهها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة الفعالة. وباختصار فإن أبرزالتحديات المباشرة الى تواجهها القارة الإفريقية اليوم تتمثل فى التحديات المرتبطة بالنمو غير المستدام وغير الشامل، وبطالة الشباب، والأثار السلبية لتغير المناخ، وسوء الاوضاع الامنية، وغياب المساواة الحقيقية على مستوى الإثنيات والجنس، وإشكالية الهوية الإثنية فى مواجهة الدولة القومية، والاعتماد الكبير على تصدير السلع الأولية، تردى مستوى التعليم، وتوطن الفساد بالإضافة إلى تربص القوى الخارجية المتمثلة فى قوى الاستعمار القديم والجديد وجيوش الاستعمار الاستثمارى بقيادة الشركات الدولية المتعددة والعابرة للجنسيات. لقد بات من الواضح أن إنهاء المفارقة المؤسفة بين ثراء إفريقيا من جانب وفقر الافارقة من جانب آخر، يستلزم تغيير التفكير السائد فى القارة لإنهاء تلك المفارقة. وقد اقترح الأفارقة اتخاذ تدابير يقوم بها الجيل الحالى لحل المفارقة الافريقية المتمثلة فى «قارة ثرية بالموارد البشرية والطبيعية والموارد الاخرى ومع ذلك شعوبها فقيرة». ومن المؤكد أن لتلك المفارقة سياقها التاريخى والاقتصادى والاجتماعى والسياسى الذى أوجدها ورسخها لعدة قرون. وللقضاء على تلك المفارقة المؤسفة آمن الأفارقة بأنه على الجيل الحالى فهم الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لتلك المفارقة بحيث يمكن معالجة السبب الجوهرى لظاهرة الشعوب الفقيرة فى القارة الغنية. لقد تولدت «المفارقة» عبر ظروف محلية وأخرى عالمية. ومن المؤكد أيضا أن تلك الظروف مازالت مستمرة وأن هناك من يسعى من الداخل الإفريقى إلى استمرارها خدمة لمصلحة ضيقة، وهناك أيضا من يسعى فى الخارج إلى استمرارها تلبية لأطماع قوى الاستعمار وأغراضه البغيضة. واليوم تخرج أصوات متصاعدة من جنبات القارة الإفريقية للمطالبة بتغيير العقلية الإفريقية لتغيير هذا الوضع الصعب وجعل الافارقة اثرياء بالاستفادة من مواردهم الثرية. وتأتى الدعوة إلى تغيير العقلية الإفريقية متأثرة بمقولة الكينية وانجارى ماثاى الحائزة على جائزة نوبل، «لا يمكنك الاستمرار فى استعباد عقل يعرف ذاته، وقيمة ذاته، ويدرك ذاته». الأمل 2063 وفى مواجهة كل التحديات يؤمن الأفارقة حاليا بأن أجندة 2063 ستعمل على تعزيز التحول الاجتماعى والاقتصادى بالقارة على مدى الاعوام الخمسين المقبلة. وتمثل «أجندة 2063» رؤية ودعوة للعمل لتحقيق التطلعات الافريقية ورؤية الاتحاد الإفريقى المتمثلة فى «إفريقيا متكاملة ومزدهرة تعيش فى سلام، مدفوعة بمواطنيها وتمثل قوة ديناميكية فاعلة فى الساحة العالمية». ولكن لتحويل تلك الأفكار النظرية الوردية إلى واقع ملموس لابد من ضمان فهم المواطنين الأفارقة لأجندة 2063، من أجل ترسيخ «ملكيتهم للاجندة» ومساهمتهم فى تنفيذها بصورة تامة. فخلال عملية وضع أجندة 2063 فى عام2013، رأى الاتحاد الإفريقى أنه من الأهمية بمكان التشاور على اوسع نطاق ممكن بحيث يتم تأكيد ملكية كل مواطن إفريقى للأجندة التى ترسم ملامح مستقبله ومستقبل ذريته قبل أن ترسم مستقبل الدول والقارة الإفريقية. وبالتالى تمت دعوة كل الافارقة وصناع السياسات على كل المستويات، قطاع الأعمال، قادة الاديان والمجتمعات والمرأة والشباب والمواطنين العاديين إلى العمل بشكل متناسق وبعزيمة من أجل تحقيق تلك الأجندة. وجدير بالذكر أن رؤساء الدول والحكومات الإفريقية اتفقوا، عبر الاتحاد الإفريقي، على اطار عمل افريقى استراتيجى للسنوات الخمسين المقبلة، يعرف بإسم «أجندة 2063 إفريقيا التى نريد». وتم بناء اطار العمل الاستراتيجى للأجندة على اساس تطلعات وأهداف هي: إفريقيا مزدهرة استناداً على النمو الشامل والتنمية المستدامة، قارة متكاملة موحدة سياسياً بناء على مبادئ الوحدة الافريقية الشاملة ورؤية النهضة الإفريقية، وحكم القانون، وإفريقيا سلمية وآمنة، وإفريقيا بهوية ثقافية قوية وإرث مشترك والمحافظة عليه وتنمية القيم والاخلاقيات، وافريقيا ذات تنمية مدفوعة بمواطنيها، والاعتماد على الامكانات المتاحة من قبل الشعوب الافريقية وخاصة المرأة والشباب، ورعاية الاطفال، وإفريقيا كلاعب عالمى وشريك قوى ومؤثر على الساحة الدولية. وقد تم وضع خطة تنفيذ للأعوام العشرة الأولى من أجندة 2063، متضمنة أهدافا محددة. وقدم الخبراء عددا من التوصيات حول تنفيذ أجندة 2063، من أبرزها: الحاجة إلى ضمان فهم المواطنين لأجندة 2063، من أجل ملكيتهم للاجندة ومساهمتهم فى تنفيذها بصورة تامة وبالتالى بناء القدرات والمهارات بصورة ناجحة. الحاجة العاجلة إلى كيان مركزى للدفع بترتيبات وتعبئة العمل العاجل لتنفيذ الخطة العشرية الأولي. الحاجة إلى منهج لامركزى محدد لتنفيذ الخطة العشرية الأولى لأجندة 2063، وتحديد الادوار الرئيسية التى ستلعبها المجموعات الرئيسية لأصحاب المصلحة (إلى جانب ادوار المؤسسات الحكومية على مختلف المستويات) وبرمجة الأنشطة المحددة للخطة العشرية الأولي. إعداد وثائق «اجندة 2063 على المستويات الوطنية (أى داخل كل دولة إفريقية) لتحقيق المزيد من الفعالية والمشاركة. الحاجة إلى اهتمام عاجل وتدابير للترويج لتحول فى طريقة التفكير، وتوليد اعتقاد جديد، وثقة إفريقية والالتزام ببناء غد افضل ابتداء من اليوم. وهناك آمال معقودة على أجندة 2063 فى القيام بدور فاعل فى التصدى «للمفارقة المؤسفة». فالأجندة تدعو أيضا إلى «ثورة المهارات الإفريقية» والاستثمار فى البشر، والحاجة إلى إعادة توجيه نظم التعليم الإفريقية نحو العلوم والرياضيات والتكنولوجيا والهندسة ، لتمكين الشباب من دفع التحول والابتكار فى ارجاء القارة.وحتى تتحول الآمال إلى واقع ملموس سيكون على المؤسسات الافريقية قيادة الطريق نحو إيجاد حياة افضل لجميع الافارقة. فعلى الرغم من تحقيق بعض التقدم فى مجالات البنية التحتية والتعليم والصحة وبناء مجتمعات شاملة وديمقراطية وسلمية، إلا أن هناك الكثير مما يجب القيام به لإحداث التحول الإيجابى الفعال فى القارة وبناء حياة افضل لجميع الافارقة. لقد آن الآوان لتحويل احلام تنمية افريقيا إلى برامج واعمال ملموسة إيذانا بانهاء «المفارقة المؤسفة» فى القارة الافريقية عبر امتلاك الأفارقة القدرة على توجيه مواردهم نحو اهداف تنمية قارتهم.