لا يختلف أحد أن الصناعة المحرك الأساسي للتنمية ومؤشرا للتقدم الاقتصادي وتحد من البطالة بتوفير فرص العمل وتقلل الاعتماد علي الاستيراد وتدعم القدرات التصديرية للبلاد، ومنذ شعار " المصري للمصري" الذي رفعه الاقتصادي طلعت حرب لتأسيس قاعدة صناعية شملت سلسلة من الشركات والمصانع الكبري نجحت في إقامة صناعة مصرية متطورة من خلال اقتطاع جزء من الأرباح السنوية لبنك مصر الذي أسسه عام 1920 برؤوس أموال مصرية وبتخصيص جزء من ميزانته بأسم " مال مخصص لتأسيس أو تنمية شركات مصرية صناعية وتجارية" وأصبحت هذه الشركات تنتج منتجات ذات جودة عالية وأسعار منخفضة لسد الاحتياجات الضرورية للاستهلاك المحلي مما عاد بالنفع علي الاقتصاد والمواطن. ومن شركات طلعت حرب والتي علي رأسها مطبعة مصر ثم مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري ثم مصر للملاحة البحرية ومصر لأعمال الأسمنت المسلح ومصر للصباغة ومصر للمناجم والمحاجر ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت ومصر للمستحضرات الطبية ومصر للألبان والتغذية ومصر للكيمياويات ومصر للفنادق ومصر للتأمين وبيع المصنوعات المصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون وصيدناوي وغيرهم ثم شركة مصر للطيران كأول شركة طيران في الشرق الأوسط برأس مال 20 ألف جنيه ، ولم يغفل دعم الثقافة والفنون بتأسيس شركة مصر للتمثيل والسينما " أستديو مصر"، ثم جاءت ثورة يوليو 1952 واستكملت الطريق بمشروعات رائدة في الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والصناعات التعدينية والبترولية والكيماوية والغزل والنسيج والغذائية، وفي آخر السبعينات تم إنشاء المدن الصناعية. إلا أن فترتي الرئيسان السابقان السادات ومبارك شهد أداء قطاع الصناعة تراجعا من تطبيق سياسات الانفتاح تارة والخصخصة تارة أخري ، ثم جاءت ثورة 25 يناير والتي زادت من تفاقم مشكلات الصناعة لغياب الأمن وتعثر المصانع مما أدي لتوقف أكثر من 3000 مصنع لأسباب مختلفة أغلبها مشاكل تمويلية ومالية ، غير مشاكل متراكمة من غياب توظيف البحث العلمي والاعتماد علي استيراد التكنولوجيا في مجالات الإنتاج ، وربط مخرجات التعليم واحتياجات الصناعة من ايدي عاملة ماهرة جاهزة لسوق العمل و المصانع وضعف جودة المنتج المصري ومنافسته في السوقين المحلي والخارجي غير غزو المنتجات الصينية فاتجه الكثير إلي التجارة والاستيراد بدلا من الصناعة والإنتاج ، بل لم نستفيد من هذه الاتفاقيات الدولية والإقليمية لتأهيل الصناعة للمواجهة والمنافسة والإنتاج ، واستقطاب الاستثمارات في المجال الصناعي وغياب الإستراتيجية المصرية التي تعرض علي المستثمر الجاد المشروعات والقطاعات الصناعية التي تلبي الصالح الوطني بدايا ثم صالح المستثمر بفرص استثمارية واعدة الأرباح، فضلاً عن حسم حلول مشاكل إنخفاض إنتاجية العامل المصري بإعادة النظر بالتوعية والتأهيل، وإنتشار ظاهرة مصانع " بئر السلم" بدمج الاقتصاد غير الرسمي للاقتصاد الرسمي ، والتغلب علي مشكلة التهريب للسلع الأجنبية خاصة في قطاعات النسيج والملابس الجاهزة والأحذية والأدوية بتشديد الرقابة علي المنافذ الجمركية مما أصاب الصناعة المصرية والمصريين أنفسهم في مقتل أمام منتجات مستوردة تملأ أسواقهم من صنع غيرهم رغم رداءتها وتكلف الموازنة بأكثر من 60 مليار دولار أغلبها سلع استهلاكية . ولكن الأمل قائم ولا تزال أمام مصر فرص واعدة من خلال مشروعات قومية بامتداد ربوع المحروسة تبشر بالخير والتنمية مثل تطوير محور قناة السويس وغيرها من المجالات الصناعية والتنموية والزراعية والسكنية والطرق والنقل وتجمعات صناعية متخصصة وتفعيل منظومة الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمزارع السمكية وتنمية سيناء والوادي الجديد والعاصمة الإدارية الجديدة ، مع إنتظار إقرار مجلس النواب لتشريعات وقوانين ملحة للإنطلاق وإلا لاستمر التخلف والتخبط ومعاودة البكاء المر مثل قوانين الاستثمار والصناعة وسلامة الغذاء والتراخيص والشباك الواحد وتشغيل المصانع المتوقفة وتوفير الأراضي الصناعية المرفقة والثروة المعدنية والمحاجر والقيمة المضافة وغيرها مما هو حبيس إدراج الحكومة .. فلن يبني مصر ويعيد صناعتها الإستراتيجية والكبري إلا سواعد وأموال المصريين من خلال الاستثمار الوطني و تمويل البنوك المصرية من مدخرات المصريين باستنتاخ طلعت حرب مصر الجديدة. [email protected] لمزيد من مقالات محمد مصطفى حافظ