نور هريدى طالب مصرى شاب، قرأت له تعليقًا عن أزمة التعليم في مصر نشره على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، استأذنته في أن أورده في مقالى لما فيه من عمق في تحليل أزمة التعليم إذ ربما يفتح الله على خبراءنا في التعليم في الوزارة ليستفيدوا منه ويفيدونا أفادهم الله. يقول نور: مريت بثلاثة أنظمة مختلفة للتعليم الأساسى حتى الآن، وأظن أنه أصبح عندى رؤية معينة عن الإختلاف النوعى وليس الكمى بين نظام التعليم في مصر وأنظمة التعليم الدولية خارج مصر. تعلمت في طفولتى في مدرسة خاصة من المدارس الفرنسية الشهيرة في مصر، وكانت معروفة في مصر في فترة معينة أنها من أفضل نظم التعليم المتوفرة، لكن تجربتى اثبتت لي أن ذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة الآن. لما وصلت للمرحلة الثانوية انتقلت لمدرسة خاصة تانية من من نفس المدرسة ولكن في قسم يسمى بال"الدولية" أو النظام الفرنسى، وهو قسم منفصل عن باقى المدرسة يؤهل الطالب لشهادة "البكالوريا الفرنسية" المعتمدة من فرنسا مباشرة بدلا من شهادة الثانوية العامة، ومدرسو هذا القسم منهم مصريين وفرنسيين. اليوم وبعد مرور أكتر من 7 شهور على وجودى في الولاياتالمتحدةالأمريكية من إجمالى سنتين دراسة في مدارس يطلق عليها اسم العالم المتحد "UWC" لأحصل في نهاية المرحلة على شهادة "البكالوريا الدولية"، لاحظت خلال مقارناتى المستمرة طوال الشهور التي قضيتها هنا أن المشكلة الحقيقية في التعليم في مصر والتى ربما لايراها أغلب الناس أن الأزمة نوعية وليست كمية، بمعنى أنه مهما زادت مصروفات التعليم أكتر سيحصل الطالب في النهاية على شهادة أعلى في الدرجة لكن درجة التعليم بحد ذاته صفر. يستطرد نور: "الطالب مبيتعلمش أى حاجة تقريبا في أى نظام تعليمى في مصر مهما كان غالى، بإستثناء مدارس ذات وضع خاص جدا تحت إدارة السفارات ودول تانية، المشكلة أن المجتمع المصري بكل فئاته جاهل تماما بالمعنى الحقيقى للتعليم، التعليم مش مادة علمية أو لغوية أو إجتماعية بيدرسها الطالب خلال فترة وجوده داخل الفصل، التعليم الأساسى هو تجربة متكاملة بيمر بيها الطالب في سن معيّن بهدف تطوير هويته وشخصيته وإهتماماته ومعرفته وخبرته وقدرته على المشاركة والمساهمة في المجتمع من بعد التخرج. يضيف نور: قبل أن اسافر، سألنى كثيرون ما الفرق بين التعليم الخاص والتعليم الدولي في مصر، كنت دائمًا أجيب أنه لايوجد فارق. الفارق الوحيد هو أن المدارس الدولية في مصر أعلى في المصروفات بسبب أن المدرسين الأجانب يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة، لكن بسبب فساد المنظومة بالكامل، بدءًا من الأهالى اللذين يلهثون خلف الدرجات، وإدارات المدارس اللتى تلهث ورا الأهالى، ثم المدرسون اللذين يلهثون خلف إدارة المدرسة، يضطر المدرسون الأجانب للخضوع لنفس المنظومة المتقادمة للتعليم في مصر. يكمل نور قائلًا: منذ وصولى لمدرستى في أمريكا وأنا أري حجم الإختلاف النوعى في أسلوب النظر للتعليم كنوع من الاستثمار المستمر، هنا يتم معاملة الطلبة على أساس أنهم رواد وصناع تغيير وقادة المستقبل، ولذلك ينفق على الطالب الواحد عشرات الألاف من الدولارات. هنا يدرسون مواد علمية وتاريخية ورياضيات وكل مناهج التعليم العادية، لكن كل هذا ينتهي الساعة الثالثة عصرًا، لببدأ الجزء الأهم في رأيى وهو التعليم بالتجربة. فمثلا الطالب مجبر أن يشارك في عدد معين من عشرات وعشرات الأنشطة والنوادى المتوفرة، منها الفن والموسيقى والغناء والرقص والمسرح والكتابة ونوادى الأفلام والحفلات الموسيقية والطبخ والمؤتمرات وتصوير الفيديو وتعلم التكنولوجيا والخدمة الإجتماعية ونماذج التمثيل السياسى والرحلات البرية والرياضة بكل أنواعها والمساعدة في مأوى المشردين والمعسكرات وحملات التوعية والعروض الثقافية وعشرات غيرهم، والمفاجأة هنا أن 90% من كل هذه الأنشطة يديرها وينظمها ويبادر بها الطلبة. كل ماتفعله إدارة المدرسة هو انها تضع القواعد العامة والسياسات الأكاديمية. السؤال المهم هنا هو ماذا يمنع توفير كل هذا في مصر؟ يجيب نور: ما يمنعه من وجهة نظري ببساطة لا الفلوس ولا الإمكانيات، ما يمنعه هو غياب الإرادة السياسية، أحلم بيوم يتم فيه إعلان التربية والتعليم مشروع قومى وخطر قائم على الأمن القومى المصري، لا بدَّ من وضع سياسات قاسية على منظومة التربية والتعليم لتغييرها بشكل جذرى ودائم وليس فقط تغيير المناهج، وأن تتدخل السلطة السياسية في المدارس لإنهاء الحلقة المفرغة القائمة على الدرجات وإستبدال هذه المنظومة المتهالكة بنظام تربوى قائم على التعليم بالتجربة وفتح المدارس للجميع ومبادئ صحية كالإبداع والتعبير والنقاش البناء والفكر النقدى والخدمة الإجتماعية والتطوّع. لا بدَّ من مضاعفة رواتب المدرسين وإختيارهم بشكل تنافسى من قبل وزارة التربية والتعليم على أساس إتساقهم مع متطلبات ومبادئ المنظومة الجديدة. يجب إدخال اتحاد طلاب مدارس مصر بشكل مكثف في العملية الإدارية ليضخموا المشاركة الطلابية في إنجاحها. أحلم بيوم تكون فيه المدارس الحكومية في مصر مراكز للتنمية مفتوحة لمجتمع محيطها، طول الوقت تنظم بقيادة شبابها وطلابها عروض وندوات وحفلات موسيقية ومؤتمرات ومعارض وورش تدريب ونوادى مفتوحة للشباب. أحلم باليوم اللى مدارس مصر الحكومية تنتج جيل ذو وعى وموهبة وقدرات وثقافة وروح مشاركة يقدر ينقل مصر من دولة عالم ثالث لدولة عالم أول. هنا ينتهى تحليل الطالب نور لمنظومة التعليم وكيف يمكن تطويرها في مصر. تُرى هل هذا التحليل غائب عن السيد وزير التعليم والقائمين على عملية التعليم في مصر؟ أم تلك أحجية أخرى. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود