مفاجأة غير سارة كشفت عنها أحدث الاحصائيات الضريبية العالمية لعام2009 والتي احتلت فيها مصر المركز142 علي مستوي العالم في مؤشر سهولة المعاملات الضريبية. كما جاءت في ذيل القائمة بالنسبة للعالم العربي حيث تحتل المركز17 من القائمة التي تضم19 دولة عربية ولم تفلح اعلانات عبد القوي وفوترة الفواتير ولهجة التهديد بالحبس والغرامة في تعديل النتيجة المخيبة للآمال والتي تذكرنا بصفر المونديال!! هذا التقييم يرتكز علي مؤشرات البنك الدولي كما رصدها تقرير اقتصادي عربي محايد استنادا علي عدة معايير هي المشقة التي يتكبدها الممول وطول الفترات الزمنية الضائعة لسداد الأشكال العديدة لهذه الضرائب سنويا وكذلك معدلها الاجمالي!! الخبراء يرون أن المعاناة الضريبية لا تقتصر آثارها علي المتاعب التي يعانيها الممول فقط ولكن الأخطر من ذلك ان تصبح الدولة طاردة للاستثمار وليست جاذبة له وتدفع بكثير من المشروعات وخاصة المشروعات الصغيرة لإغلاق أبوابها والانسحاب من السوق لتضخ المزيد من العاطلين ويظل السؤال المطروح: كيف تصبح الضريبة أداة اقتصادية لتنشيط السوق بدلا من أن تكون وسيلة جباية فقط؟ وجاءت مصر في المرتبة91 بالنسبة لعدد المدفوعات الضريبية سنويا وفي المركز171 من ناحية وقت التعامل مع السلطات الضريبية بالساعات والمركز109 من ناحية معدل الضريبة الاجمالي. إلا أن الصورة لم تكن قاتمة تماما حيث رصد التقرير جوانب ايجابية للإصلاح الضريبي في مصر تمثلت في اصدار قانون ضرائب جديد عام2005 يقضي بتخفيض معدل الضريبة علي أرباح الشركات من40% إلي20% وكذلك إلغاء رسم التنمية بمعدل2% علي الأرباح التجارية كما سمح القانون بتقديم الملف الضريبي واعداده الكترونيا. أسباب الخلل الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد الأسبق ومهندس تصحيح المسار الاقتصادي في مصر في الثمانينات يضع يده علي أسباب الخلل في العلاقة بين الضرائب المصرية والممولين مشيرا إلي أن العيب يكمن في أن فلسفة الضرائب عندنا أصبح ينظر إليها علي أنها وسيلة للجباية وتوفير موارد للخزانة العامة وليس بصفتها أداة اقتصادية يمكن أن تلعب دورا هاما في تشجيع الأعمال وتنشيط الأسواق وبالتالي فإن الأمر يبدو وكأننا نقتل الدجاجة التي تبيض ذهبا.. وبدلا من أن تكون الضرائب وسيلة جاذبة للاستثمار فإنها تصبح طاردة له بدليل أن مشروعات كثيرة تضطر لإغلاق أبوابها والانسحاب من السوق بسبب ملاحقات الضرائب لها واختلاف توصيف البنود العديدة. ويري الدكتور سلطان أن التغلب علي الروتين ومنح الصلاحيات لمأموري الضرائب لتسوية كل القضايا المعلقة هي الخطوة الرئيسية التي يجب البدء بها إذا أردنا أن نضع الضرائب المصرية في المكانة التي تستحقها وتتناسب مع عراقة مصر كدولة رائدة في المنطقة العربية. ويدلل علي كلامه قائلا: إن سنغافورة كانت حتي عامي1976 و1977 قرية للصيادين تشبه منطقة أبوقير في مصر حتي جاء مؤسسها وبانيها اسمه لي كوان يو ووضع نصب عينيه حل مشكلتين رئيسيتين هما متاعب الضرائب والبيروقراطية الإدارية فاختار عناصر إدارية تتمتع بالكفاءة العالية للعمل بالجهاز الإداري للدولة ومنحهم مرتبات عالية وقام باصلاح الجهاز الضريبي حتي استطاع وضع الأسس لسنغافورة الحديثة التي نراها اليوم. فكما يقول نصر أبوالعباس أحد خبراء المحاسبة في مصر ورئيس الجمعية المصرية لحوكمة الشركات أن أهم أسباب هذا الخلل هي الإجراءات المكدرة التي يضطر الممول للقيام بها حيث أن أي مشروع يزيد علي150 ألف جنيه يضطر الممول للقيام بها حيث أن أي مشروع يزيد علي150 ألف جنيه يضطر صاحبه للتعامل مع أكثر من إدارة وأكثر من مأمور ضرائب. الفحص بالعينة ويثار السؤال... هل يمكن ملاحقة المتهربين بدون إشاعة جو طارد للاستثمارات؟ يرد نصر ابوالعباس بالايجاب مشيرا إلي أن ذلك يمكن ان يتم عن طريق الفحص الاختباري للكشف عن أي انحراف ضريبي وهو مايسمي( الفحص بالعينة), والبدء بتيسير الإجراءات بانشاء مأمورية ضرائب لمحاسبة الكبار في كل محافظة, من المحافظات والذين يسددون80% من حصيلة الإيرادات في كل محافظة. ولاتقتصر المشكلة علي صعوبة العثور علي المأمور ولكن هناك مشاكل عديدة ترجع إلي عدم وضوح النصوص الضريبية وازدواجيتها احيانا, كما يري ذلك الخبير المحاسبي إبراهيم فتح الله عضو جمعية المحاسبين والمراجعين الأمريكية(AICPA) وقد حدث ذلك مثلا عند صدور القانون91 لعام2005 عندما ألغي ضمانات وحوافز الاستثمار التي كان معمولا بها في القانون السابق وهذا يعني أن الفرصة لم تعد متكافئة بين منشأة بدأت عملها قبل صدور القانون وأخري بعد صدوره. إن وضع الضرائب في مصر يتشابه مع أوضاع كثير من الجهات الخدمية التي تتعامل مع المواطن بمنطق الاذعان, فهي الخصم والحكم في نفس الوقت هذا هو الرأي الذي تبديه سعاد الديب رئيس مجلس إدارة الجمعية الاعلامية لحماية المستهلك ونائب رئيس الاتحاد العربي لحماية المستهلك, وتري أن الضرائب لاتفتقد لسهولة الإجراءات فقط وإنما ايضا تتسم بعدم العدالة وكذلك الازدواجية في حالات كثيرة. فبالرغم من أن الضريبة في العالم تكون تصاعدية وفقا لنسبة الدخل فإنها في مصر20% بدون تفرقة بين من يكسب الملايين وبين من يكسب الآلاف أو المئات.