على مر التاريخ ... لم يكن الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الغربى ... ليبيا ... فى يوم من الأيام، يمثل تهديدا مباشرا لمصر. باستثناء عام 1977، والذى شهد «حرب الأيام الأربعة» كما يطلق عليها، بين مصر وليبيا، بسبب اعتراض الرئيس الليبى معمر القذافى على توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل. فما كان من القذافى إلا أن طرد عشرات الآلاف من المصريين العاملين فى ليبيا، آنذاك، ودعا إلى مظاهرة حاشدة من طرابلس إلى مدينة السلوم على الحدود مع مصر، بغية الوصول إلى القاهرة. ودعا إلى إزالة الحدود مع مصر وإقامة وحدة عربية بين مصر وليبيا. وهو ما اعتبره الرئيس السادات تدخلا سافرا فى الشأن المصري. وبالطبع، تصدت قوات حرس الحدود المصرية للمتظاهرين القادمين من ليبيا، فوجه القذافى نيران المدفعية على مدينة السلوم المصرية، وحدثت اشتباكات على الحدود بين قوات الطرفين، يوم 21 يوليو 1977. أمر، بعدها، الرئيس السادات بتحرك قوات مصرية إلى داخل ليبيا، بالتزامن مع هجوم القوات الجوية المصرية على المطارات الليبية والقواعد العسكرية، إضافة إلى توغل بعض الوحدات المدرعة داخل ليبيا. ولم تدم الحرب طويلا، وانتهت يوم 24 يوليو 1977، ولذلك سميت «حرب الأربعة أيام» وذلك بعد تدخل الرئيس الجزائرى هوارى بو مدين، والرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، وتم عقد هدنة، وعادت القوات المصرية مرة أخرى إلى أراضيها. وظلت العلاقات المصرية-الليبية متوترة حتى استشهاد الرئيس السادات، ثم تولى الرئيس مبارك حكم مصر. وفى مؤتمر القمة فى الرباط عام 1989 تم التصالح بين مصر وليبيا، وعادت العلاقات، مرة أخري، بين البلدين. وللحق، فقد حافظ الرئيس مبارك، خلال سنوات حكمه، على احتواء الرئيس معمر القذافى بشتى الطرق والوسائل، فى إطار تأمين هذا الاتجاه الاستراتيجى الغربي، لما له من تأثير على الأمن القومى المصري. وجاءت أحداث الربيع العربي، وتصاعدت وتيرتها، وسقط حكم العقيد معمر القذافي، وتحولت ليبيا، بعدها، إلى «دولة بلا دولة» وفتح الليبيون مخازن السلاح، التى كان القذافى يحتفظ بها، وأصبحت ليبيا مصدرا لتهريب السلاح إلى كافة بلدان الوطن العربي، ومنها مصر، عبر الحدود الغربية. ولعل من بين ما تم ضبطه على الحدود المصرية، معدات وأسلحة، لم نرها من قبل، إلا فى كتالوجات السلاح العالمية، فلقد كان القذافى يشترى أنواعا من الأسلحة، ولا يعلن عنها شيئا. وعمت الفوضى أنحاء ليبيا، وبدأت القبائل، فى البداية، تسيطر على اتجاهاتها داخل ليبيا، حتى ظهرت العناصر الليبية الإسلامية المتطرفة، وبدأت فى تجميع كل العناصر الإرهابية فى البلاد المجاورة، للإقامة فى ليبيا، وبدأت هذه التجمعات فى إعادة تنظيم عناصرها، وإنشاء معسكرات للتدريب. وظهرت داعش لتسيطر على مناطق سرت ودرنة وبنى غازي، وبالرغم من طرد الدواعش منها، إلا أنها مازالت محاصرة من كافة الجهات. وظهر حرس المنشآت النفطية فى منطقة الهلال النفطي، حيث آبار البترول، تحت زعامة إبراهيم جدران، ورغم كل الصراعات الموجودة، إلا أن البترول يصدر من بريقة وراس لانوف، أما حقول الغاز فى المنطقة الغربية، فمازال الغاز يصل منها إلى إيطاليا عبر أنابيب الغاز بميناء مليتا. وفى غرب ليبيا هناك تحت سيطرة قبائل الطوارق والتابو، أما منطقة طرابلس ومعها مطار طرابلس، فتقع تحت سيطرة عناصر مقاتلة، معظمهم من المتطرفين العائدين من أفغانستان تحت قيادة عبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف. أما باقى الأجزاء، وخاصة شرق ليبيا، فتحت قيادة اللواء حفتر، المعين من البرلمان الليبى المنتخب، ولذلك تعتبر قواته هى الجيش الشرعى للبلاد. وعلى الناحية الشرعية، فإن المؤتمر الوطني، المنتهية ولايته، مازال يصر على أنه الحاكم الشرعى للبلاد، ويصر على البقاء فى السلطة. أما مجلس النواب الشرعى المنتخب، برئاسة عقيلة صالح، مازال يراقب محاولات رئيس مجلس الوزراء فايز السراج، لتعيين حكومة وفاق وطني، والاتفاق على تسمية قائد الجيش، وبعض الوزارات السيادية. وهكذا، ظهر الحال فى ليبيا ... دولة مقسمة إلى عدة طوائف إرهابية متطرفة، أشهرها داعش، ودولة يتصارع عليها برلمانات متنافرة. ولعل أدق وصف للحالة فى ليبيا الآن، أنها استبدلت صناديق الانتخابات، بصناديق الذخيرة. أما على المستوى الدولي، فإن دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا، أصدرت قرارا بمنع تزويد ليبيا بالأسلحة، ومازال مندوب الأممالمتحدة، السيد/ مارتن كوبلر، حائرا بين أطراف الصراع هناك. ورغم ذلك مازال البترول يتدفق، ومازالت أموال ليبيا، فى عهد القذافي، مجمدة فى البنوك الخارجية. وحاليا، ومع استمرار الضغط على العناصر الإسلامية المتطرفة، خاصة داعش فى سوريا والعراق، بدأ أفرادها فى الهروب واللجوء إلى ليبيا للإقامة فيها، والانضمام إلى حركة داعش الليبية. وبهذا أصبحت ليبيا، اليوم، ملجأً لكل الدواعش والجماعات الإسلامية المتطرفة، الهاربة حتى من شمال إفريقيا، ومن نيجيريا. وقد قامت هذه الجماعات المتطرفة، فى الأسبوع الماضي، بشن هجوم على مدينة بن قردان التونسية، ومحاولة إعلانها ولاية إسلامية. ويحلل جميع المراقبين، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، أنه رغم إصدار الكونجرس الأمريكى موافقته للبنتاجون بالتصدى إلى حركة داعش، إلا أن الولاياتالمتحدة مكتفية بمحاربة عناصرها فى كل من سوريا والعراق فقط، أما ليبيا فيرونها خارج حسابات البنتاجون الأمريكي. ويضيف المحللون العسكريون أن أمريكا تأمل من ذلك أن تقوى داعش فى ليبيا، حتى تصبح شوكة فى جانب النظام المصري، بل وتهدده، وتخلق حالة من عدم الاستقرار فى مصر. ولكن يبدو أن فرنساوإيطاليا لا تتفقان مع هذا الفكر الأمريكي، باعتبار أن وجود توتر فى ليبيا بسبب تشجيع داعش والقوى الإسلامية المتطرفة، من شأنه خلق حالة من عدم الاستقرار فى منطقة جنوب المتوسط، وهو ما يؤثر، بالضرورة، على أمن وسلام فرنساوإيطاليا. وعلى الجانب المصري، ودون الخوض فى التفاصيل العسكرية، إلا أننى أؤكد أن مصر تدعم الشرعية الليبية، التى جاءت بها الصناديق الانتخابية، أى أنها تدعم قوات حفتر العسكرية. وعلى جانب آخر، فإن مصر لن تسمح بأى تهديد لأمنها القومى من جهة الغرب، وتحتفظ لنفسها بحق التدخل فى أى وقت لتحقيق أمن مصر القومي، تماما مثلما تدخلت القوات الجوية المصرية ضد عناصر داعش، بعد حادثة ذبح عدد من المصريين العاملين فى ليبيا. وأؤكد أن القوات المسلحة المصرية، كما ذكر الرئيس السيسي، لن تقف مكتوفة الأيدى أمام أى نية لتهديد الأمن القومى المصري، من قبل العناصر المتطرفة الموجودة على الأراضى الليبية، ونحن قادرون على ذلك بإذن الله. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج