ورود وبالونات وأعلام مصر في استقبال الطلاب بدمياط.. صور    الذهب يتأرجح بهدوء: تراجع بسيط في الأسعار وسط استقرار السوق المصري    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن مع بداية تعاملات السبت 21 سبتمبر 2024    محافظ أسيوط يواصل جولاته الميدانية لمتابعة رفع كافة مخلفات هدم المباني بجوار سور جامعة الأزهر    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة قنا    الإذاعة الإسرائيلية: خطة هجوم الضاحية تم إعدادها بشكل فوري بعد معلومات من مصدر موثوق    حزب الله: استشهاد 15 من كوادر الحزب في الغارة الإسرائيلية على بيروت    بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية بسريلانكا    بوتين يشكل لجنة لإمداد الجيش الروسي بالمتعاقدين    اليوم.. ليفربول يستضيف بورنموث من أجل تصحيح أوضاعه في البريميرليج    فيديو|بعد خسارة نهائي القرن.. هل يثأر الزمالك من الأهلي بالسوبر الأفريقي؟    الأهلي يستضيف جورماهيا الكيني في ليلة الاحتفال بلقب الدوري    ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز قبل الجولة الخامسة    استقبال الطلاب في مدارس الدقهلية بالشيكولاتة (صور)    حالة الطقس اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة قنا    انخفاض جديد في درجات الحرارة.. الأرصاد تزف بشرى سارة لمحبي الشتاء    تعرف على الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة اليوم    أسرار توت عنخ آمون.. زاهي حواس يتحدث عن مومياء نفرتيتي والكنوز المدفونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    ما حكم تلف السلعة بعد تمام البيع وتركها أمانة عند البائع؟.. الإفتاء تجيب    وزير الخارجية: مصر تدعم جهود الحكومة الصومالية الفيدرالية الرامية لتحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب    أسعار الفراخ البيضاء اليوم السبت 21-9-2024 في بورصة الدواجن والأسواق    اليوم العالمي للسلام.. كيف تساهم مصر في خفض التصعيد بإفريقيا والمنطقة؟    احتجزه في الحمام وضربه بالقلم.. القصة الكاملة لاعتداء نجل محمد رمضان على طفل    انطلاق العام الدراسي الجديد 2025.. والأعلام ترفرف أعلى المدارس    مأمورية خاصة .. ترحيل صلاح التيجاني من سرايا النيابة الي قسم إمبابة    استكمال محاكمة محاسبة في بنك لاتهامها باختلاس 2 مليون جنيه    عاجل.. فيفا يعلن منافسة الأهلي على 3 بطولات قارية في كأس إنتركونتيننتال    حبس متهم مفصول من الطريقة التيجانية بعد اتهامه بالتحرش بسيدة    ضبط 12شخصا من بينهم 3 مصابين في مشاجرتين بالبلينا وجهينة بسوهاج    رياضة ½ الليل| مواعيد الإنتركونتينتال.. فوز الزمالك.. تصنيف القطبين.. وإيهاب جلال الغائب الحاضر    فصل التيار الكهرباء عن ديرب نجم بالشرقية لأعمال الصيانة    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    هاني فرحات: جمهور البحرين ذواق للطرب الأصيل.. وأنغام في قمة العطاء الفني    وفاة والدة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية    عمرو أديب: بعض مشايخ الصوفية غير أسوياء و ليس لهم علاقة بالدين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تعزى وزير الداخلية فى وفاة والدته    عبد المنعم على دكة البدلاء| نيس يحقق فوزا كاسحًا على سانت إيتيان ب8 أهداف نظيفة    نائب محافظ المركزي المصري يعقد لقاءات مع أكثر من 35 مؤسسة مالية عالمية لاستعراض نجاحات السياسة النقدية.. فيديو وصور    فلسطين.. 44 شهيدا جراء قصف الاحتلال لعدة مناطق في قطاع غزة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    «التحالف الوطني» يواصل دعم الطلاب والأسر الأكثر احتياجا مع بداية العام الدراسي    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    مستشفى قنا العام تسجل "صفر" فى قوائم انتظار القسطرة القلبية لأول مرة    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    ريم البارودي تنسحب من مسلسل «جوما» بطولة ميرفت أمين (تفاصيل)    جوميز: الأداء تحسن أمام الشرطة.. وأثق في لاعبي الزمالك قبل السوبر الأفريقي    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون والعنف
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 05 - 2012

يشهد الواقع المصري أشكالا متنوعة من العنف المجتمعي لم تكن واسعة الانتشار كما هي الآن لدرجة أن الحديث عنه أصبح أمرا طبيعيا من مسلمات الحياة‏,‏ فلا تخلو صفحة الحوادث في كافة الصحف اليومية أو الأسبوعية من الحديث عنه‏,‏ فمثلا تكرار جرائم الخطف والبلطجة‏ ناهيك عن قطع الطرق... وهكذا تزداد الجرائم عنفا وتنوعا في أساليبها بصورة غير مسبوقة, لا تفرق بين متعلم وأمي, أو بين غني وفقير.
وتمثل هذه الظاهرة في جوهرها انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان قد تصل إلي حد المساس بأولي هذه الحقوق, الحق في الحياة, وتمتد إلي غيرها من قبيل الحق في السلامة الجسدية والنفسية والتي تكون موضع تعدد أشكال ودرجات متفاوتة من جراء أعمال العنف.
والعنف بوصفه ظاهرة فردية أو مجتمعية, هو تعبير عن خلل ما في سياق صانعها علي المستوي النفسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي, دفعه هذا السياق الذي يعانيه نحو استخدام العنف, متوهما أن خيار العنف والقوة سيوفر له كل متطلباته, أو محققا له كل أهدافه. وفي حقيقة الأمر إن استخدام العنف والقوة في العلاقات الاجتماعية, تحت أي مسوغ كان, يعد انتهاكا صريحا للنواميس الاجتماعية التي حددت نمط التعاطي والتعامل في العلاقات الاجتماعية; لأن العنف بتداعياته المختلفة, وموجباته العميقة والجوهرية, سيصنع جوا وظروفا استثنائية وغير مستقرة, تعرقل الحياة الاجتماعية والسياسية والتنموية.
وعلي الرغم من اتفاق معظم الكتابات الاجتماعية والسياسية علي تأكيد الطابع المتسامح للشخصية المصرية فإن نوعا من التغير الملموس حدث في الملامح العامة لهذه الشخصية خلال السنوات الأخيرة.حيث جاء اتساع دائرة العنف التي تسود المجتمع المصري نتيجة لزوال القيم الروحية الأصيلة من التسامح وقبول واحترام الآخر, وسيادة قيم العدوانية والبغضاء, مع زوال قيم الإبداع والتجديد والابتكار. كما اختلفت قيمة الأسرة المترابطة وحل محلها صورة الأسرة المفككة, وتحولت قيمة احترام القانون إلي قيمة التحايل علي القانون فأصبح العنف موجودا علي المستوي المؤسسي كما هو موجود بين الأفراد مما أوصلنا إلي ثقافة العنف.
ويعتبر العنف ظاهرة معقدة تشترك في تفسيرها عوامل عديدة وتتفاعل معها متغيرات مختلفة يأتي في مقدمتها العوامل النفسية التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر علي حالة الأفراد في المجتمع, وتدفع بعضهم للقيام بأعمال عنف. ومن هذه العوامل علي سبيل المثال حالة الإحباط التي قد تصيب الأفراد في المجتمع, خاصة إذا كان الشخص القائم بأعمال العنف يواجه الإحباط علي مستويات متعددة.
ويلعب البعد الاقتصادي دورا كبيرا وأساسيا في ظهور بؤر العنف مع تعقد الحياة الاجتماعية المعاصرة, وتزايد أعبائها, وارتفاع تكاليف المعيشة, وكثرة الالتزامات المادية واستئثار فئة من ذوي النفوذ في المجتمع بالمال والثروة والتسلط السياسي والاجتماعي, فضلا عن ضعف أو انعدام تكافؤ الفرص في المشاريع والحقوق الاجتماعية المتمثلة في التعليم الجيد والعمل المناسب, والعلاج الصحي السليم, والسكن الملائم,... إلخ. حيث يشعر المواطن بفوارق اجتماعية كبيرة نتيجة الافتقاد لعدالة التوزيع المادي فيكون الوضع ملائما لتحريك العنف خاصة لدي الفئات التي تعاني الفقر المدقع. وللمناهج الدراسية دور في تعزيز ثقافة العنف إذا لم يكن في السياق الذي يستخدم فيه العنف واضحا وهو ما يتطلب تدقيق المعني والتمييز بين العنف المشروع وغير المشروع وحدود ذلك في برامجنا التربوية ومناهجنا التعليمية.
ومما لا شك فيه أن زيادة العنف وظهور صور جديدة له, كتنامي ظاهرة العنف الرياضي, تفرض علينا ضرورة الانتباه إلي المخاطر الكامنة في هذه الظاهرة, وضرورة ترشيد المجال الرياضي ونشر الثقافة الرياضية الحقيقية, وإعادة إنتاج القيم السامية التي ينبغي أن يقوم عليها التنافس الرياضي الشريف, واحترام الآخر, وتقدير موهبته, وزيادة مساحة التسامح معه.
كما تسهم وسائل الإعلام بشكل كبير في ترسيخ مفهوم العنف من خلال ما تبثه من برامج وأفلام وأعمال درامية تروج للعنف والعدوان بأنواعه المتعددة سواء اللفظي أو البدني,حيث يعطي للبطل الحق في أن يكون خصما وحكما في الوقت نفسه يسعي للحصول علي حقه بيده حتي لو قتل أو سرق في سبيل ذلك, كما أن اختيار أبطال تلك الأعمال الدرامية ممن يتسمون بخفة الظل يعطي للشباب نموذجا محببا للعنف يسعون فيما بعد للاقتداء به حينما تواتيهم الفرصة, وذلك كله يعني تنشئة مبكرة علي تقبل هذه الظاهرة وسلوك مسلكها.
أيضا أدي انسداد قنوات التغيير السلمي والشرعي إلي علاقة ملتبسة بين المواطن والسلطة, فهو يراها سلطة مستبدة يحمل تجاهها مشاعر الرفض والغضب وفي الوقت نفسه يداهنها ويخشاها, وشيئا فشيئا تحدث تشوهات في شخصية المواطن فإما أن ينفجر غضبه في أعمال عنف تجاه السلطة ورموزها, أو يزيح هذا الغضب تجاه غيره من المواطنين فيقهرهم ويحول غضبه إلي عدوان سلبي يظهر في صورة عناد وسلبية ولامبالاة وكسل وتراخ.
ومن المفترض أن القوانين والضوابط التي تحكم المجتمع تحد من عنف الأفراد, ولكن يبدو أن تلك القوانين والضوابط قد أصبحت ضعيفة بدليل أن منطق القوة أصبح هو السائد الآن فكل فرد يريد أن يأخذ حقه بنفسه بعد أن فقد الإحساس بالعدالة خاصة في ظل بطء إجراءات التقاضي, كما أن السياسات الحكومية الفاشلة ولجوء السلطات الرسمية نفسها أحيانا للعنف في تعاملها مع المواطن, دفعه إلي اللجوء هو أيضا للعنف.
وفي ضوء حقيقة أن انتشار العنف يمثل خرقا صريحا للأمن ببعديه المادي والنفسي تبدو للوهلة الأولي أن مسئولية التعامل المباشر مع مظاهره في المجتمع تقع علي عاتق الأجهزة الأمنية, في حين تتحمل السلطة القضائية عبء ردع هذا السلوك من خلال توقيع العقوبات الملائمة علي مرتكبيه, خاصة أن قضايا العنف أضحت ظاهرة متكررة وارتفع مستوي الوحشية فيها فضلا عن أنها مست جوهر العادات والمعتقدات المجتمعية.
ومن المؤكد أن تحميل الأجهزة الأمنية المسئولية وحدها في هذا الخصوص, كأن العنف هاجس أمني فقط يعتبر منافيا للواقع والحقيقة. مع التسليم بأهمية ومحورية دور المنظومة الأمنية في التعامل بحزم مع مظاهر العنف, من ملاحقة مرتكبي أعمال العنف بيد أن الأمر يتطلب تضافر جميع جهود الأجهزة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في العديد من الميادين التي تتجاوز حدود واختصاصات وإمكانيات الأجهزة الأمنية بشكل يجعل منه مسئولية وطنية تقع علي عاتق الجميع.
ومن ثم تستلزم مواجهة العنف في المجتمع المصري إذا أريد لها أن تكون فعالة وناجحة وضع إستراتيجية متعددة الأبعاد ومتشابكة الأطراف, تتخطي الجانب الظاهري للعنف المتمثل في الأفعال لتتعامل مع الجذور العميقة التي تساعد علي تضخيم حجم الظاهرة وزيادة نسبة مرتكبيها ومعدلات وقوعها, بشكل يجمع بين أسلوب المواجهة الفورية مع مرتكبي العنف, من خلال الأجهزة الأمنية, والأسلوب الوقائي العلاجي.
وبالتالي يبدأ العلاج من الأسرة باعتبارها أكثر المحيطات التي يتعلم منها الفرد بحكم تفاعله المستمر معها, الأمر الذي يتطلب القيام بدورها في التنشئة الاجتماعية ومراقبة الأبناء بشكل غير مباشر وبحث مطالبهم ومصالحهم وحل مشكلاتهم بالتفاهم والحوار الايجابي.
هذا إلي جانب أهمية الالتزام الكامل بالقوانين, واستعادة ثقة المواطن في أجهزة الأمن وتشجيعه علي أن يكون عونا لتلك الأجهزة في السيطرة علي الخارجين علي القانون, بالإضافة إلي ضرورة استعادة الدور التربوي لوزارة التربية والتعليم وتطوير التعليم, وإشاعة قيم التسامح والعدل وغيرها من الأخلاقيات التي من شأنها أن تحد إلي درجة كبيرة من أعمال العنف والشغب.
إذن يمكن القول إن حل هذه المشكلة يجب أن يصبح بمثابة مشروع قومي يهدف إلي استعادة طبيعة الشخصية المصرية المعهودة, ومن ثم لابد أن تجتمع كل الأطراف لأن غياب أي منها سوف يؤدي لفشل منظومة الإصلاح وتفاقم العنف وتزايد الجريمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.