دعا «زلمان شوفال» السفير الإسرائيلى الأسبق بالولايات المتحدة يوم 29/2/2016 فى مقال له بصحيفة «يسرائل هايوم» العبرية، المقربة من الائتلاف الحاكم بإسرائيل إلى تهجير جزء من سكان القطاع، مشيرا إلى عدم وجود حل للمشكلات التى يعانينها القطاع، مع عدم جدوى أى حل سياسى ما دامت هناك مشكلة سكانية وديمجرافية هناك، لهذا فإن هناك ضرورة فى نقل جزء كبير من فلسطينيى القطاع خارجه، سواء بنقلهم إلى المناطق التى تسيطر عليها السلطة الفلسطينية أو إلى إحدى الدول العربية وعلى رأسها «مصر». وتعكس مقترحات السفير الإسرائيلى «زلمان شوفال» سعى إسرائيل لتوظيف المتغيرات الدولية لتحقيق مكاسب لمصلحة تعزيز منظومة الأمن الإسرائيلى من خلال التخلى عن مسئولياتها القانونية والأخلاقية تجاه القطاع باعتبارها سلطة احتلال والعمل على توفير بدائل للمجتمع الدولى الذى يواجه صعوبات فى توفير احتياجات اللاجئين الفلسطينيين بحشد التأييد الدولى لفكرة نقل عشرات الآلاف منهم للأراضى المصرية بدعوى تخفيف المعاناة الاقتصادية والمعيشية لسكان القطاع (يضم نحو 1.8 مليون فلسطينى فى مساحة لا تتجاوز 365 كيلو مترا مربعا). تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تعاملت مع قطاع غزة منذ احتلاله عام 1967 وفق سياسات تتسق مع أهدافها الاستراتيجية باعتباره عبئا أمنيا يجب التخلص منه فى الوقت المناسب، حيث حرصت عقب احتلال القطاع عام 1967 على التعامل بصورة مختلفة عن باقى المناطق المحتلة، فلم يصدر بشأن القطاع قرارات تطبيق القانون الإسرائيلى عليه وضمه على غرار القدس وهضبة الجولان، فضلا عن محدودية كثافة الأنشطة الاستيطانية بالقطاع مقارنة بالضفة الغربيةوالقدس. ورغم تأكيد اتفاق أوسلو على الوحدة الجغرافية والقانونية والسياسية لقطاع غزة مع كل من القدس والضفة الغربية، فإن القيادة الإسرائيلية حرصت على الإسراع بنقل مسئولية قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، مع الاحتفاظ بالسيطرة الإقليمية على حدوده البرية والبحرية والجوية، وتبنى خطة «الإنطواء» (الانسحاب الأحادى من قطاع غزة) خلال مؤتمر «هيرتزليا» عام 2003، وتنفيذها عام 2005، مع الاحتفاظ بالسيطرة على المعابر والحدود البرية والبحرية والمجال الجوى. عقب انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزة عام 2007، أعلنت إسرائيل «قطاع غزة» كيانا معاديا، وبدأت فى اتخاذ سلسلة من الإجراءات التى تميز بين الأوضاع فى الضفة الغربية وقطاع غزة وتسهم فى إرساء عوامل الانقسام السياسى والقانونى والجغرافى بينهما، مع تبنى «نيتانياهو» استراتيجية رافضة لإقامة الممر الآمن الذى يربط بين قطاع غزة والضفة الغربية (يمر منتصف الأراضى الإسرائيلية). وقد استغلت إسرائيل معطيات الأوضاع السائدة بالقطاع لتحقيق أهدافها سواء بتهيئة المجال أمام تشجيع «فكرة النزوح الفلسطينى عبر الحدود المصرية»، التى وضعت محل التنفيذ الفعلى سواء تحت ضغوط إسرائيلية أو بدفع من أطراف إقليمية، أو تطوير سياسات التعامل الإسرائيلى مع القطاع (السياسية الأمنية العسكرية الاقتصادية)، والتى ركزت على تعزيز «أمن الدولة الإسرائيلية» بالتوازى مع خفض مستويات المسئولية والارتباط بين القطاع وإسرائيل ومحاولة تحميل الجانب المصرى مسئولية إدارة شئون القطاع، وذلك بإحياء فكرة إقامة الدولة الفلسطينية بقطاع غزة وامتدادها فى سيناء (سبق طرحها عام 1991) وبما يسمح بإقامة دولة فلسطينية عازلة، وقد تم تطويرها لاحقا من خلال مقترحات تبادل الأراضى بين مصر وإسرائيل، والتى أطلقها اللواء «جيورا إيلاند» (تقضى باستقطاع نحو 600 كيلومتر من سيناء بمحاذاة القطاع وتعويض مصر بمساحة من منطقة النقب)، وهى الأفكار التى حاولت كل من إسرائيل والولايات المتحدة تمريرها خلال فترة حكم الإخوان لتسوية القضية الفلسطينية على حساب الأمن القومى المصرى. ومن جهة أخرى، سعت الحكومة الإسرائيلية مع بدء ثورات الربيع العربى وانشغال الأطراف العربية المؤثرة بمشكلاها الداخلية إلى مطالبة الأممالمتحدة بتغيير الوضعية القانونية للقطاع من (إقليم خاضع للاحتلال) إلى وضعية انتقالية جديدة بمسمى (إقليم ذو وضعية قانونية فريدة من نوعها) مستندة فى ذلك لوجود «16» إقليما مسجلين دوليا بهذا المسمى، بالتوازى مع محاولة إجراء مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس لعقد هدنة طويلة المدى مقابل إنهاء الحصار وتسهيل الاتصال مع المجتمع الدولى من خلال فتح ممر بحرى وإقامة ميناء فى قطاع غزة مع التزام دولى بتفتيش السفن فى محطة وسط (أحد موانئ «قبرص/ اليونان»)، والتى تلعب فيها تركيا دورا كبيرا لتعزيز نفوذها الإقليمى على حساب إنهاء القضية الفلسطينية وترسيخ الانقسام الفلسطينى. ويتزامن طرح السفير الإسرائيلى مع تصريحات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال «هرتسيل ليفى» فى أثناء استعراضه فى لجنة الخارجية والأمن الأسبوع الماضى للمخاطر التى تشكلها الأوضاع المتدهورة بالقطاع على الأمن القومى الإسرائيلى، فى ظل التخوف من سيناريو اقتحام آلاف السكان الحدود مع إسرائيل، وتحذيره من أن الرد العسكرى على ذلك قد يعملان على تدهور الوضع إلى اتجاهات غير مرغوب فيها، وبما يشير إلى مساعى الحكومة الإسرائيلية لاستغلال الأزمة الفلسطينية والتطورات الإقليمية الجارية لتصب فى مصلحة تحقيق الأهداف الإسرائيلية، لا سيما مع وضوح رغبة حركة حماس فى تثبيت سيطرتها على قطاع غزة وفتح المعابر، وفى مقدمتها معبر رفح للانفتاح على الأطراف العربية والإقليمية والدولية، وتعزيز العلاقات مع الحلفاء الإقليميين وتوسيع دائرة مؤيديها، أملا فى إقامة كيان مستقل فى القطاع كنواة لإقامة دولة فلسطينية على كامل أراضى فلسطين بعد إسقاط السلطة الفلسطينية والسيطرة على منظمة التحرير. ولا شك، فإن مجمل تطور الأوضاع فى قطاع غزة فى ظل الأفكار الإسرائيلية بالتسوية النهائية وخطوات تنفيذها تطرح مجموعة من التحديات والتهديدات تجاه الأمن القومى المصرى فى ظل استمرار الجهود المصرية لتعزيز الأمن فى منطقة الحدود المشتركة وسيناء سواء بتصدير تداعيات الأزمة بقطاع غزة إلى الساحة الداخلية فى مصر، وبصفة خاصة فى شبه جزيرة سيناء وتأثيره على الأوضاع الأمنية، أو توظيف بعض الاتجاهات المعادية سواء من التيارات الداخلية أو الأطراف العربية والإقليمية (تركياإيران إسرائيل) الأزمة بالقطاع لمحاولة الإضرار بالمصالح المصرية، والتأثير على الاستقرار الداخلى (التشكيك فى دور مصر تجاه القضايا المصيرية خاصة الفلسطينية قوافل الإغاثة الاتهامات بحصار الفلسطينيين عمليات النزوح الجماعى الحملات الإعلامية المعادية). وتحقيقا للمصالح القومية خاصة الأمنية، فقد يكون من المناسب مواصلة تطوير سيناريوهات التعامل مع الأزمات الحدودية المحتملة وإمكانات احتوائها مع الإعداد الإعلامى لتعزيز فرص نجاحها، وحشد طاقات الدولة لمساندة جهود القيادة السياسية للإسراع بتنفيذ المشروعات القومية فى سيناء خلال السنوات المقبلة بما يضمن التنمية البشرية والاقتصادية التى تمثل الركيزة الأساسية فى سد الثغرة الاستراتيجية على أخطر اتجاهات تهديد الأمن القومى المصرى بمختلف أبعاده، بالتوازى مع تأكيد ثوابت السياسة المصرية فى التعامل مع القضية الفلسطينية (دعم حل الدولتين الحفاظ على وحدة الأراضى الفلسطينية القطاع والضفة والقدس لإقامة الدولة القادرة على البقاء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى العمل على تحقيق المصالحة الوطنية تحميل الاحتلال المسئولية الكاملة عن القطاع). لمزيد من مقالات لواء . محمد عبدالمقصود