عندما تبدأ حرارة الجو فى الإرتفاع إيذانا بإقتراب فصل الصيف أتجه لتناول المشروبات الباردة وفى مقدمتها مشروب الليمونادة الذى أفضل تناوله وهو مثلج مما يشعرنى بعد تناول الرشفة الأولى بأنى كمن تناول جهاز تكيف بارد منعش! وبعد شعور بالإنتعاش جلست لأقرأ وأتابع ما يحدث فى عالمنا. ووجدت أن الحديث يدور عن عدم الإنحياز وحركة عدم الإنحياز. وأصدقكم القول فقد شعرت بأنى فوجئت بالأمر كمن سمع على سبيل المثال خبر تاريخى قادم من زمان بعيد مثل الإستعداد لمواجهة التتار أو إتحاد بلاد الشام مع مصر لطرد الصليبيين أو ما شابه! وفى واقع الأمر فإن فكرة عدم الإنحياز حولها الزعماء جمال عبد الناصر من مصر وجواهر لال نهرو من الهند وجوزيف بروز تيتو من يوغوسلافيا السابقة الى واقع ملموس والى حركة فاعلة على الساحة الدولية عقب المؤتمر الأول لحركة عدم الإنحياز فى العاصمة اليوغوسلافية بلجراد عام 1961. وكانت الحركة مناسبة للزمن الذى ولدت فيه وأتت ببعض الثمار التى لايمكن إنكارها وفى مقدمتها المساهمة فى دعم وإنجاح حركات التحرير فى كل من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وكذلك كان لها دور لايمكن إنكاره فى قبول الصين الشعبية كعضو بالأمم المتحدة وحصولها على مقعد دائم بمجلس الأمن. ولكن الزمن معروف بتغيره وبالتالى فإن تطوير عدم الإنحياز تطلب قدر كبير من الصراحة مع النفس قبل الوقوف أمام منابر الخطابة وأمام كاميرات وسائل الإعلام المختلفة. ويبدو أننا فى زمن تحولت فيه الصراحة الى عملة تزداد ندرتها مثل الأخلاق والشجاعة. ولذلك وفى عصر ما بعد إنتهاء الحرب الباردة بدأت الحقائق تطفو الى السطح فظهر إنحياز مصر الفعلى للولايات المتحدة وهو الإنحياز الذى تزايد بشكل مطرد منذ السبعينيات من القرن الماضى أما يوغوسلافيا فقد تم تفتيتها وأصبحت دويلاتها الجديدة منحازة أكثر من أى وقت مضى لحلف شمال الأطلنطى وللإتحاد الأوروبى أو روسيا الإتحادية أما الهند فقد شقت طريقها بتوازن ولكن ذلك لا يحول دون تقديم قدر من التنازلات أمام الرغبة فى الحصول على التكنولوجيا الأمريكة المتطورة والتسليح المتقدم. وبالتالى إذا تم النظر الى خريطة الدول الأعضاء بحركة عدم الإنحياز فسنجد أغلبها وقد إنحاز بالفعل -حتى وإن أحجم عن الإعتراف بذلك صراحة - لقوة من القوى الكبرى. إن الأمر الواقع يملى على الدول الأعضاء بحركة عدم الإنحياز أن تطور الحركة وسبل التعاون الحقيقى بين الأعضاء لتكوين تكتل لديه من القدرة ما يؤهله لحفظ التوازن وضمان تحقيق الأمن والسلم العالميين وأهداف التنمية وسد الفجوة الهائلة بين الشمال الصناعى الغنى المهيمن والجنوب النامى الفقير المنقوص السيادة. وأتمنى كمصرى أن يأتى اليوم الذى نرى فيه أبناء مصر يقفون صفا واحدا فى"جمعة التخلى عن الجنسية الأجنبية" وعن "الجنسية المزدوجة"فهم الأولى بتطبيق عدم الإنحياز على أنفسهم وهو ما يبدأ بالتمسك بجنسية الوطن.كما أتمنى كغيرى من المصريين البسطاء أن نتابع إتمام خطوات الوحدة الإقتصادية العربية ومعها الوحدة الإقتصادية لدول الجنوب لتكون درعا حاميا من شراهة الشمال وإستغلاله وهيمنته الإقتصادية والسياسية.فنحن اليوم فى عالم لايعرف إلا شعار ما حك جلدك مثل ظفرك. تردد المثل فى عقلى كثيرا وأنا أستكمل تناولى لكوب الليمونادة المثلج وبعدها نظرت الى الأفق فى صمت. المزيد من مقالات طارق الشيخ