«فن الأحاجى والألغاز فى التراث العربي» من كتب الدكتور «محمد رجب النجار» المهمة، وذهب فيه إلى أن العرب اهتموا بهذا الفن من بداية عصر التدوين العربى وإلى العصر الحديث، مروراً بالعصر المملوكى الذى بلغت فيها العناية بالأحاجى والألغاز ذروتها. واهتم الكتاب بمخطوط كتاب «الإعجاز فى الأحاجى والألغاز» ل « أبى المعالى سعد الدين الحظيرى البغدادي» ( توفى 568 ه)، كأول معجم عربى فى هذا الباب. ويعكس عناية العرب الفائقة بالفن القولى الذائع بين الناس، وينتهى إلى أن عناية القدماء بالأحاجى والألغاز قديمة قدم عصر التدوين العربى نفسه. وأكثر كتب التراث عناية بهذا الفن بعد المصنفات اللغوية هى كتب التراث البلاغى والنقدى الذى تناولته باعتباره ضربا من علم البيان. والقدماء تجاوزوا مرحلة الجمع العشوائى إلى مرحلة التصنيف العلمى للمادة اللغزية، فعرفوا قبل غيرهم التصنيف المعجمى كما عرفوا التصنيف البنائي، ووصلتنا مجموعات لغزية كاملة لهذا وذاك، بجانب التصنيف الموضوعى الذى أخذ به علماء النحو والفقه فى مصنفاتهم اللغزية التعليمية. وكان القدماء من رحابة الصدر وسعة الأفق، وشمولية المعرفة أو الثقافة بحيث وجهوا عنايتهم ليس فقط إلى ألغاز الخاصة (الأدبية) وإنما أيضا إلى ألغاز العامة الشعبية. ومنها أن فن الألغاز قديما لم يعرف الحواجز الطبقية أو الثقافية فكثير من ألغاز الخاصة هبطت إلى العامة فتداولوها شفاهيا، وكثير من الغاز العامة صعدت إلى الخاصة، فرددوها وأعادوا صياغتها . واحتفت كتب التراث العربى بأشكال وقوالب أخرى للفن اللغزي، مثل الأوابد اللغزية الجاهلية، والمحاجاة اللغزية بين النساء والرجال، والألغاز السياسية، والمطيرات وحل المترجم وألغاز الخلاص، والألغاز المستعصية والألغاز الحوارية والألغاز المجونية والنوادر اللغزية والألغاز القصصية والحكايات اللغزية إلى غير ذلك من نتائج حيوية تؤكد لنا أهمية النظر فى التراث العربى من منظور علم الفولكلور، ليس فقط من أجل تحقيق التواصل الثقافى والفني، أو سبيلا من سبل البحث عن حل لتلك المعادلة اللغزية (التراث / المعاصرة أو الأصالة/ الحداثة) الحائرين فى اكتشاف معضلتها، وإنما أيضا من أجل تأسيس علم فولكلور عربي، على أسس وتقاليد علمية وعربية أصيلة.