هو صاحب رؤية متسعة ومدهشة تأسست علي بناءين صلبين تضمهما رؤية تجمع عناصر الفولكلور في نسق علمي يربط بين الفولكلور كمادة تراثية أو مأثورية والعلوم والمناهج والنظريات الحديثة، كما اقتحم بمبضعه العلمي النصوص ليفض مغاليقها التي سكت علم الفولكلور عن فض شفرتها فترة طويلة، ليصل بالعلم يفاعته، فلم يكن مجرد راصد علي أهمية الدراسات الراصدة ولكنه أبحر بقاربه وحده ليمخر عباب بحر كنا بحاجة لخوضه والتعرف علي عمق مجراه، وتكوينات أرضه، ومورفولوجية محتواه، وبنية تركيبه، قد يبدو هذا التقديم بلاغيا، لكنه يحاول ما أصعب المحاولة أن يمسك بشخصية علمية وإنسانية كبيرة، وعقل موسوعي أدرك منذ البداية أن له مشروعه العلمي الممتد، فدراساته المستفيضة والمعمقة في السرد الشعبي العربي، أو في الشعر الشعبي، تتسلح بإفاضة الباحث المدقق الذي لم يفقد أبدا فضيلة الدهشة، حيث تكمن أهمية دراساته مجتمعة في عودتها إلي ينابيع مصدرية تراثية مهمة، هذه العودة، لم تكن ماضوية، أو لرغبة في إشباع خرافة الأبوة، وإنما لتجذير عناصر المأثور الشعبي الحي، بالبحث عن وجوهه في بطون الكتب، أو بالأحري عن الرواسب الثقافية التي تشع بأصدائها علي عناصر الفولكلور حتي الآن، لقد كانت هذه المحاولات / المشروع الطريق لاستنطاق المادة الفولكلورية جمعا وتصنيفا وتحليلا، ولا نغالي إذا قلنا إن الدكتور محمد رجب النجار هو الذي رصف هذا الطريق البحثي بحيث يعد عمدته في الوطن العربي. إن تأملا دقيقا للمشروع العلمي لهذا العالم الجليل سيضعنا في حلقاته التي تبدأ بدراسات موسوعية مستفيضة ومؤسسة واصفة ومصنفة، إلي دراسات خاصة بعنصر محدد أو بنوع أدبي خاص، وفيها يقف موقف التحليلي الذي يمسك مبضعه التأويلي مستخرجا الدلالات السيسيو جمالية، رابطا بين بنية هذه النصوص الاجتماعية والتاريخية وتكونها الدلالي، ولأن مشروعه بحاجة إلي دراسة مستفيضة تؤكد علي هذه المعاني فإننا سنرصد بعض هذه الدراسات ربما منحتنا هذه الدلالات ، فمن الدراسات التي تقدم تأسيسا عاما جامعا في التراث القصصي دراسته المعنونة ب : دعوة لدراسة تراثنا القصصي في ضوء مناهج الفولكلور، وكذلك : الأدب الملحمي في التراث العربي مدخل بنيوي لدراسة السير الشعبية الأساطير العربية ، ومن هذا العام المتسع إلي دراسات عامة لكنها تخصص نفسها لموضع أكثر دقة مثل : حكايات الحيوان في التراث العربي فن الأحاجي والألغاز في التراث العربي ، مدخل تاريخي أدبي فولكلوري ملاحظات حول أدب الملاحم العربية وقضايا البطل الملحمي حكايات الشطار والعيارين في التراث العربي، ومن هذه النقطة يرتكز البحث حول عنصر محدد في هذا المحيط العام كدراساته ل : المرأة في الملاحم الشعبية العربية البطل الأوليائي في القصص الصوفي شخصية السندباد في التراث الشعبي العربي موت البطل في السير والملاحم الشعبية ، هكذا يتحرك مشروعه بداية من قاعدة صلبة تتأسس عليها ومنها فروع العلم وما يستتبعه من دراسات نوعية ، وفي إطار دراسات فنون السرد تأخذ دراسات السير والقصص؛ كل واحدة علي حدة مكانتها في قلب مشروعه العلمي، مثل : قراءة في سيرة حمزة العرب أو ملحمة الصراع بين العرب والفرس في التراث الشعبي العربي سيرة فيروز شاه أو الرواية العربية للشهنامة الفارسية قصص الحب في الليالي البني والوظائف الأصول الأسطورية لسيرة سيف بن ذي يزن أبو زيد الهلالي ، دراسة نقدية في الإبداع الشعبي العربي جحا العربي ، وتتوالي الحلقات حتي تصل إلي نوع إبداعي من هذه الفنون التي تندرج تحت جنس الأدب الشعبي ليدرس : الغطاوي الألغاز المعاظلات اللسانية الأمثال ، من هنا يمكن تتضح العلاقات بين دراساته لتبين عن تشابكات مبنية بناءً محكما يقف خلفه ذهنية علمية تؤكد بدراساته أن المأثور الشعبي لم ينشأ من فراغ ، وإنما تقبع في خلفيته تراثات لابد من العودة إليها، كما يؤكد علي معني مهما أخر هو أن الانشغال بمعرفة التراث لا يعني التخلي عن النظريات والمناهج الجديدة ، كما يقدم في هذا الإطار دعوة إلي الباحثين والمهتمين بالتراث والمأثور الشعبي مفادها أن العمل الميداني field work لابد أن يستند إلي عمل مكتبي disk work في كتب التراث التي تزخر بعناصر ومواد فولكلورية ذات علاقة بما نجمعه ميدانيا. إن د. محمد رجب النجار يعد واحدا من أهم الغواصين في الذات الشعبية الجمعية فهو يعد "بشهادة كل المهتمين بالتراث الشعبي العربي - سيد هذا المجال وحارس هيكله، حيث لم يكتف عالمنا الراحل بالدراسة في مجالين مهمين وأساسيين هما : السرد السرد الشعبي، والشعر الشعبي، وإنما فاض نهر علمه بعدد من الدراسات في مجالات أخري تندرج تحت علم الفولكلور بوصفها جنسا متسعا، وقد جمعت هذه الدراسات علي كثرتها بين الميداني والتراث المدون، ولأن مشروع الدكتور النجار بحاجة إلي دراسات مستفيضة حول مجالاتها وطروحاتها المثيرة فإننا سنكتفي بالإشارة إلي مجموعة من هذه المجالات : دراسات فولكلورية عامة - دراسات في الفولكلور الكويتي- أصول الجمع الميداني- تحقيق النصوص الشعبية - دراسات في التناص مع عناصر الفولكلور- الدراما الشعبية - الحرف والصناعات الشعبية - القيم والعادات والمعارف والمعتقدات الشعبية - التصنيف والببليوجرافيا، وتبصرنا هذه التصنيفات، بل توجه عقولنا لفيض علمه الذي فتح طرقا ظلت مغلقة في العلم، كما أنار سبلا كنا بحاجة إلي من يدفعنا إليها، فقدم عددا من الفتوحات البحثية، والمعارج التي لا يقترب منها إلا فنان تسيج روحه أدوات العالم الذي لم يفقد في لحظة فضيلة الدهشة، ليخرج متجاوزا الأفكار السكونية والمنمذجة، وهاهي الأيام تمر لكننا نقف مشدوهين أمام إطلالاته وإسهاماته العميقة التي ستظل تحفر عميقا في نهر هذا العلم الذي ترك فيه بصمته ومضي ليترك لنا إرثه / إرث جماعتنا الشعبية نستعيد معه هويتنا التي يتم تبويرها، ونستعيد معها صوته وفتوحاته العلمية التي ستظل فاعلة وخالدة في الذاكرة العربية الواعية بأقدار علمائها .