تابعت باهتمام مناقشات مجلس الشعب حول موضوع الغرامات التي تم توقيعها علي بعض المواطنين الذين زرعوا محصول الأرز في أراض غير مصرح بزراعة هذا المحصول فيها, وقد طلب بعض أعضاء المجلس الموقر رفع هذه الغرامات أو إيقاف العمل بها, وانتهت المناقشات إلي أن كلف رئيس المجلس لجنة الزراعة بإعداد تقرير يوصي بوقف الغرامات بشكل مؤقت لمدة عام واحد علي أن يتم تطبيقها بموجب القانون حال تكرار هذه المخالفات الأهرام18 فبراير2010. وفي نفس الوقت أفادت الأهرام(2010/3/7) أن محافظ الشرقية قد وافق علي إعفاء المزارعين بالمحافظة من الغرامة المقررة علي زراعات الأرز وقدرها2000 جنيه للفدان مراعاة لظروفهم الاجتماعية واستجابة لالتماساتهم, ومن الطبيعي أن لهؤلاء الزراع حججا موضوعية تدعم وجهة نظرهم يمكن أن نوجزها فيما يلي: أن محصول الأرز يمثل قيمة اقتصادية عالية للفلاح لأنه مخزون غذائي يغني عن المال وهو في نفس الوقت محصول نقدي يمكن بيعه والاستفادة بثمنه في أي وقت. إن المحصولين المنافسين للأرز في الموسم الصيفي وهما القطن والذرة تكاليف المدخلات لهما باهظة ويتعرض تسويقهما للعديد من المشاكل والعقبات في نفس الوقت. الأرز محصول استصلاحي يعمل علي تخليص التربة من الأملاح التي قد تتراكم فيها خلال زراعة المحاصيل التي تسبق محصول الأرز. محصول الأرز يمكن أن يستوعب المياه الأقل جودة والأعلي في نسبة تركيز الاملاح. أن زراعة الأرز في الأجزاء الشمالية من الدلتا تعمل علي حماية هذه الأجزاء من تداخل وتوغل مياه البحر التي يمكن أن تؤثر علي الأراضي والمياه الجوفية إذا زرعت بمحاصيل جافة مثل القطن والذرة. الأرز محصول تصديري تشهد أسواق العالم بامتياز الأصناف المصرية منه حتي في البلاد التي تنتج وتستهلك كميات كبيرة منه مثل منطقة شرق آسيا. أن بعض الزراع قد نجحوا في مضاعفة العائد من زراعة الأرز بتربية الأسماك في أحواض المياه وتحسن أحوال التربة والمحصول في نفس الوقت بالاستفادة بمخلفات هذه الأسماك. إن الأصناف التي تم اكثارها ويجري زراعتها في الوقت الحاضر قصيرة العمر ولا تستهلك من الماء ما هو أكبر بكثير من المحاصيل الصيفية الأخري. إن هناك العديد من الدراسات التي تؤيد زراعة عروتين من الأرز في نفس المكان لزيادة الإنتاج وتعظيم الاستفادة. وعلي الرغم من وجاهة بعض هذه الحجج والمبررات إلا أن الأجهزة الحكومية لها رأي مخالف قد يتمثل في بعض المؤشرات الآتية: إن الدولة حين قررت زراعة مساحة لا تزيد علي1,1 مليون فدان بمحصول الأرز في مواقع محددة علي خرائط معتمدة يصدر بها قرار من وزير الموارد المائية والري كل عام يتم اختيارها علي أساس من امكانات الميزانية المائية للبلاد ونوعية التربة ومنسوب الماء الجوفي ونوعية مياه الري وأن الاخلال بهذه القواعد يتعارض مع المصلحة العامة ويشكل مخالفة تستوجب العقوبة والغرامة. أن غرامات زراعة الأرز بالمخالفة لم تبدأ بغرض مبالغ مالية كبيرة ولكنها بدأت بما يشبه التحذير من المخالفة وبغرامات متواضعة, إلا أن تمادي بعض الزراع في مخالفة القانون وزراعة المحصول في أراض خفيفة القوام بل وفي أراض رملية في بعض الأحيان أدي إلي فقد هائل في الامداد المائي ومن هنا كان من الضروري تغليط العقوبة بما لا يسمح للمخالفين بالتمتع بمميزات فارق السعر بين زراعة الأرز والمحاصيل الأخري. إن المتر المكعب من مياه الري الذي ينتج1,5 كجم من الذرة وينتج2 كجم من القطن لا ينتج سوي300 جرام من الأرز مما يعكس تدني العائد الاقتصادي للماء في زراعة هذا المحصول مقارنة بالمحاصيل الأخري. إن من ضمن صيحات النقد التي توجه للبلاد من بعض دول حوض النيل أن مصر تسرف وببذخ في استخدامات المياه بدليل زراعة مساحة تزيد في بعض الأحيان علي مليوني فدان بمحصول الأرز. إن القيمة التصديرية لمحصول الأرز الذي يزرع في كثير من البلاد علي الأمطار تقل بكثير عن القيمة التصديرية للقطن كما انها أقل بكثير من القيمة الاستيرادية للذرة التي تلجأ البلاد إلي شراء كميات هائلة منها كمكون رئيسي من مكونات الأعلاف للماشية والدواجن. أن زراعة الأرز في الأجزاء الجنوبية من الدلتا ذات الأراضي خفيفة القوام والأراضي الرملية علي تخوم الدلتا وفي بعض أراضي محافظة الفيوم بل وفي بعض أراضي محافظة الوادي الجديد ترفع من مرتبة الخطأ الي مرتبة الخطيئة لما في ذلك من إهدار لمياه الري وزيادة العبء علي شبكات المصارف وازدحامها بالمياه. التعرض في الإدارة المائية للمناطق التي تختلط فيها زراعة الأرز بالمحاصيل الأخري لمحددات يعود السبب فيها إلي اختلاف نوعية المناوبات نتيجة اختلاف برامج الري والجدولة لكل محصول. وما بين سياق الحجج الموضوعية لزراع الأرز ومن يمثلهم ومبررات الجهات الحكومية والسادة الوزراء والمسئولين فإن متخذ القرار عليه أن يتحلي بالوسطية وأن يحافظ علي مصلحة الوطن ولا يضحي في نفس الوقت بمصالح المواطنين, وهي قضية لاشك في أنها وعرة وحساسة وتحتاج إلي الكثير من الحكمة والموضوعية إلا أن لنا هنا بعض الملاحظات التي أردنا أن نلفت إليها الأنظار وأن نرجو من ورائها بعض الانتباه: أن الدولة التي طبقت القانون وفرضت غرامات علي بعض المواطنين ممن خالفوا بعض مواده وبنوده لا يجوز أن تبادر بإلغاء العقوبة دون الرجوع إلي من أصدروا هذه العقوبة لأن الغرامات صدرت بموجب قانون أقره مجلس الشعب بناء علي طلب من وزارة الري وتم توقيعها بناء علي تعليمات صدرت لمهندسي هذه الوزارة بالمعاينة الميداني, وحين ثبت مخالفة البعض تحررت محاضر ورفعت إلي القضاء الذي أصدر العقوبة وأظن أن الحل الأمثل هنا هو أن يستشكل من يظن أنه قد تعرض للظلم وأن يعيد القضاء النظر في العقوبة, ذلك لأن القرارات الفوقية في مثل هذه الأمور قد تصيب كل من اشترك في هذه العملية بالاحباط كما أنها قد تؤدي إلي استقواء المخالفين وعدم الاكتراث بالقانون مستقبلا. أن علي الجميع أن يعلم أنه علي الرغم من أن الدولة تصر علي عدم تسعير مياه الري إلا أن هذه المياه التي لا تفرض الدولة لها سعرا لها في نفس الوقت قيم كمدخل حيوي وهام في العملية الانتاجية سواء كان ذلك في الزراعة أو الصناعة أو تنمية الثروة السمكية أو الملاحة أو السياحة أو غير ذلك من الأنشطة التنموية, ومن ثم فإن علينا جميعا أن نحقق مما لدينا من الماء أكبر عائد اقتصادي ممكن انه يجدر بنا أن نتأهب ونستعد لما قد تمليه علينا الظروف من احتمالات قد يسببها تغير المناخ أو الاختلاف الطبيعي في الهطول المطري أو الضغوط التي قد تتعرض لها منظومة المياه في البلاد. مخالفات الأرز..