لاشك ان نهضة الشعوب تكون دائما مرهونة بالارتقاء بالتعليم لديهم. فعمليات الاصلاح والتطوير للمؤسسات التعليمية التي مرت بها أغلب دول العالم شهدت مقاومة وعدم الرغبة في التغيير من قبل الأفراد العاملين بهذه المؤسسات, أو المنتفعين به للإبقاء علي الوضع الراهن, أو لعدم إدراكهم بنتاج هذا التغيير عليهم. فالتعامل مع هذه النوعية من المقاومة للتغيير والاهتمام بها أثناء عمليات الإصلاح والتطوير أمر ضروري وحتمي لنجاح كل الجهود المبذولة للارتقاء بمستوي التعليم واحداث تطور حقيقي به. وينطبق هذا الحال علي المؤسسات التعليمية في مصر حيث نجد ان جهود الاصلاح والتطوير المضنية من قبل القائمين عليه قد تقابل بعدم الرغبة في التغيير والإبقاء علي الوضع الراهن من قبل أغلب الأفراد العاملين بهذه المؤسسات علي جميع مستوياتهم. وقد يرجع عدم الرغبة في التغيير لأسباب كثيرة, أولها هو رغبة العاملين بهذه المؤسسات التعليمية في الإبقاء علي الوضع الراهن لأنهم لايرون العائد عليهم من هذا التغيير في صورة أجور ومزايا تعود عليهم بسبب ضعف موارد الدولة المخصصة للإنفاق علي التعليم بصفة عامة, فمثلا متوسط الراتب للمدرس الإبتدائي تقدر بنحو700 جنيه لعام2009/2008 حيث ان مصر تعتبر من أقل الدول إنفاقا علي التعليم مقارنة بدول مماثلة لها في الظروف, فالإنفاق علي التعليم في مصر مثلا يمثل نحو3.25% من الدخل القومي مقارنة,7.3% في تونس و6.8% للمغرب والسعودية لعام2009/2008, أو بسبب عدم ثقتهم في عمليات التطوير والإصلاح التي تكون دائما مرهونة ومتغيرة مع تولي كل وزير وليست بالنظام نفسه, فيجد العاملون أن كل ما بذلوه من جهد ووقت تحت مسمي التطوير والإصلاح في مرحلة مالايتم العمل بها, أو لاتكمل مع تولي وزير جديد, فيصابون بالاحباط وعدم التحفيز وعدم الرغبة في إحداث اي تغيير, أو قد يكون سبب المقاومة الاقتناع بأن التغيير قد يكون سببا في فقدان الكثير من الامتيازات أو المكاسب التي حققها البعض في الدروس الخصوصية, أو سلب بعض الصلاحيات أوالسلطات من بعض الأفراد, أو قد يرجع لعدم قدرة الأفراد علي التكيف مع متطلبات هذا التغيير من احترافية ومهارات معينة, أما بالنسبة لجماعات الضغط المتمثلة في أولياء الأمور ووسائل الإعلام المختلفة, فقد يرجع سبب المقاومة الي حالة التشبع التي وصلت لها هذه الفئة من كثرة الإنفاق علي الدروس الخصوصية في ظل كثرة تغير بعض النظم التعليمية مع تغير القيادات بهذه المؤسسات علي مدي السنوات العشر السابقة. في واقع الأمر ان التصدي لمقاومة التغيير من قبل العاملين بقطاعات التعليم المختلفة توازي في أهميتها عمليات الإصلاح نفسها, حيث تتطلب خطة إستراتيجية للتعامل معها مثلما فعلت دول كثيرة مثل كوريا واليابان وسنغافورة وتركيا والمجر وبولندا في أثناء عمليات الإصلاح والتطوير للتعليم لديهم. ويتطلب هنا في المقام الأول زيادة حصيلة الانفاق علي التعليم من ميزانية الدولة لتترجم إلي زيادة في أجور المعلمين في المدارس وأساتذة الجامعات تضمن لهم عيشة كريمة, وتترجم أيضا إلي كوادر تعليمية مدربة وكوادر إدارية محترفة وبيئة عمل مواكبة لهذا التغيير, وإلي إمكانات وموارد تستخدم لرفع تنافسية الأفراد العاملين بهذه المؤسسات من خلال برامج البعثات الخارجية وبرامج التدريب علي احدث النظم التعليمية والبحث العلمي الحديثة حتي لاتقابل عمليات التغيير بالرفض والتصدي لها. ثانيا: ضرورة نشر الثقافة المجتمعية من قبل منظمات المجتمع المدني لترشيد الإنفاق في بعض البنود في موازنة الدولة التي يمكن ضغط الإنفاق فيها وزيادتها في البند الخاص بالتعليم لأهميته في تحسين أحوال الأفراد المعيشية. ثالثا: ترسيخ رؤي التغيير للمعنيين بالأمر من العاملين والمنتفعين من خلال برامج التوعية المكثفة لتوعيتهم بأهمية الإصلاح ومراحله المختلفة والعائد علي المؤسسة التعليمية بأفرادها من هذا التغيير, وقد تتطلب هذه المرحلة أيضا وضع أهداف محددة يمكن قياسها وربطها بنظم الحوافز والمكافآت علي مستوي الأفراد. رابعا: ضرورة تنمية الموارد البشرية العاملة بالتعليم من خلال تنويط إدارة محترفة للموارد البشرية بالمؤسسات التعليمية تراقب أداء الأفراد ومدي استجابتهم لعمليات التطوير والتغيير من خلال قياسات علمية وأساليب محفزة بحيث تستخدم هذه البيانات في عمليات التغذية المرتدة للقيادات التعليمية أولا بأول كمؤشر لاستجابة الأفراد لجهود الإصلاح.