اتسمت الصراعات الداخلية العربية المسلحة، بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على الحراك الثورى فى عام 2011، بالتعقيد والتشابك، مما يؤثر على مسارات التسوية المستقبلية. حيث ارتبطت الصراعات الداخلية بدرجات حادة من التعارض أو التناقض أو الخلاف بين أطرافها على مستويات مختلفة، تتصل بطبيعة القضايا أو القيم المتنازع عليها، وموازين القوة العسكرية بين أطرافها، وطبيعة مسرح العمليات الذى يدور الصراع فيه، ومواقف الأطراف الثالثة «الإقليمية والدولية» تجاه الصراع، إضافة إلى أهداف كل طرف من استخدام القوة المسلحة، وتصوراته للعائد الذى يستهدف أو يمكنه الحصول عليه مقابل الخسائر التى سيتكبدها من جراء الصراع المسلح. وقادت تلك العوامل إلى التعقيد والتداخل فى أبعاد الصراعات الداخلية المسلحة العربية وقضاياها وأطرافها، مما يؤدى لاستعصاء أغلب هذه الصراعات على جهود التسوية، لاسيما فى ظل تصاعد التدخلات الدولية والإقليمية، وانخراط أطراف إقليمية ذات مصالح متعارضة فى أغلب هذه الصراعات، مما يؤدى لاتساع نطاقها من مجرد صراعات داخلية تنتج عن الانقسمات المجتمعية والصراع على السلطة السياسية والهيمنة على الموارد الاقتصادية إلى بؤر للأزمات الإقليمية فى ظل تصدع بنية الدول الوطنية الموحدة المركزية موضع الصراع، وتفككها إلى دويلات متناحرة، وشيوع النزعات الانفصالية، وتصاعد دور الفاعلين المسلحين العنيفين من غير الدول، بل وتعاظم أدوار التنظيمات الإرهابية. فى هذا السياق، تخصص صفحة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحليلين مكملين، إذ يشير د.معتز سلامة رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز إلى أن المسار المرجح للأزمة اليمنية هو استعصاء التسوية وترجيح استمرار خيار الحرب، انطلاقا مما قامت به قوات الحوثي- صالح بالضغط على قوات التحالف فى أربعة جوانب رئيسية هى الخسائر البشرية والحرج السياسى وضرب استقرار عدن والمناطق المحررة والحرب النفسية بشأن العاصمة صنعاء وشن الهجمات المضادة على الجنوب السعودي، بهدف إطالة أمد المعركة وكسب المزيد من الوقت للاعتراف الإقليمى والدولى بسلطة الأمر الواقع، لاسيما فى سياق إقليمى طائفى دافع لذلك، ويزيد من «نقاط الاشتعال». وترى أ.صافيناز محمد الباحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز أن التسوية الفعلية لم تنضج مقوماتها المرتبطة بتوافق مصالح القوى الإقليمية والأطراف الدولية التى مازالت متعارضة إلى حد كبير؛ فهناك تعقيدات متعددة المستويات لاتزال تمثل جملة من العثرات التى بإمكانها جعل أى حراك دبلوماسى جديد - جنيف 3 مثلا- مجرد نصوص وبنود غير قادرة على التحول لواقع فعلى، والتى تتمثل فى بنية المعارضة وآليات عملها وإشكاليات فصائلها المسلحة والخلاف بين القوى الإقليمية والدولية، فضلا عن القضايا الانتقالية وهى وقف إطلاق النار، وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات، ودخول المساعدات الإنسانية لمناطق الصراع المسلح للتخفيف من حدة اعبائه على المواطنين، ومكافحة الإرهاب، فيما يعرف بمعضلة «اليوم التالي» بعد سكوت المدافع.