هناك طرفة عن الفساد تقول : بعث شحاذ عربي رسالة إلي رئيس أمريكي يستجديه مبلغاً من المال ، فأرسل الرئيس الأمريكي 100 ألف دولار إلي رئيس عربي راجياً منه أن يسلمها للشحاذ وبعد أن تسلم الرئيس العربي المبلغ بعث بنصفه إلي رئيس الوزراء الذي أرسل بدوره 25 ألف دولار إلي المحافظ فبعث المحافظ 15 ألفاً إلي رئيس الحي الذي سلم الشحاذ ألف دولار مشفوعة بتحيات الرئيس الأمريكي، كما أن هناك مقولات كاذبة ومستفزة يطلقها الفاسدون منها: اغمض عينيك تري! أي اغمض عينيك عن الفساد تري بعد ذلك إصلاحاً وتنمية في البلاد !كما رفع الفاسدون شعار : قليل من الفساد يصلح الاقتصاد! وذلك علي شاكلة مقولة المدمنين المثيرة للسخرية : قليل من الخمر يصلح المعدة ! وبسبب هؤلاء المفسدين وأعوانهم وحماتهم المتغلغلين داخل سلطات الدولة الثلاث انتشر الفساد في مصر خلال الثلاثين عاماً الماضية واستشري في البلاد بأنواعه الثلاثة : المتعدد الجنسيات الذي تمارسه الشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات لإرساء تنفيذ المشروعات الكبري في الدول عليها ، و الفساد الكبير بين رؤساء الدول والوزارات والوزراء ورجال الأعمال وكبار الموظفين ، ثم الفساد الصغير بين الأفراد للحصول علي سلعة أو خدمة أو وظيفة بغير حق ، فكانت النتيجة زيادة الفاسدين والأغنياء ثراء والفقراء فقراً وإلحاق أكبر الأضرار بالاقتصاد القومي وزيادة التكلفة التي يتحملها ويدفعها المواطن في النهاية ، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والرشوة والجشع وبطء مشروعات التنمية والقصور الشديد في الخدمات وترسيخ ثقافة الفساد ، كما اعتلي عدد غير قليل من المفسدين أعلي المناصب وأصبحوا في غياب سيادة القانون والمحاسبة من وجهاء المجتمع وامتلكوا القصور والطائرات واليخوت, وأصبح الكبير حصته كبيرة من الفساد والصغير حصته صغيرة من الفساد, حتي إن الأخير ظهرت عليه أعراض فساد ألنيولوك ! وقد كان ذلك واحداً من أسباب تفجير ثورة 25 يناير, ثم جاءت بعد ذلك ثورة 30 يونيو لتخوض حرباً شاملة علي الفساد وتتوعد كل فاسد بأن له يوماً يحاكم ويحاسب فيه علي فساده ، فقد نص الدستور الجديد في مادته 218 علي التزام الدولة بمكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله وتعزيز قيم النزاهة والشفافية حفاظاً علي المال العام ووضع ومتابعة تنفيذ استراتيجية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع الهيئات والأجهزة المعنية علي النحو الذي ينظمه القانون . وبعد فوزه بإرادة شعبية وبأغلبية كاسحة أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي حربه علي الفساد بكل صوره في اجتماع اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد ، كما كلف السيسي الحكومة باتخاذ جميع التدابير والإجراءات التي تضمن سيادة القانون واتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع الفساد قبل وقوعه والبدء فوراً في محاسبة الفاسدين والمسئولين عن كل أنواع الفساد بما يسهم في إعادة الثقة لدي المواطن في حرص الدولة علي صون حقوقه وحقوق الوطن . وإذا كانت المؤشرات تؤكد إصرار وإرادة الدولة في مكافحة الفساد والقضاء عليه بعد وضع الاستراتيجية الوطنية الخاصة في هذا الشأن تمشياً مع الاتفاقية الدولية والتوقيع علي الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد ، فإن المطلوب تكاتف وحشد كل الجهود الرسمية والشعبية لتنفيذ تلك الاستراتيجية والإسراع في تقديم مشروعات القوانين والتشريعات الكفيلة بمكافحة الفساد وحماية الشهود والمبلغين بل تشجيعهم ومكافأتهم أيضاً، كما أننا بحاجة إلي إصدار التشريعات الخاصة بتداول المعلومات وتنظيم الإعلام والصحافة, وإطلاق المزيد من حرية الصحافة علي أن تكون لتلك التشريعات الأولوية في عمل برلمان للثورة ( مجلس النواب ) وتفعيل دوره لأدوات المساءلة البرلمانية للحكومة وأعضائها وتطبيق الدور الرقابي للمجالس الشعبية المحلية بعد انتخاباتها المقبلة علي الأجهزة التنفيذية المحلية ومشاركة المواطن في التشريعات التي تتعلق بحياته... عندئذ لن تجد مقولة الفاسدين : اغمض عينيك تري ! طريقها إلي المواطن لأنه سوف يشارك في كشف الفساد والإبلاغ عن المفسدين من أجل عودة مصر القوية إلي مكانتها الطبيعية علي كل المستويات داخلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً. لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين