فور الإعلان عن تنحي الرئيس السابق, أطلق واحد مننا ممن كانوا موجودين في قلب ميدان التحرير بالقاهرة, صيحة مدوية, لترددها الملايين خلفه وهتفوا معه: الشعب يريد بناء النظام. في ذلك الوقت, أي في ليلة11 فبراير2011, وفيما كانت حناجر الملايين تهتف الشعب يريد إسقاط النظام, تصور العديد من المصريين الثائرين, وهم في نشوة الفرحة بعد إعلان التنحي, أن النظام الفاسد المستبد قد سقط بالفعل, وذهب لحال سبيله إلي غير رجعة, وصدرت عناوين الصحف في اليوم التالي وهي تحمل هذا المعني. لم يتخيل أحد علي الإطلاق ممن كانوا موجودين في ميدان التحرير, أن يصل سوء النية والقصد والتخطيط الممنهج والتخبط والجهل بالجهة التي أنيط إليها إدارة شئون المرحلة الانتقالية للانحدار في أسلوب التعامل والقسوة والعنف إلي النحو المقيت والدامي الذي بلغته في مجزرة العباسية الأخيرة, انتقاما من الثورة والثوار. المهم أن هذا الثائر الذي كان يقود الهتاف وسط الملايين بالميدان داعيا إلي البدء فورا في بناء النظام الجديد, أصبح هو نفسه أحد المرشحين بجدارة الآن لانتخابات رئاسة الجمهورية, ليعلن الفائز وتسليم السلطة له بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الآن, أو في يوم21 يونيو المقبل في حالة الإعادة بعون الله. تري أين كانوا باقي المتنافسين علي منصب رئاسة الجمهورية في وقت إعلان التنحي, خاصة أن منهم من كان سفيرا ووزيرا ورئيسا للوزراء أوشغل منصبا عاليا في الجهاز التنفيذي أو الأمني أو الاستخباراتي للنظام الفاسد المستبد, فضلا عمن كانوا من هؤلاء المتنافسون الرئاسيين المتأسلمين الذين ركبوا قطار الثورة في آخر لحظة. ولم يتوقفوا أبدا عن الإفتاء بعدم الخروج علي الحاكم وأولي الأمر, هم أنفسهم المتمسحون بالدين الذين ظلوا يمسكون العصا من المنتصف, والانتهازيون والحزبيون الذين يأكلون علي كل الموائد ويسارعون إلي المغالبة والاستحواذ والتكويش وجمع الغنائم علي طريقة غزوة أحد!!؟ ما هي مواقف هؤلاء المرشحين من الشعارات الثورية, التي كانت مرفوعة علي الأعناق في كل ميادين مصر, علي مدي ال18 يوما الأولي من الثورة, والمتمثلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟! أين كان بالضبط كل هؤلاء المرشحين الأفذاذ علي مدي ال15 شهرا الماضية من أعمال الانتقام الممنهج من الثورة والثوار علي يد إدارة المرحلة الانتقالية الانتقامية من الثورة والثوار في كل من العباسية(1) وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وستاد بورسعيد, وبجوار وزارة الداخلية وإنتهاء بمجزرة العباسية(2), علما بأن عدد الشهداء والمصابين في هذه الأحداث من الثوار المسالمين يفوق ما وقع من ضحايا قبل سقوط رأس النظام؟! أعرف انه لا وقت الآن للتشفي أو لتصفية الحسابات, كما أنه لا مجال لفتح الملفات السوداء لعدد من المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية, وإن كان المرء يدرك جيدا أن جمهور المصريين من الناخبات والناخبين المحترمين قد أصبحوا جميعهم علي بينة تامة من كل شئ, وتيقنوا من أمر كل هؤلاء المتنافسين, خاصة من كان منهم ثائرا ضد النظام بحق وحقيق, ويستحق التصويت له رئيسا بكل ثقة وإقتدار مثلما هو الحال بالنسبة لواحد مننا. قرأت علي مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية في وصف واحد مننا المرشح رئيسا للجمهورية, ما يلي: أنا هنتخب واحد منا لأنه: يدافع عن العدالة الاجتماعية مثلما اليساريين عايزين بالضبط.. يدافع عن الديمقراطية مثلما الليبراليين عايزين بالضبط.. يكمل الثورة مثلما الثوار عايزين بالضبط.. يدافع عن هوية مصر العربية واستقلالها مثلما القوميين عايزين بالضبط.. أخيرا.. واحد مننا لديه مشروع متكامل للنهضة الشاملة مثلما كلنا عايزين بالضبط. مهام جسام تنتظر الرئيس المنتخب, حبذا لو جاءت الريح بما تشتهي السفن وأصبح واحد مننا, أهمها تجاوز الفشل الذريع والمحنة التي لحقت بالبلاد والعباد علي يد إدارة المرحلة الانتقالية وتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية, ووضع أقدام مصر علي بداية الطريق الصحيح لبناء نظام ديمقراطي قابل للدوام والاستقرار. المزيد من مقالات كمال جاب الله