قضيت ما يقرب من اسبوع بالسودان الجميل و امتلأت بالكثير من المشاعر الجياشة التى اكدت لي الأخوة مع شقيقتنا الجنوبية هى حقيقة وواقع وليس مجرد شعار نكرره. لبيت دعوة من جماعة صناعة السينما السودانية لاعطاء كورس بالاخراج السينمائي متطوعا بدون اجر لمجموعة من الفنانين السودانيين من كل الاعمار اصحاب الخبرات الفنية المتعددة والمتنوعة الذين ظلوا يحلمون بتأهيل علمى يمكنهم من انشاء اسس راسخة لصناعة سينما بالسودان تستطيع ان تستمر وتوصل اصواتها الى جمهورها الواسع قبل حلمها بالتحليق لتقديم افلامها بكل بلاد العالم. في كل مكان ذهبت اليه بالخرطوم كانت المودة الشديدة ودفء الطباع هما الغالبان عند هذا الشعب المدهش. وباعتباري مسافرا كبيرا، استطيع ان اشهد ان السودانيين من اكثر شعوب العالم لطفا وكرما وحميمية. بدون ان يعرفك اى شخص، يضحك معك ويعرض المساعدة ويستقبلك كأنك صاحب بيت، مهما كانت امكانياته بسيطة او متواضعة. ورغم وجود 141 قبيلة يتكون منها الشعب السودانى، لكن هناك وحدة تجمع بين جميع السودانيين ايا كانت اصولهم اساسها محبة الآخرين والتعامل مع الحياة ببساطة.و مدينة الخرطوم ذاتها رغم وجود 7 ملايين شخص يعيشون بها رسميا الا انها مدينة مريحة نفسيا وبسيطة. طبعا شارع كورنيش النيل هو الاشهر بالخرطوم بمبانيه الرائعة سواء القديم منها المنتمى لعصر احتلال الانجليز او الحديث مثل بعض الفنادق او المؤسسات الحكومية المستحدثة. لكن كغيري ممن يزورون الخرطوم انبهرت اكثر بالمناطق ذات اللمسة التلقائية الطبيعية التى لم يغير طابعها التحضر او التمدين. وابلغ امثلة ذلك جزيرة توتى الواقعة على الضفة المواجهة لشارع النيل. توتى قرية حافظت علي طابعها البدائى وشخصيتها المسالمة الهادئة والمدهش فيها وجود شواطئ من الرمل الابيض في احد حدودها الشرقية. ومن المناطق الرائعة ايضا منطقة المجران التى يلتقي فيها النيلان الازرق القادم من اوغندا والابيض القادم من اثيوبيا. وهذا ما يجعل السودان تتمتع بواحدة من اخصب الاراضي الزراعية بالعالم فضلا عن اتساع مساحة تلك الاراضي وهي السبب في القول المأثور الذي سمعناه منذالصغر والذي يقول : اذا زرع السودان اكل الوطن العربي كله. النيل في شهر يناير هذا في مناطق كثيرة حول النيلين بنى اللون لامتلائه بالطمى البكر النضر كمصدر رائع للخصوبة . وقد نجح السودان في الحفاظ على ثقافته المحلية في الافكار والملبس والمأكل. وتستطيع ان تجد عشرات المشروبات بالسودان والتى لا تجدها بأى مكان اخر اغلبها يأتى من شجر يزرع هناك فقط. ربما اشهرها واكثرها افادة صحية مشروب التبلدى الذى يأتى من شجرة تحمل نفس الاسم.وكذلك الشطة وقرون الفلفل اللذان يشكلان جزءا اصيلا من البهارات التى يفضلها السودانيون. ومازال البعض يكحلون اعينهم بالشطة في الافراح كدليل على القوة والبأس. و مازال الجلباب والعمة السودانى للرجال والتوب للنساء اساس الزي القومي لدى الجميع مهما علا شأنهم او مناصبهم. ومازال السودانيون يذهبون لمشاهدة المصارعة النوبي بمنطقة حاج يوسف خارج الخرطوم.الحركات الصوفية منتشرة بالخرطوم هي الأخري لكن يتميز منها الدوايش بمنطقة حماد النيل باحتفالاتهم الراقصة كل يوم جمعة ماعدا بشهر رمضان. اما اطفال السودان فمن بين الأكثر حيوية بالعالم العربي، فهم منطلقون محبون كأنهم نبت الطبيعة الحيوى. محبتهم لنا كمصريين اسطورة مهما عبرنا عنها لن نوفيها حقها. والحق اننا مقصرون في عدم وجود تبادل بيننا وبين السودانيين بالقدر الكافي بالذات في مجالات الثقافة و الفنون . ومن المفاجآت الجميلة بالسودان وجود منطقة علي بعد مائتي كيلومتر من الخرطوم بها 57 هرما واسمها اهرام البجراوية ويقال إنها تأسست ما بين العامين 270 و350 قبل الميلاد. وعلى مقربة ليست بعيدة عنها معابد تاريخية رائعة بموقعى النجعة والمصورات. ومن المزارات الرائعة هناك ايضا حديقة دندر الطبيعية التى تضم انواعا نادرة من الحيوانات تصل الى 27 فصيلة ومن الطيور تضم 160 ومن الاسماك تصل الى 32 نوعا. ومن بينها اسماك وطيور مهاجرة مدهشة من اوروبا وآسيا. الاسواق بالخرطوم هي الاخرى قصة عشق وساحة للدهشة والتأمل في جمال الابداع وذكاء الفنانين والمصنعين. ربما اهمها هو سوق ام درمان العاصمة القديمة التاريخية للسودان ويعد من اكبر الاسواق الشعبية بافريقيا. ويضم تقريبا كل شئ واى شىء ، كل تخصص في جانب منه. فقي منطقة الخطين علي سبيل المثال تستطيع ان تجد كل انواع آلات الموسيقي والمصنعات الخشبية التقليدية، اما في منطقة السياح فتجد قطعا استثنائية مثل سيوف عثمانية و حقائب انجليزية قديمة و عملات نادرة. وهناك ايضا سوق الشابى المشتهر بالاحذية وسوق المرشازى للفواكه والخضراوات وسوق بحري للملابس وسوق الشجرة المواجه لمصنعى المراكب والملئ بالاشجار وهو متخصص في المشغولات والمنتجات اليدوية.اما عن اجمل الافلام التى رأيتها من الفنانين هناك والتى تثبت ان هناك ابداعا سودانيا رائعا سيغزو العالم فيلم الضيف 53 اخراج زهير عبد الكريم وفيلم ابرة وخيط اخراج ناصر يوسف وفيلم صور متقاطعة تأليف خالد علي واخراج محمد عليش وهو الثنائى الذي يجهز لفيلم عالمى عنوانه (الميلاد الرابع) وهو عن عبد الفتاح المغربي اول رئيس مجلس سيادة للسودان عام 1954 وسيكون من بطولة وانتاج الممثلين العالميين من اصل سودانى الكسندر صديق وانيت كالب. لمزيد من مقالات احمد عاطف