كل منا يعرف أحمد شوقي الشاعر، بل أمير الشعراء الذي تناقلت الصحف والكتب أشعاره وتغنت بقصائده أم كلثوم، وانتظم شعره في ديوان ضخم باسم الشوقيات، بل من منا لا يعرف مسرحياته الشعرية مثل: مجنون ليلى،وعنترة وقمبيز وعلى بك الكبير، ومصرع كليوباترا، وغيرها؟ ولكن من منا يعرف أحمد شوقي الكاتب؟ نعم الكاتب صاحب المقالات النثرية.إن لأحمد شوقي كتابا رائعا اسمه "أسواق الذهب" ألفه نثرا لا شعرا ولكن قليلا جدا من الناس من سمع عنه أو قرأ نبذة عنه، أو طالعه أو تصفحه لذا فقليل منا من يعلم أنه مارس هذا النوع من الكتابة، وأنه كما كان مبدعا في شعره، كان ممتعا في نثره، فقد ضمن كتابه مجموعة من المقالات في موضوعات شتى، عبر فيها عن رأيه الشخصي تجاه قضايا شتى كانت تشغل الرأي العام في حينها، مستخدما أسلوبا خاصا لا يخلو من روعة وجمال، ومن ذلك مقال كتبه بعنوان "الحقيقة الواحدة " عن الإلحاد وفيه يحاول أن يدلي بدلوه في هذه المسألة التي طفت في عصره علي السطح ، وما أشبه الليلة بالبارحة فوجه حديثه إلى من يقتنع بفكر الملاحدة محاولا إنقاذه من هذا الشرك، عن طريق الإقناع والحوار لا التهديد والوعيد فقال :"يا متابع الملاحدة، مشايع العصبة الجاحدة، منكر الحقيقة الواحدة : ما للأعمى والمرآة، وما للمُقعد والمِرقاة(السلم)، وما لك والبحث عن الله؟ قم إلى السماء تقصَّ النظر، وقص الأثر، واجمع الخُبْر والخَبَر، كيف ترى ائتلاف الفلَك، واختلاف النور و الحلَك، وهذا الهواء المشترك، وكيف ترى الطير تحسبه تُرِك، وهو في شرك، استهدف حتى هلك، تعالى الله دل المُلك على الملِك، وقف بالأرض سلها من زم السحب وأجراها، ورحَّل الرياح وعراها ومن أقعد الجبال وأنهض ذراها؟ أليس الذي بدأها من غَبَرات ثم جمعها صخرات، ثم فرقها مشمخِرّات (شامخات) ؟، ثم سل النملة من أدقّها خَلقا وملأها خُلُقا، وسلكها طرقا، تبتغي رزقا، وسل النحلة من ألبسها الحِبَر وقلدها الإبَر وأطعمها صفو الزَّهَر وسخرها طاهية للبشر؟ فخبرني الطبيعة من طبعها والنظم المتقادمة من وضعها، والحياة الصانعة من صنعها؟ والحركة الدافعة من دفعها؟ عرفنا كما عرفت المادة ،لكن هدينا وضللت الجادة، أتينا العناصر من عنصرها، ورددنا الجواهر إلى جوهرها، وسلّمنا فسلِمنا، وآمَنا فأمِنّا، ما الفرق بينك وبيننا إلا أنك قد عجزت فقلت: سر من الأسرار وعجزنا نحن فقلنا: الله وراء كل ستار. إلى هنا انتهى كلام شوقي الذي أهديه إلى المشككين والمتشككين، الضالين والمضلين في زماننا هذا وفي كل زمان آت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لعله يكون سبيلا لهدايتهم . لمزيد من مقالات صبرى زمزم