كل منا يعرف أحمد شوقي الشاعر ،بل أمير الشعراء الذي تناقلت الصحف آثاره وتداولت الكتب أشعاره وتغنت بقصائده أم كلثوم، وانتظم شعره في ديوان ضخم باسم الشوقيات، و من منا لا يعرف مسرحياته الشعرية مثل :مجنون ليلى، وعنترة وقمبيز وعلى بك الكبير، ومصرع كليوباترا،وغيرها؟ ولكن من منا يعرف أحمد شوقي الكاتب؟ نعم الكاتب صاحب المقالات النثرية.؟ إن لأحمد شوقي كتابا رائعا اسمه "أسواق الذهب" ألفه نثرا لا شعرا ولكن قليلا جدا من الناس من سمع عنه أو قرأ نبذة عنه، أو طالعه أو تصفحه لذا فقليل منا من يعلم أنه مارس هذا النوع من الكتابة ، وأنه كما كان مبدعا في شعره، كان ممتعا في نثره، فقد ضمن كتابه مجموعة من المقالات في موضوعات شتى، عبر فيها عن رأيه الشخصي تجاه قضايا شتى كانت تشغل الرأي العام في حينها، مستخدما أسلوبا خاصا لا يخلو من روعة وجمال، ومن ذلك مقال كتبه عن (قناة السويس)محدثا عنها ابنيه وهو مار بالقناة في طريقه إلى منفاه بإسبانيا أثناء الحرب العالمية الأولى: "تلكما يا ابنيَّ القناة، لقومكما فيها حياة، ذكرى إسماعيل ورباه، وعليا مفاخر دنياه، دولة الشرق المرجاة وسلطانه الواسع الجاه، طريق التجارة، والوسيلة والمنارة،ومشْرَع الحضارة". ثم يتحدث إليهما عن السفينة التي تحملهم قائلا: "تعبرانها اليوم على مزجاة ، كأنها فُلْك النجاة، خرجت بنا بين طوفان الحوادث، وطغيان الكوارث،فقلت : سيري عوّذتك بوديعة التابوت-يقصد موسى - وبصاحب الحوت ، وبالحي الذي لا يموت،وأسري يا ابنة اليم زمامك الروح ، وربانك نوح ،فكم عليك من منكوب مجروح " ثم يتكلم عن القناة منذ أن كانت فكرة إلى أن أصبحت واقعا فيقول لابنيه :"القناة وما أدراكما ما القناة، حظ البلاد الأغبر، من التقاء الأبيض والأحمر،بيد أنها أحلام الأُول، وأماني الممالك والدول,الفراعنة حاولوها ،والبطالسة زاولوها، والقياصرة تناولوها،والعرب لأمر ما تجاهلوها، إلى أن جرى القدر لغايته وأتى إسماعيل بآيته، فانفتح البرزخ بعنايته، والتقى البحران تحت رايته|." ثم يصف الخديو إسماعيل الذي افتتح القناة قائلا: "وما إسماعيل إلا قيصر لو أنه وفِّق، والإسكندر لو لم يخفق، ترك لكم عز الغد وكنز الأبد، والمنجم الأحد، والوقف الذي إن فات الوالد فلن يفوت الولد." ثم يصف النفي وشجونه قائلا: "إن للنفي لروعة، وإن للنأي للوعة، وقد جرت أحكام القضاء بأن نعبر هذا الماء حين الشر مضطرم، واليأس محتدم، والعدو منتقم، والخضم محتكم، وحين الشامت جذلان مبتسم، يهزأ بالدمع وإن لم ينسجم، نفانا حكام عجم، أعوان العدوان والظلم، خلّفناهم يفرحون بذهب اللجم، ويمرحون في أرسان يسمونها الحكم,ضربونا بسيف لم يطبعوه، ولم يملكوا أن يرفعوه أو يضعوه، سامحهم في حقوق الأفراد، وسامحوه في حقوق البلاد، وما ذنب السيف إذا لم يستحىِ الجلاد؟" ثم وصف مصر واحتضانها ليوسف وموسى ثم عيسى عليهما السلام فقال:"يالك من دار لعبت على عرصاتها الأقدار ,ناديت موسى القريب، وآويت عيسى الغريب". وهذا ليس إلا اقتباسا من المقال أي مجرد غيض من فيض، ونزر يسير من غيث غزير، والمقال يحتوي تحفا جلية عن مصر وتاريخها ، وموقفها من الأنبياء الذين مروا بها أو عاشوا فيها أو أووا إليها. ونظرة البعض إلى القناة نظرة دونية، ورده عليهم وتفنيده لآرائهم، مدافعا عن القناة وأهميتها، ولكن المجال والمقام يضيقان عن الإسهاب، لذا اكتفيت بهذا الاقتباس باقتضاب. لمزيد من مقالات صبرى زمزم