بعد دفء الترحيب الكندى بوصول دفعات اللاجئين السوريين لكندا وانتشار صور رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو وهو يستقبلهم بنفسه فى المطار، ويسلمهم معاطف تتناسب وقسوة الشتاء الكندى الذى تصل درجات الحرارة فيه الى اقل من 40 درجة تحت الصفر. قد تكون قسوة الشتاء هى أبسط ما يمكن ان يواجهه القادم الجديد لكندا، لأن المشكلة الاكبر تكمن فى مواجهة القواعد والقوانين الكندية فيما يتعلق بالحصول على عمل او الالتحاق بالجامعة للدراسة وسلسلة صارمة من الاجراءات التى لا يمكن تجاوزها. بالطبع فإن الحكومة الكندية وعددا من المنظمات والهيئات المدنية تقدم دعما ماديا ولوجستيا للاجئين، كذلك فإن الرعاية الصحية ومراحل التعليم ما قبل الجامعى تقدم بالمجان ، لكن واقع الحال يؤكد ان المبلغ الذى يمكن ان تحصل عليه الاسرة اللاجئة لكندا لا يمكن ان يفى باحتياجاتها للمعيشة بشكل معقول.خاصة وان مستوى المعيشة فى كندا يعد مرتفعا ، وان مستوى اسعار الايجارات للمنازل ليس بالامر البسيط. وهو ما يتطلب ضرورة الحصول على عمل فى اسرع وقت ممكن. لكن اولى العقبات التى ستواجه الباحث عن عمل هى ما يسمى الخبرة الكندية ، والمقصود بها هنا العمل التطوعى فى المجال الذى يرغب فى إيجاد عمل به. وهو امر ليس سهلا لان الالتحاق بعمل تطوعى فى نفس مجال الخبرة السابقة للاجئ يستلزم مستندات تثبت انه مؤهل لهذا العمل حتى لو كان تطوعيا. وهو ما يعنى ضرورة معادلة شهاداته الجامعية وهو اجراء رغم بساطته الا انه يستغرق ما بين ثلاثة الى ثمانية اشهر ، وقبل كل ذلك على القادم الجديد ان يستخرج تصريح عمل والذى يستغرق الحصول عليه ما بين اربعة اشهر الى ثمانية اشهر. وبعد الحصول على ترخيص العمل وشهادة تثبت ان المؤهل الدراسى مساو لمثيله الكندى تأتى مرحلة كتابة السيرة الذاتية والتى تحتاج من الشخص المشاركة فى ورشة تدريبية ليتعلم كيفية كتابتها بما يتلاءم والطريقة الكندية، بعد ذلك تأتى مرحلة البحث عن عمل من خلال اعلانات الانترنت والصحف ثم ارسال السيرة الذاتية التى تتغير بتغير الجهة التى ترسل اليها. واذا لاقت السيرة الذاتية قبولا فإن الامر سيحتاج التحضير والاستعداد للمقابلة وهو مايستلزم حضور ورشة تدريبية ايضا لمساعدة طالب الوظيفة فى اجتياز المقابلة بنجاح. أما فى حالة اتجاه اللاجى لمسار الدراسة الجامعية والحصول على درجات علمية كندية اعلى ، فإن الامر يختلف قليلا حيث يجب الحصول على قرض للدراسة, وهو قرض ميسر بدون فوائد طوال مدة الدراسة ويتيح لطالبه مدة ستة اشهر بعد حصوله على الشهادة ان يسدد اصل القرض بدون فوائد لكن بعدها عليه ان يسدد القرض بفوائد بنكية. التعامل مع النظام الكندى يدفع العديد من اللاجئين الى العمل بمهن لا تتلاءم ومؤهلاتهم الدراسية ومهاراتهم السابقة، واذا ما وضعنا فى الاعتبار ان الغالبية من اللاجئين السوريين الذين وصلوا بالفعل لكندا هم من خريجى الجامعات وعدد كبير منهم عملوا كأطباء ومهندسين فى سوريا قبل اشتعال الازمة هناك، فيمكننا تصور كم الاحباط الذى يمكن ان يعانوه فى كندا. ثم أن الصراع الثقافى هو أمر بالضرورة مفروض على اللاجئين السوريين القادمين لكندا وهو لا يقتصر فقط على مسألة تحديد اولويات الاسرة او الاختيار بين مهن بسيطة او الالتحاق بالجامعة ، ولكنه سيواجههم فى كافة نواحى الحياة ، والسؤال الذى يطرح نفسه كم منهم سيستطيع المواجهة دون احباط من عراقيل النظام الكندى؟.