أعلى الإسلام من قدر العلم النافع، وشجع على تحصيله ومواكبة مستجداته بكل سبيل مشروع، وفى سبيل ذلك دعا أتباعه إلى كل ما يحقق سعادة الإنسان وفق الضوابط والآداب الشرعية، ولاشك أن التحصين المبكر للأطفال والناشئة، والحرص على عدم وقوعهم فى أيدى المتشددين والمتطرفين، وبخاصة فى مرحلة الروضة والتعليم الابتدائي، يستدعى استخدام وسائل عصرية حديثة متنوعة تتفق ومتطلبات تلك المرحلة العمرية المهمة لتحقيق ذلك. من جانبهم طالب علماء الدين بضرورة التوسع فى ثقافة الطفل بأعمال هادفة لتحصين النشء ضد التطرف والأفكار المنحرفة، ورحبوا فى الوقت نفسه باستخدام الرسوم المتحركة وأفلام الكرتون وغيرها من الوسائل الحديثة فى تربية وتقويم سلوك الأطفال، باعتبارها وسيلة تربوية ودعوية غائبة، مشددين على ضرورة مراجعة مادتها العلمية من قبل الجهات المتخصصة كمؤسسة الأزهر الشريف، مما يؤدى بدوره إلى عدم تمكين أى من المنتمين للتيارات المتطرفة أو المتشددة من تشكيل عقول أبنائنا فى هذه المراحل السنية المبكرة. فى البداية يوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الأعمال التعليمية تتخذ وسائل متنوعة تؤدى إلى إيصال المعلومة بألطف عبارة وأحسن إشارة فيما يتوافق مع المدارك، مشيرا إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم سبق فى مناهجه التعليمية والدعوية، الوسائل وطرق التدريس الحديثة، حيث كان عليه الصلاة والسلام يضرب المثل من البيئة على حسب ما يمكن للناس استيعابه، فكان يضرب المثل بشجر أو حيوانات أو بما يماثل ذلك، حتى تكون مثل هذه الأمور أدعى إلى الإفهام، وقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم«وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم «وقال جل شأنه» وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ». وسائل مشروعة وأوضح أن فى واقعنا المعاصر يتم استخدام وسائل إيضاحية وما يعرف بالمسميات الالكترونية وغيرها مثل أفلام الكرتون والرسوم المتحركة، بهدف تعليم الناشئة، وهذا أمر مشروع يتفق مع المبادئ العامة ومقاصد الشريعة الإسلامية، ومن المعلوم أن القاعدة الشرعية تقول: حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله، ومن طرائف ما يذكر فى هذا الأمر »أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل ذات مرة على السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها وأرضاها، فوجدها صنعت«فرسا« من صوف وقطن وله جناحان، فتبسم النبى صلى الله عليه وسلم، وقال لها مداعبا: يا عائشة هل للفرس جناحان؟«، فكان هذا إقرارا منه صلى الله عليه وسلم، على مشروعية اتخاذ مثل هذه الأشياء، سواء كانت للترويح عن النفس أو للتعليم، فهذه وسائل مشروعة ومباحة فى حدود الآداب الشرعية. وحول المادة العلمية لهذه الرسوم المتحركة والكرتون، شدد أستاذ الشريعة الإسلامية على ضرورة أن تكون تحت إشراف الجهات العلمية المختصة مثل الأزهر الشريف، ضمانا لجودة الأداء وحسن تقديم معلومات صحيحة للأطفال مستقاة من صحيح الدين، مطالبا فى الوقت نفسه القائمين على هذه الأعمال والمعنيين بهذا الأمر بالتوسع فيه ونشره باعتباره وسيلة دعوية وتربوية ناجعة إذا أحسن استغلالها بطريقة صحيحة ومنهجية علمية سليمة ووفق الآداب والضوابط والقواعد الشرعية لتحصين الأطفال ضد الفكر المتطرف والمنحرف بشتى أنواعه. وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور نبيل السمالوطى، أستاذ الاجتماع بجامعة الأزهر، أن أفلام الكرتون ومسلسلات الرسوم المتحركة هى من أكثر ما يمكن أن يعين على صقل ملكة الخيال وقدرات التعبير لدى الأطفال، أو تشويهها وطمسها، وإذا أحسنت الإفادة منها تختصر كثيرا من المشوار التربوى فى تعهد وتهذيب اللسان القويم للنشء، وتعميق الحس المرهف والميل للتأمل والتفكر لديهم، وهذه هى الملكات الوجدانية التى نعانى كثيرا فى تقويمها أو إعادة غرسها فى البالغين بعد أن تداخلها عوامل التشويه والطمس. وأشار إلى أن الرسوم المتحركة وغيرها من وسائل التسلية الحديثة فى ذلك العصر، تعد من الأساليب الدعوية والتربوية الغائبة فى النشأة الدينية والاجتماعية الثقافية الصحيحة لأطفالنا، فهذه الأساليب وغيرها تجذب انتباه الطفال بشدة، ومن خلالها نستطيع غرس القيم والعقيدة الصحيحة، وتدريبهم على مكارم الأخلاق والسلوك الحسن، وعلى العكس تماما إذا ما أسئ استغلال هذه الوسائل فى تنمية الفكر المنحرف لدى الأطفال، مثل غالبية ما يرد إلينا من الخارج خاصة من الغرب، وغيرها من المسلسلات الكرتونية التى تغذى الفكر المتطرف وتغرس سلوكا تتصادم مع ثقافتنا وقيمنا وعقيدتنا الصحيحة، وفى الوقت نفسه تظهر المجتمعات الغربية وبعض دولها على أنها منقذ العالم من الظلم والفساد، وان النظم الاجتماعية فى الغرب سواء الخاصة بالأسرة أو التربية أو الأخلاق وغيرها على أنها نظم صحيحة يجب أن تسود العالم كله، وما عداها هو الباطل، وفى هذا خطر عظيم على عقول النشء والأطفال لدينا، باعتبارهم عتاد المستقبل وجنوده الذين يذودون عن الوطن وعن عقيدتهم الصحيحة. غرس القيم والأخلاق ويرى الدكتور نبيل السمالوطى انه يجب على كتابنا والمنشغلين بتأليف وكتابة وإخراج مسلسلات الكرتون والرسوم المتحركة، واستثمار واستغلال السيرة النبوية الشريفة وقصص الأنبياء والغزوات وسير الصحابة وأيضا أخلاق الإسلام الحميدة فى الحفاظ على حقوق الإنسان وحماية حريات الناس وعدم التمييز بين الناس على أى أساس دينى أو عرقى أو لونى أو طبقي، وقبل هذا كله غرس عقيدة التوحيد وقيم العدل والإخاء والتسامح والوفاء والمساواة وحماية حقوق الأطفال والنساء والشباب، بحيث نستثمر هذا كله فى صناعة وتأليف حكايات وأفلام الكرتون من إبداعنا نحن وليس واردا إلينا من عقول غربية تتصادم مع قيمنا وعقيدتنا، وبهذا المنتج تكون لدينا وسيلة فعالة وناجعة فى مواجهة الفكر المنحرف سواء كان متطرفا أو منحلا، مما يعد حصانة لعقول أطفالنا ليس فى مصر وحدها ولكن فى الوطن العربى والإسلامى كله من أى فكر يخالف الفكر والمعتقد الصحيح، وحبذا لو تتم ترجمة مثل هذه الأعمال إلى لغات أجنبية متعددة بهدف تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام فى الغرب، خاصة أنها تخاطب فئة معينة وهى الأطفال، وهى مرحلة عمرية معروف عنها حب الفضول والاستطلاع.