تعد حرية الاعلام ركنا أساسيا من الحريات العامة في المجتمعات الديمقراطية. وهي تكتسب أهميتها من كونها أحد أهم عناصر الديمقراطية بل إن البعض يري أنها أحد العوامل الأساسية لقياس باقي الحريات فضلا عن ذلك تعد حرية الإعلام من مكونات المجتمع المدني في حماية مصالحه, ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الإعلام الحر المستنير يعد من أهم عوامل التغيير الحقيقية. ولعل المتابع والمدقق والمحلل لطبيعة الممارسات الإعلامية في مرحلة ما بعد الثورة وحتي الآن يتأكد أن المشهد الإعلامي الحالي أصبح مرتبكا وفوضويا ولاتحكمه الضوابط المهنية التي يستلزمها ممارسة العمل الاعلامي بمفهومه الصحيح. ولعلنا نلحظ أيضا من الممارسات الحالية أن المشهد الإعلامي تحكمه مصالح فردية وحزبية وسياسية ضيقة لاتراعي في مجملها الصالح العام للمجتمع. كما لا تستخدم الحريات المتاحة لوسائل الإعلام استخداما رشيدا لقد أصبح كل ما يهم القائمين علي وسائل الإعلام هو طرح معالجات تستند علي أجندة مليئة بالممارسات السلبية في المجتمع ولاتسعي هذه الوسائل بأي حال من الأحوال نحو دفع مسيرة الثورة وتقدم المجتمع وبناء النهضة المنشودة من أفراد المجتمع. أصبحت القضايا التي تعالجها أجهزة الإعلام ليست هي القضايا الأساسية للمجتمع في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن وهنا أتناول موضوعا واحدا كان يستحق أن تتناوله وسائل الإعلام بالجدية والعمق التحليلي وتقديم المعالجات التي توفر المعلومات الضرورية للمواطن. الموضوع الذي نحن بصدده هو الانتخابات الرئاسية ولو تتبعنا وحللنا ما تناولته أجهزة الإعلام منذ الإعلان عن بدء الترشيح وحتي الآن نلحظ أن المشهد العام للموضوع المهم اتسم بمجموعة من السمات التي نلخصها فيما يلي:. أولا: أن الانتخابات الرئاسية لم تحظ بمعالجة جادة من قبل وسائل الإعلام بل علي العكس جعلت منه هذه الوسائل مادة للسخرية من بعض نماذج من الشخصيات التي تجرأت في سحب استمارة الترشيح, وكأن هذا الموضوع لايعد أمرا مهما في حياة المصريين الذين ينتظرون بفارغ الصبر أول مرة ينتخب فيها رئيسهم انتخابا حرا مباشرا مما سيغير بلا شك من واقع الممارسة الديمقراطية في مصر عبر السنوات المقبلة. ثانيا: التركيز علي إشغال الرأي العام بمعالجات بعيدة عن الموضوعية والحيادية بالنسبة للأفراد الذين تقدموا للترشح أو حتي الذين اكتفوا بسحب استمارة الترشح لقد جعلتنا وسائل الاعلام في معالجتها السطحية للموضوع المهم أن ننظر للموضوع علي أنه مسرحية هزلية ومادة للإثارة الإعلامية بالرغم من أهمية الحدث والموضوع وتطوراته التي صاحبت ثورة52 يناير والتي أفرزت واقعا سياسيا جديدا. ثالثا: اتخذت المعالجة الإعلامية أسلوبا أسهم في بلبلة الرأي العام وإثارته علي بعضه, ما ساعد علي تكوين اتجاهات عدائية من جانب انصار فريق من المرشحين نحو الفريق الآخر. وقد أسهم ذلك بدور كبير في دعم تقسيم الرأي العام بدلا من أن تقوم هذه الوسائل بدعم مفهوم الديمقراطية وقبول الرأي الآخر كأسلوب صحي للتطور الديمقراطي في مصر. رابعا: كانت السلبيات التي صاحبت العملية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية هي الأساس في المعالجة الإعلامية, فضلا عن شغل الرأي العام ببعض العوائق القانونية التي حالت دون قبول اللجنة العليا للانتخبات الرئاسية لعشرة من المرشحين, ويأتي ذلك في إطار الجدل والمعالجات التي فاقت حدها حول جنسية والدة المرشح الشيخ حازم أبو إسماعيل, وكذلك ما تناولته بشأن شخصيات عديدة من المرشحين. خامسا: محدودية الأطراف التي شاركت إعلاميا في طرح موضوع الانتخابات الرئاسية من خلال وسائل الإعلام حيث لوحظ أن بعض هذه الوسائل تختار ضيوفا لهم مواصفات معينة وتتفق هذه المواصفات مع الرؤية التي تريد الوسيلة الإعلامية أن تدعمها من خلال هذا الموضوع, بالرغم من الإيحاء بوجود وجهتي نظر عند عرض الموضوع للمناقشة. كان من الضروري علي وسائل الإعلام في معظمها وليس جميعها أن تقوم بدورها في هذه المرحلة التاريخية وأن تسهم في دعم وإرساء المبادئ الديمقراطية وكان عليها من منظور العدالة أن تقف علي بعد مسافة متساوية من جميع الأطياف من المرشحين علي اعتبار أن كل المرشحين مصريون وطنيون وإن اختلفت رؤاهم. كما كان من الضروري أن تبدأ هذه الوسائل منذ فترة في تقديم معالجات تزيد من وضوح الصورة والفهم حول توجهات ومبادئ المرشحين للرئاسة, وأن تخصص مساحات أكثر عن التاريخ السياسي للمرشحين وخبراتهم وإنتماءاتهم الحزبية ومشروعاتهم المستقبلية التي ينتوون التقدم بها من خلال برامجهم. كنا نتمني من وسائل الإعلام أن تدعم مفهوم المشاركة لدي القطاعات المختلفة خاصة في أهم انتخابات رئاسية وكان عليها أن تبرز برامج المرشحين حول القضايا المجتمعية بدلا من التركيز علي الدفاع عن أنفسهم بشأن بعض الاتهامات الموجهة إليهم, لقد اقترب موعد الانتخابات ولم يتبق إلا شهر واحد تقريبا, من هنا أطالب جميع الوسائل أن تسارع في تقديم برامج المرشحين بعدالة بين الجميع ويا حبذا لو قامت ايضا بتنظيم بعض المناظرات بين المرشحين كما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية, حتي يستطيع المواطن أن يكون صورة صحيحة ومتكاملة عن المرشحين قبل الشروع في الذهاب إلي صناديق الانتخابات للإدلاء بأصواتهم. المزيد من مقالات د.عدلى رضا