بات اسم داعش فى الوعى الشعبى العربى مرادفا للتتار والمغول وذلك بعد نحو 3 سنوات من القتل، والمذابح الجماعية ضد السنة والشيعة واليزيديين والمسيحيين والدروز والتركمان والأكراد والشركس، وتجارة الرقيق، وتدمير الإرث الحضارى والثقافى للمنطقة، وتدمير الجيوش النظامية والدولة الوطنية باسم الخلافة الإسلامية، لكن بعد اعتداءات باريس باتت داعش «كابوس» العالم كله، فالمعلومات الاستخباراتية تشير إلى مخططات هجوم تعد لها داعش وعناصرها فى عواصم ومدن غربية أخرى من بينها روما وميلانو وبرلين ولندن وبروكسل. ومع أنه ليس هناك دولة لا تعادى داعش اليوم وتعتبرها أعنف تنظيم أصولى متطرف ظهر خلال العقدين الماضيين، إلا أن القوى التى تحارب داعش فى سورياوالعراق محدودة جدا. فبخلاف ضربات جوية أمريكية فرنسية روسية بريطانية، تكثفت فقط فى الآونة الأخيرة ليس هناك جهد دولى إقليمى للقضاء عليها بالرغم من أن مشكلة داعش بالنسبة للعالم أفدح من «القاعدة» بكثير. لكن اعتداءات باريس غيرت الكثير من الحسابات فى العالم، ففى بريطانيا مثلا أدت الاعتداءات إلى تحول فورى فى عدة ملفات حيوية من بينها الأزمة السورية، وملف المقاتلين العائدين من سوريا، وملفات التنظيمات الإسلامية التى تستخدم العنف أو تبرر له ومن ضمنها تنظيم الإخوان المسلمين. «الحلقة السورية» فى اعتداءات باريس وهناك نحو 700 بريطانى توجهوا إلى سوريا للقتال إلى جانب داعش، بعضهم عاد والأغلبية مازالت هناك لكن هذا لا يعنى أنه ليس لهم تأثير على المناطق والمدن التى خرجوا منها. واليوم بات ملف «العائدين من سوريا» على رأس الأولويات، فالمواطنون البريطانيون الذين فروا إلى سوريا فى الأشهر الأخيرة للقتال إلى جانب داعش، تم تجنيدهم كما أظهرت التحقيقات عبر أقارب أو معارف أو أصدقاء سافروا إلى سوريا واستطاعوا عبر الانترنت تجنيد أسرهم ومعارفهم وأصدقائهم. وحتى الآن اكتفت لندن بجمع معلومات استخباراتية حول داعش فى سوريا والقيام بعمليات للتضييق عليها من حيث التمويل، لكنها لم تقم بقصف جوى ضدها فى سوريا على غرار روسيا وأمريكا وفرنسا. واليوم يوجد فى سوريا أكثر من 23 ألف مقاتل أجنبى من آسيا وأفريقيا وأوروبا ومناطق أخري، غالبية هؤلاء المقاتلين الأجانب، (نحو 11 ألف مقاتل من آسيا والقوقاز)، و(نحو 7 آلاف من أفريقيا) و(نحو 5 آلاف مقاتل من أوروبا)، يفضلون الانضمام لداعش على أى تنظيم آخر فى سوريا، هذه الحقائق دفعت بريطانيا إلى تغيير فورى للاستراتيجية البريطانية فى سوريا. فبعدما كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون يؤجل طرح مشروع قرار فى البرلمان لتوسيع الضربات الجوية البريطانية ضد داعش لتشمل سوريا إلى جانب العراق بسبب تخوفه من عدم حصوله على الأغلبية المطلوبة لتمرير القرار، أعلن داوننج ستريت أن كاميرون سيطرح مشروع القرار أمام مجلس العموم بحلول منتصف ديسمبر المقبل. ووفقا لمصادر مطلعة فى مقر رئاسة الوزراء البريطانية فإن كاميرون سيكرس جهده فى الأسابيع المقبلة من أجل ضمان أن يصوت مجلس العموم لصالح مشروع قرار توسيع الضربات الجوية ضد داعش لتشمل سوريا، وقال مصدر مطلع فى هذا الصدد: «موقف رئيس الوزراء هو أننا لا يمكن أن نقف متفرجين ودولا أخرى تقوم بحماية أمننا القومي، هذا ما سيؤكد عليه كاميرون أمام مجلس العموم، كما سيؤكد أن صورة بريطانيا كشريك دولى فى الحرب على الإرهاب ستتأثر سلبيا بشكل هائل لو رفض مجلس العموم للمرة الثانية الضربات ضد داعش فى سوريا»، ومنى كاميرون بهزيمة برلمانية عام 2013 عندما أخفق فى الحصول على موافقة البرلمان لشن غارات جوية داخل سوريا. وكان لافتا أن وزير الخارجية البريطانى فيليب هاموند خلال شهادته أمام مجلس العموم البريطانى اعترف بضعف فعالية الضربات الغربية ومحدوديتها قائلا: هناك عدم اتساق فى الحملة العسكرية ضد داعش، فكيف يكون هناك هجمات جوية ضد داعش فى العراق، بينما خطوط الإمداد لداعش التى تأتى من سوريا لا يتم مهاجمتها، فمسرح العمليات واحد، ولا يمكن التفريق بين العراقوسوريا عندما يتم الحديث عن الإستراتيجية الغربية لمحاربة داعش. واليوم أكثر من أى وقت مضى فإن هناك إدراكا متزايدا أنه إلى جانب تعزيز الضربات العسكرية ضد داعش، لابد أيضا من حل سياسى فى سوريا وفى أسرع وقت، حل سياسى يقوم على الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ووحدة أراضيها، فالكابوس الأخطر على العالم اليوم هو فراغ سياسى وفوضى عارمة فى سوريا حيث يوجد مئات التنظيمات الجهادية المتطرفة العنيفة المسلحة والممولة بسخاء من جهات دولية واقليمية. ويقول مصدر بريطانى مطلع ل«الأهرام»: «كل الجهود فى سوريا تنصب على حل سياسى يترتب عليه أقل مستوى ممكن من الفوضى أو الفراغ السياسي، لأن أى فوضى أو فراغ سياسى سيكون فى صالح المتطرفين فى سوريا»، وربما هذه هى النقطة الوحيدة التى يتفق حولها الغرب اليوم وهى «حل سياسى بأقل الأضرار على الدولة السورية»، وهذا قد يفتح الباب لبقاء الرئيس السورى خلال الفترة الانتقالية، ووفقا لأكثر من مصدر غربى شارك فى اجتماعات فيينا حول سوريا تحدث ل«الأهرام» فإن نقطة النقاش الأساسية ما زالت حول دور الأسد فى سوريا. ففيما أكدت روسيا أن على القوى العالمية بعد اعتداءات باريس ان توحد جهودها ضد داعش بدون فرض أية شروط مسبقة حول مصير الاسد، وهو موقف تدعمه مصر، ما زالت واشنطن تصر على أن وجود الأسد يعنى استحالة القضاء على داعش. لكن الموقف الأمريكى بات معزولا تدريجيا على الأقل أوروبيا، فالتوجه العام داخل أوروبا اليوم هو أنه لا ينبغى الربط بين القضاء على داعش وإجبار الأسد على التنحي، وأن الأولوية يجب أن تكون للقضاء على التنظيم الإرهابي، وهذا التوجه له مؤيدون أقوياء فى بريطانيا من بينهم الجنرال سير ديفيد ريتشاردز الرئيس السابق لأركان الجيش البريطاني، الذى قال إن التخلص من داعش ونظام الاسد فى نفس الوقت «غير قابل للتحقق» و«استراتيجيته متضاربة»، موضحا أن الجيش النظامى السورى هو الجهة الوحيدة القادرة على طرد داعش من سوريا. قطع «شريان الحياة» عن داعش تجنيد مقاتلين جدد، واستخدام الإنترنت كوسيلة للدعاية والتجنيد، وتمويل وتخطيط هجمات إرهابية واسعة النطاق من فرنسا إلى لبنان ومن تركيا إلى سيناء، يحتاج أذرعا مالية ممتدة. وهذا ما تمتلكه داعش، ففى سوريا تسيطر داعش على نحو 60% من حقول النفط السورية وتنتج يوميا نحو 50 ألف برميل، وفى العراق تسيطر على حقول نفط فى الشمال والغرب تنتج يوميا 40 ألف برميل، ويقول مسئولون بريطانيون إن لندن ستتخذ قرارات صارمة فيما يتعلق بمصادر تمويل داعش، وفى هذا الإطار كشفت مصادر مطلعة عن أن الاستخبارات البريطانية ستطلب من دول وشخصيات إقليمية التوقف عن دعم داعش ماليا عبر الهبات والمساعدات والتمويل الصريح، كما ستتخذ لندن إجراءات أخرى من بينها قطع شريان الحياة عن داعش بالتعاون مع دول التحالف الدولي، وذلك عبر تقليص قدرة داعش على بيع النفط والآثار السورية المنهوبة فى الأسواق الدولية، ومنذ هجمات باريس، كثفت الضربات الجوية ضد مصدر التمويل الأساسى للتنظيم الإرهابى وهو المناطق المنتجة للنفط. إجراءات صارمة ضد الإخوان المسلمين «ملف الاخوان المسلمين فى بريطانيا سيتم التعامل معه بصرامة» هكذا يقول مصدر بريطانى مطلع ل«الأهرام»، موضحا أن الحكومة البريطانية ستشدد المراقبة على كل أنشطة الإخوان على أراضيها، خاصة مصادر التمويل وخطاب الحض على العنف. ومن هنا تكمن أهمية التقرير البريطانى المنتظر حول الإخوان المسلمين وأنشطتهم فى بريطانيا والمتوقع أن يصدر نهاية هذا العام، لم يكن إعداد التقرير عملية سهلة، فكما يقول مصدر بريطانى مطلع «هناك الكثير من الضغوط من كل الاتجاهات»، ويتابع: لهذا السبب تأخر التقرير... هناك اختلافات وتباينات حول طريقة التعامل مع الإخوان المسلمين ووضعيتهم فى بريطانيا، هناك مسئولون كبار يريدون حظر التنظيم واعلانه تنظيما ارهابيا، وهناك من يرون أنه لا مبرر لهذه الخطوة وأن أنشطة الإخوان فى بريطانيا مقيدة بالفعل وتحت رقابة لصيقة. المؤكد أن هناك ضغوطا متضاربة من دول أقليمية بعضها يريد حظر التنظيم وإعلانه إرهابيا، وبعضها يحذر من هذا، حكومة كاميرون من ناحيتها تريد تشددا وصرامة بالغة إزاء أنشطة الإخوان فى بريطانيا، وبعد هجمات باريس ستشدد الحكومة قبضتها على أنشطتهم وتتأكد من محاصرتهم، كما قال المصدر البريطانى «فالتنظيم عابر للحدود الوطنية ويشكل خطرا على الكثير من البلاد وليس بلدا واحد». لاجئ... أم انتحارى؟ الخوف الذى تعيشه أوروبا اليوم يجتاح الجميع وعلى رأسهم المواطنون من أصول عربية وشرق أوسطية، فبعد ساعات من هجمات باربس تصاعدت اللغة اليمينية المعادية للمسلمين والعرب واللاجئين القادمين من سورياوالعراق، وخلال الأيام الماضية شهدت دول أوروبية عديدة اعتداءات ضد المحجبات أو أصحاب اللحى أو ذوى الملامح الشرق أوسطية وسط مشاعر ريبة وشك فى المسلمين «الطابور الخامس الذى يمكن أن ينقلب علينا فى أى وقت لأن كلهم متعاطفون مع الأيديولوجية المتطرفة»، كما تم إشعال النيران فى مساجد ومراكز إسلامية ومقار لإيواء اللاجئين، هذه الظواهر على محدوديتها حتى الآن تدعو للقلق، فالخوف فى أوساط مسلمى أوروبا من اليمين المحافظ وأجندته العنصرية الإقصائية وحضه على كراهية المسلمين هو أفضل وسيلة لتجنيد المزيد من الشباب الأوروبى المسلم فى صفوف داعش. ففى بريطانيا أعلنت شرطة سكوتلاند يارد زيادة كبيرة فى الجرائم العنصرية ضد المسلمين أو ذوى الجذور الشرق أوسطية دافعها الكراهية الدينية، وأصدرت بيانا حذرت فيه من أنه لن يتم التسامح إزاء هذا النوع من الجرائم، وفى استطلاع للرأى أجرته مؤسسة «يوجوف» الحكومية لقياس الرأى العام تراجع دعم البريطانيين لاستقبال لاجئين فى بريطانيا لأدنى مستوى له. ففى الاستطلاع قال 49% ممن استطلعت آراؤهم أنهم برفضون استقبال لاجئين بارتفاع 22% عن استطلاع مماثل أجرى فى سبتمبر الماضي. وفى اسكتلندا التى استقبلت هذا الأسبوع أول دفعة من اللاجئين السوريين فى اطار خطة كاميرون لاستضافة 20 ألف لاجئ سورى على مدار خمس سنوات، وقف المئات مرددين عبارات «اللاجئون غير مرحب بهم هنا».