استضافت «الأهرام» مجموعة من الرائدات بالعمل الأهلي، واللاتى اخترن أخطر القضايا بالمجتمع المصرى «أطفال الشوارع» وخضن فى أعماق القضية وتمكن من توصيف كل جوانبها ووقفن على أسباب حدوثها وكيفية التعامل معها واستيعابها، وحددن السلبيات والعوائق التى تعترض طريق الحل النهائى لهذه الظاهرة واخترن التعامل المباشر مع المشكلة والعمل على حلها، وخلال هذا الملتقى عرضن نماذج عملهن فى التعامل مع تلك القضية الشائكة، ورؤيتهن للحلول النهائية لها، وما مدى إمكانية المجتمع المدنى فى استيعابها. فى البداية رحب الأستاذ عزت إبراهيم، مدير تحرير الأهرام، بممثلات المؤسسات من القيادات النسائية بالمجتمع المدني، وأعرب عن شكره لاستجابتهن للمشاركة فى ندوة عن «العمل الأهلى بالمجتمع المصري» خاصة أنه يعد الجزء المكمل للتطور السياسى الذى يجرى فى مصر حاليا. وأوضح إبراهيم أن المجتمع المدنى يمر بأزمة حقيقية ناتجة عن عدم استيعاب البعض دور المؤسسات التى تعمل فى ذلك القطاع، للوقوف على الأنشطة والخدمات التى يقدمنها للمجتمع المصرى والوقوف على المعوقات التى تعترض عملهن، ورؤيتهن لمستقبل عمل المجتمع المدنى والآليات التى تدعم عملهن لتحقيق التنمية التى ننشدها جميعا. أرقام متضاربة وبدورها أكدت د. هنا أبو الغار أستاذة طب الأطفال بجامعة القاهرة ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة بناتي، أنها تعمل فى مجال أطفال الشوارع منذ عام 2001، وفى عام 2009 تأسست مؤسسة بناتي، بمبادرة من نساء مصريات رأين أننا فى حاجة ماسة للخوض فى أغوار قضية فتيات بلا مأوي، وركزنا فى العمل مع الفتيات لما لمسناه من تفرقة فى التعامل معهن، فلا توجد جمعيات تعمل معهن سوى «بناتي» وبعض الجمعيات التى تتعامل معها بشكل جزئي. وأضافت أنه لا يوجد فى مصر إحصائيات طبية أو اجتماعية أو نفسية، والارقام متضاربة فاليونيسيف ذكرت أن عددهم 2 مليون، فى حين المجلس القومى للأمومة والطفولة أن عددهم 45 ألف، بينما ذكرت وزارة التضامن أن عدهم 16 ألفا، ومن خلال عملنا نجد ازدياد فى أعدادهم، ففى بداية كانت سن 12 عاما هى أقل سن نجدها وكان عدد الفتيات بينهم قليل، أما اليوم فنجد أطفالا فى سن عام وعامين وعدد الفتيات يتعدى النصف، وهذا يعد مأساة الكبري، لأن البنت لا تتخلى عنها الأسرة، والمأساة أن عدد الأطفال الذين يترددون على الاستقبال يزيد على 1250 طفلا فى الشهر، أما الذين يأتون للإقامة الدائمة فهم 220 طفلا وطفلة، منهم 151 طفلة و69 طفلا، ويعد هذا الأسلوب جزءا من التأهيل النفسى الذى يساعد الأطفال على إعادة إدماجهم فى المجتمع والأسرة. وأردفت أنه فى أفضل الظروف فى العالم وفى الدول التى تعانى من هذه المشكلة نسب النجاح لا تزيد على 30%، ومن تلك الدول البرازيل، فوفقا للدراسات فأن الأطفال الذين يترددون على الاستقبال أقل عرضة فى الانخراط والقبض عليهم فى جرائم فيما بعد. تشجيع الجمعيات ثم أكدت أن الجمعيات الأهلية قادرة على التعامل مع هذه المشكلة إذا تم تشجيعها، ولكن المشكلة تكمن فى (الحنفية المفتوحة) لنزول الأطفال بالشارع، وليس فى إمكان الجمعيات غلقها، فكلما أنقذنا طفلا ينزل فى مقابله عشرة أطفال، وهذه المشكلة تحتاج لتنمية شاملة ومواجهة للفقر والعشوائيات، والتى أصبحت مصدرا رئيسيا لأطفال الشوارع، وبنسب كبيرة عما يرد من القرى الفقيرة، ولم يعد هناك وجود لشعور الحرج من نوم (لحمهم) فى الشارع. واستطردت قائلة: نحن فى حاجة لزيادة عدد الجمعيات العاملة فى هذا القطاع، فرغم أن عددهم يتعدى ال20 ألف جمعية غير أن معظمها يعمل مع الأطفال الأيتام (اللقطاء)، ولا يوجد تعاطف مع أطفال بلا مأوي، حيث ينظر إليهم الجميع على أنهم أطفال مجرمين، دون أن يفهموا أن الفتاه تضرب وتغتصب فى الشارع وتتألم مما تتعرض له، وتعانى كثيرا خلال مراحل التأهيل النفسي، لكى لا تعود مرة أخرى للشارع الذى أدمنت وجودها فيه، فنحن فى حاجة فعلية إلى أن نتعامل معهم كما نتعامل مع المدمنين، وإلى تأمين للعاملين فى قضية أطفال الشوارع فى أثناء نزولهم للزيارات الميدانية بالشارع، بحيث لا يخشون من الأمن بل يطمئنوا إلى مساندته لهم أثناء القيام بعملهم. معايير الجودة العالمية من جهتها، عقبت د. عزة عبد الحميد مؤسس ورئيسة مجلس إدارة جمعية وطنية موضحة: أن عملنا هو دعم كل المؤسسات الإيوائية التى ترعى الأطفال فاقدى الرعاية الأسرية، من خلال إتباع منهجية معايير الجودة العالمية، ويتم العمل من خلال ثلاث وحدات رئيسة بالجمعية، وحدة التطوير المؤسسى خاصة وأن السبب الرئيسى لهروب الأطفال من دور الإيواء يعود لعدم مقدرة مقدم الرعاية على التعامل السليم معهم ويعاملهم على أنهم مجرمون، ولذا نحاول توعيتهم وتعزيز مهنتهم، ومؤخرا تعاونا مع مؤسسة «برسن» العالمية فى مجال التعليم، وبها قسم خاص للتعليم المهني، أما وحدة التوعية وكسب التأييد نقوم من خلالها بحملات للتوعية عن طريق مشروعات متغيرة، كحملة (اعرفنى أنا مش بس يتيم)، وكذلك حملة (الأصول بتقول) وأخيرا مشروع «جائزة البيت الحلو». وأوضحت د. أبو الغار أننا نعمل على ثلاث مراحل تبدأ بمشروع مركز الاستقبال فى الملك الصالح بدعم من مؤسسة ساويرس، واليونيسيف، بالإضافة إلى تغطية مكتبة الإسكندرية للأنشطة والورش، ومع كل هذا نعانى من أزمة مالية حلمنا أن نصل لأكبر عدد من هؤلاء الأطفال لمساندتهم، ولذا بدأنا نلجأ للمتبرع الفرد، ولكن التعاطف مع هذه القضية ليس بالقدر الذى يستحقونه. خدمات نهارية وقالت نورا الجمل منسق وحدة الدمج الأسرى أن طبيعة العمل فى الاستقبال ب«بناتي» عبارة عن تقديم خدمات نهارية للأطفال ممثلة فى المأكل والشراب والراحة والأمان وتقديم الدعم النفسى والاجتماعى ودراسة الحالات لتشجيعهن على التردد على الاستقبال، وخلال أى حدث سياسى كالانتخابات لتوعيتهم حتى لا يتمكن أحد من التأثيرعليهم. وتطورت آليات العمل لمساعدة الفتيات فى مساعدة الكثيرات على الزواج الشرعى من خلال الجمعية. وأضافت أن جميع الأطفال بالمؤسسة ملتحقون بمراحل التعليم المختلفة، إضافة إلى ممارسة رياضة الكارتيه لتمكين الفتاه من الدفاع عن نفسها فى الشارع أو فى الأسرة، هذا بالإضافة إلى العلاج الذى نقدمه للأطفال. وعقبت فريدة قلعجي، مديرة المشروعات فى مؤسسة «بناتي» قائلة أن المشروعات التى نقوم عليها سواء كانت اجتماعية أو نفسية تهدف جميعها لإعادة دمج الطفل فى المجتمع، ولذا فجميع الأنشطة التى نقدمها أنشطة تأهيلية لتساعدنا للوصول لهذا الهدف، وكل نشاط يعتمد على الطفل ذاته، ويكون لكل طفل خطة تأهيل خاصة به وتناسب حالته. حوكمة الجمعيات أما نورا سليم المديرة التنفيذية لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية فقالت: إن أحد أبرز المجالات التى نعمل فيها بوصفنا مؤسسة مصرية مانحة هو مجال تنمية المجتمع المحلى وهى مظلة يدخل فى نطاقها نشاطات وقضايا متعددة بالمجتمع منها قضية أطفال بلا مأوى وهى من أكبر وأخطر القضايا فى مجتمعنا ويعمل بها الكثيرون، و نعمل فى تلك القضية مع مؤسسة «بناتي» و«أنا المصري»، هذا بالإضافة إلى النشاطات الاجتماعية. وأوضحت أن المؤسسة تدعم الكثير من الجمعيات، وقياداتها تلعب دورا كبيرا فى تقييمنا للجمعية ذاتها، فقبل منح الدعم لأى جمعية نقوم بتقييمها بناء على النواحى القيادية، ومجلس إدارتها، وحوكمة الجمعية ذاتها، خاصة أننا لدينا فى مصر ما يزيد على 40 ألف جمعية، ونتلقى كما مهولا من طلبات التمويل، وتتوقف الاستجابة لمنح تلك الجمعيات على مدى انضباط قيادتها وحوكمتها، بحيث لا نركز كثيرا على ما إذا كانت تلك القيادة نسائية أم لا، وكل ما يهمنا ونحن نعمل فى مجال التنمية هو التأكد من أن هذه الجمعيات تدعم دور المرأة، ولذا فإن أبرز مؤسسة نتعاون معها هى «بناتي»، وتعمل بقضية أطفال بلا مأوى خاصة الفتيات منهم، وهذه الجمعية يتولى العمل بها العديد من القيادات النسائية البارزة فى المجتمع وتعمل فى مجالات متميزة، ومع ذلك تعطى من وقتها الكثير لإدارة المؤسسة ورعاية الفتيات بها. وهذا أمر مهم جدا لتشجيع أى جهة مانحة للعمل معهم. ولهذا تم تقديم دعم لبناتى وصل قيمته حتى الآن إلى 13 مليون جنيه، ونحرص مع عملنا مع هذه الجمعيات على جدارتها وإمكانية حصولها على تمويل من جهات أخري، بحيث تتمكن من الاستمرار بعد ذلك من تلقاء ذاتها بدون الدعم الذى نقدمه لها. تطبيق القانون من جهة أخري، قالت هنا أبو الغار: إذا أردنا البداية الصحيحة للمواجهة الشاملة لهذه المشكلة، فيجب علينا البدء فورا فى تطبيق القانون، فللأسف نحن نعانى أزمة تشريع وتطبيقه، فلقد عملنا كثيرا قبل ثورة 25 يناير على قانون الطفل، وهو القانون الوحيد الذى اشتركت كل قوى المجتمع المدنى فى وضعه، والذى واجه حروبا رهيبة، رغم أن سقف القانون أقل من طموحاتنا ومع ذلك وافقنا عليه وتم تمريره بصعوبة شديدة فى مجلس الشعب، ورغم كل ذلك فإن هذا القانون لم يطبق حتى وقتنا هذا، ولا يرغب أحد فى إعداد لائحة تنفيذية له، مع أن هذا القانون ينص على أن من حق الطفل أن ينسب إلى أمه فى حال عدم وجود الأب، وللأسف حتى يومنا هذا الفتاة التى اغتصبت فى الشارع وحملت وأنجبت لا تتمكن من استخراج شهادة ميلاد، ولكى يتلقى طفلها تطعيمه أو يدخل المدرسة تجبر على التنازل عن طفلها، لأن البديل لها هو التوجه لقسم الشرطة لعمل محضر، فتواجه تهمة ممارسة الدعارة وتحبس، وهذا ينتج عنه وجود كثير من الأطفال تتعدى أعمارهم عشر سنوات بدون شهادات ميلاد، إضافة لذلك الدستور المصرى به مادة للطفل لا تقل عن مواد حقوق الطفل بأوروبا، وتحمى الطفل من كل الانتهاكات وتمنحه جميع حقوقه وكل ما ينقصنا هو تطبيقها، لنتمكن من حماية ورعاية الأطفال من ذويهم من المجرمين والمدمنين، لأن القانون الحالى يعطى الحق لأولياء الأمور فى إخراج أطفالهم من المؤسسة فى أى وقت دون الوقوف على المصلحة العامة للطفل أو الأذى الذى يتعرض له مع ولى أمره، ولدينا مآس كثيرة من مثل تلك الحالات التى تعود إلينا فى أوضاع يرثى لها سواء بالاغتصاب أو الحرق أو الكسور، وللأسف تتكرر تلك المشاهد بصفة مستمرة دون أن يكون فى أيدينا شيء يردع هؤلاء الآباء عن أطفالهم، ولدى المؤسسة نموذج حى لهذه الحالات، فلدينا بالمؤسسة ثلاثة أطفال أشقاء عاشوا معنا ثلاث سنوات دون أن يسأل عنهم أم أو أب، ورغم ذلك تحسنت حالتهم النفسية ودخلوا مدارس، وفجأة جاء الأب وطلب اصطحابهم فى إجازة العيد، وللأسف عادت الطفلة الصغيرة محروقة، و الطفلة الأكبر بها كسر مركب فى الساق، أما الولد فعاد مغتصبا، ورغم هول ما تعرض له هؤلاء الأطفال مع ذويهم للأسف الشديد ليس لنا كمؤسسة الحق فى منع والدهم من أخذهم فى أى وقت يرغب فى ذلك، لأن القانون فى صفه لأنه الأب، مع انه لو تم تفعيل لجان الحماية فى كل الأحياء تمثل فيها الدولة والمجتمع المدنى وتمارس سلطاتها وفق قانون الطفل بسحب الولاية على الطفل وتحميه من والديه اللذين لا يتمتعان بالأهلية لإعالة أبنائهما. ولكن للأسف هناك رفض تام لتفعيل تلك اللجان بحجة أن تلك الآلية ستجعل الأبناء سيفا على رقاب والديهم بالإبلاغ الكيدى لهم ليس إلا، وهذه الرؤى غير موضوعية وترفض من الأساس التعامل مع الواقع الأليم الذى يعيشه هؤلاء الأطفال. الخطأ الرهيب وهنا تدخلت أميرة حسام مديرة وحدة التطوير فى جمعية وطنية فى الحديث قائلة إن هناك تشابكا كاملا للقضايا الخاصة بالأطفال، والخطأ الرهيب الذى يحدث حاليا هو أن وسائل الإعلام تتعامل مع كل قضية على حدة، بحيث تتناول قضية الأحداث بمفردها وكذلك أطفال الشوارع، رغم أن جميعهم يدخلون فى نطاق قضية واحدة، والأبحاث والدراسات تقول إن أول سبب لانفصال الأطفال عن الأسر هو الفقر ثم العنف والتفكك الأسري، أما الأطفال الذين يهربون من دور الأيتام فهم ثالث سبب لظاهرة أطفال الشوارع، فكما نحن بحاجة لجهود وقائية منذ البداية بالدعم الأسرى نحتاج للجهد نفسه فى التعامل مع الأطفال فى حال خروجهم للشارع أو بالأسر الممتدة. أما ريم باشيرى ممثلة مؤسسة نظرة للدراسات النسوية فقالت: عملنا بالأساس ينصب على دعم النساء فى الدفاع بمجال حقوق الإنسان ودعم الناجيات من العنف الجنسى فى المجال العام قانونيا ونفسيا وطبيا، ومن أجل ذلك نتعاون مع العديد من الجمعيات لنتمكن من مساعدة الفتيات بلا مأوى على الأخص، ولأننا لا نملك مكانا لاستضافتهن نتواصل باستمرار مع مؤسسة بناتى والتى تتخصص فى رعاية تلك الحالات، هذا بالإضافة إلى دعم المرأة فى اقتحام مجال السياسة.