احتفلت القوات المسلحة باشتراك مصر فى الحرب العالمية الأولى التى انتهت فى 11 نوفمبر 1918 فى الوقت الذى يطالب فيه الباحثون والمؤرخون بإبراز الدور التاريخى للمصريين والشهداء الذين سقطوا على الأراضى الأوروبية ودفنوا فيها ورفع علم مصر إلى جانب دول التحالف . الشهداء المصريون مضى عليهم نحو 98 عاما بعدما شاركوا فى الحرب مع الحلفاء ، وهم بسطاء من طبقة العمال والفلاحين توارت جثثهم فى كل من فرنسا وإيطاليا ومالطا واليونان. بعيدا عن بلدهم ، وأهليهم الذين لا يعرفون فى أغلب الظن أين توجد مقابر ذويهم، ولماذا دفنوا بعيدا ، ولماذا أرسلوا إلى الخدمة والعمل فى بلاد قادت حروبا لا ناقة لهم فيها ولا جمل ولماذا يغفل العالم عن ذكراهم باستثناء مقابر فخمة محاطة بالورود، أشرفت على تأسيسها هيئة الكومنولث المسئولة عن رعاية مقابر ضحايا الحروب. هذه المقابر التى تحمل حكايات بشر، وأسرار حروب، وصراعات قوى ستشعر بالحسرة عندما ترى أسماء مواطنين مصريين مكتوبة عليها وبجوارها باللغة العربية «إنا لله وإنا إليه راجعون». الدكتور أشرف صبرى استشارى فى طب الأعماق وحوادث الغوص، كثف بحثه فى كتب التاريخ التى قادته إلى معلومات مهمة حول أماكن مقابر المصريين فى أوروبا. الذى قال إن بداية القصة ترجع إلى اكتشافه وثيقة رسمية تؤكد أن مصر أقرضت بريطانيا فى أثناء الحرب العالمية الأولى 3 ملايين جنيه إسترليني، أى ما يعادل 28 مليار جنيه إسترلينى تقريبا فى الوقت الحالي، لكن بريطانيا لم تسدد هذا الدين حتى هذه اللحظة، تلك الوثيقة دفعت صبرى إلى البحث عن كل المعلومات التى توضح العلاقة بين مصر وبريطانيا وقتها ، وكان من بينها ما جاء فى كتاب الدكتورة لطيفة سالم أستاذة التاريخ «مصر والحرب العالمية الأولي» أنه »لم يتوان القائد العام للجيوش البريطانية عن الإلحاح فى اتخاذ الإجراءات الفعالة للحصول على العدد اللازم من العمال»، وتقدر الدكتورة لطيفة عدد المصريين الذين شاركوا فى الحرب العالمية الأولى بأوامر من بريطانيا سواء كانوا من الجنود وفيلق العمال وفيلق الجمال بنحو مليون ومائتى مصري، على الرغم من أن تقديرات عدد من المؤرخين عن تلك الفترة، حصرت عددهم بين 80 و 90 ألف جندى فقط، ومهما يكن عدد من شارك فإن دماء مصرية سالت بالفعل فى الحرب. ويقول: دفعنى الفضول عند قراءة هذه المعلومات إلى زيارة مقابر دول الكومنولث وبالفعل وجدت أسماء جنود مصريين محفورة على مقابر عدة دول أوروبية مكتوبا عليها: «إنا لله وإنا إليه راجعون الحرب العالمية الأولي، الجيش المصري، اسم الجندى ورقم فرقته وموعد الدفن»، ويضيف صبري: وقتها بكيت بشدة لأن من الصعب أن يموت أهلنا فى أرض غير أرضهم وبلاد غير بلدهم.. ووسط أناس لا يعرفونهم فتظل مقابرهم مهجورة ولا يتذكرهم أحد حتى بقراءة الفاتحة، التى رددتها فى كل مرة أدخل فيها مقابر جديدة لشهدائنا. فى عام 1917 الذى دفن فيه أغلب الجنود فى مقابر أوروبا فى أثناء الحرب العالمية الأولي، وكان وقتها النفوذ الإنجليزى يفرض نفسه على مصر منذ إعلان الحرب العالمية الأولى فى عام 1914، والذى أصبحت فيه إنجلترا الحاكم الحقيقى للبلاد بعدما أعلنت الحماية على مصر، وجاءت هذه الحرب فرصة لعزل كل من يعارضها فى سياستها وعلى رأسهم الخديو عباس حلمى الثاني، وعينت حسين كامل بدلا منه ومنحته لقب سلطان البلاد فى إشارة منها لإنهاء تبعية مصر إلى الدولة العثمانية التى كانت ضدها فى الحرب، وتولى وقتها حسين رشدى باشا برئاسة الوزراء. الدكتورة لطيفة سالم قالت: إن بريطانيا سعت إلى تدعيم موقعها فى مصر بشتى الطرق، لتكون معسكرا لقواتها، نظرا لموقع مصر المتميز بين الشرق والغرب، وهو ما دفعها لإعلان الأحكام العرفية ولتكوين جيش من الجنود المصريين وكذلك الرديف، أو هو عبارة عن فرق تشكلت من الجمَّالة والعمال الذين تولوا مهمة بناء الجسور وحفر الآبار فى العديد من الأماكن منها شرق السويس ودول الشام ومنطقة السلوم وليبيا والسودان، وفرنسا وفالونيك فى اليونان، وحسب كلام لطيفة سالم فى كتابها «مصر والحرب العالمية الأولي» الذى يعد من المراجع القليلة التى تحدثت عن استعانة بريطانيا بالمصريين فى حربها ضد دول المحور، فإن الجيش المصرى كان له مجهوداته فى رجحان كفة إنجلترا وحلفائها، وليس الجيش فقط، وإنما كذلك الرديف. تلك المعلومات دفعت الدكتور أشرف صبرى إلى الذهاب إلى هيئة الكومنولث، وهى الهيئة التى تشرف على مقابر ضحايا الحروب فى العالم وتختص بالحفاظ عليها وصيانتها؛ كما تحتفظ بأسماء جميع الجنود التى تحتويهم هذه المقابر فى سجلات رسمية، هناك استطاع الحصول على الوثائق الخاصة بأسماء 100 جندى مصرى مدفونين فى المقابر الأوروبية مدون فيها الأسماء بوضوح، والفيلق الذى ينتمى إليه الشهيد، واسم المقبرة، ومكانها بدقة، وتاريخ الاستشهاد، مع ملاحظة أن كل هذه البيانات مدونة على تلك المقابر فى هذه البلدان الأوروبية. ومع ذلك لم يحرك مسئولا مصرى ساكنا، ولم يقشعر بدنه عندما رأى بنفسه أسماء الشهداء، وهو ما أصابه بالإحباط، خاصة بعد أن قدم مستنداته إلى البرلمان المصري لنرد لهؤلاء الشهداء جزءا بسيطا من حقهم . مؤكدا أن من حق مصر أن تطالب بعمل نصب تذكارى لشهدائها كما هو الحال بالنسبة للذين شاركوا فى الحروب من دول عدة وتم تخليد ذكراهم أن شهداء الجيش المصرى الذين استشهدوا فى أوروبا فى أثناء الحرب العالمية الأولى والمدفونين حاليا بمقابر فى بلغاريا وشمال بلجيكاوفرنسا، بلغ عددهم مليونين ومائتى ألف جندى استشهد تقريبا نصفهم، وأنه يحق لمصر ولأسر هؤلاء الشهداء المطالبة بالتعويضات المناسبة، ولم تقم مصر بعمل شيء من أجلها، بالإضافة إلى الوثيقة التى تؤكد مديونية بريطانيا لمصر ب3 ملايين جنيه إسترلينى فى أثناء الحرب العالمية الأولي، والتى حصل عليها من الأرشيف الوطنى البريطانى الذى أتاح هذه الوثيقة للجمهور بعد مرور ستين عاما عليها باعتبارها كانت سرية، وهى عبارة عن تقرير لجنة اللورد ملنر وزير المستعمرات البريطانية آنذاك، والتى تؤكد حق مصر فى المطالبة بهذا الدين.