رصد وتجميد الأموال المهربة المنهوبة والمشبوهة هو, كما تقول التجارب البريطانية الكثيرة, دائما أصعب من ردها إلي أصحابها. لكن حال الأموال المصرية المهربة إلي بريطانيا منذ أيام النظام السابق مختلف. فبعد مرور أكثر من خمسة عشر شهرا علي قيام الثورة المصرية المجيدة, كما يصفها البريطانيون بمختلف مستوياتهم وثلاثة عشر شهرا تقريبا علي تجميد الأصول المصرية في بريطانيا, لم تتمكن مصر من استعادة هذه الأصول رغم أن المبلغ ليس ضخما. الحقائق المؤكدة تقول: جمد البريطانيون قرابة85 مليون جنيه استرليني( تعادل نحو850 مليون جنيه مصري) منذ صدر قرارالاتحاد الأوروبي في21 مارس عام2011 بتجميد الأصول والأرصدة والأموال والممتلكات. وتضمن القرار أسماء19 شخصية تلتزم دول الاتحاد الأوروبي بتجميد أي أرصدة أو أصول لهم لديها, علي رأسهم الرئيس المخلوع حسني مبارك وأفراد اسرته. لا أسماء.. لا تفاصيل لكن البريطانيبن يرفضون الإعلان عن أي تفاصيل أوعن أسماء اصحاب الاصول المجمدة. وتندر المعلومات الصادرة عنهم. والاستثناء الوحيد هو تحميل مسئولية التأخير للجانب المصري الذي يبدو, من وجهة النظرالبريطانية, غير جاهز للمضي في طريق استعادة الأموال. وبعد أسابيع من البحث, تمكنت الأهرام من الوصول إلي معلومات ربما تساعد في الإجابة علي السؤال: لماذا لم تعد هذه الأموال المجمدة حتي الآن؟. هناك إجاباتان, بريطانية ومصرية, علي السؤال. الطرح البريطاني, حسبما أوضحت مصادر مطلعة علي تفاصيل الملف, يقول: أجهزة التحقيق البريطانية المختصة, فور تلقي لندن طلبا مصريا, حسب إعلان وزارة الخارجية يوم14 فبراير قبل الماضي( أي بعد ثلاثة أيام من تخلي مبارك عن الرئاسة), في البحث والتحري عن أموال رجال نظام مبارك الموجودة في بريطانيا. وصدرت تعليمات غير مكتوبة بعدم تمكين أصحابها من التصرف فيها. أقصي تعاون لكن المصريين تأخروا في تقديم طلب رسمي مدعوم بأسانيد كافية لتجميد هذه الأموال تمهيدا لاستردادها. فبينما تحرص بريطانياعلي مساندة الثورة المصرية, فإنها ملتزمة بالقوانين المنظمة للتجميد والمصادرة والرد, في21 مارس, نجحت بريطانيا في حملتها لاقناع دول الاتحاد الأوروبي باصدار تشريع يلزم الدول الأعضاء بتجميد أي أصول أو أرصدة أو حسابات أو منقولات مملوكة للشخصيات المصرية ال.19 متحدث باسم الخارجية المصرية يقول ل الأهرام إن لندن بذلت جهودا كبيرة لاستصدار القرار الأوروبي. ومسئول بوزارة الخزانة البريطانية يؤكد للأهرام إن بريطانيا لن ترفع التجميد أيا تكن المدة التي قد تستغرقها عملية تسوية وضعها القانوني. نتعاون مع المصريين بأقصي ما نستطيع لمساعدتهم علي استرداد الأموال. وآخر اشكال التعاون هو ترتيب اجتماع في نهاية شهر ديسمبر الماضي في لندن بين مسئولين مصريين من جهاز الكسب غير المشروع وغيره من أجهزة مكافحة الفساد في مصر, لشرح أفضل السبل القانونية لاستعادة الأموال المجمدة. لكن المصريين ألغوا الاجتماع قبل ايام قليلة من موعده دون إبداء أسباب. مراحل ملزمة شرحنا للمصريين أن هناك ثلاث مراحل في العملية برمتها: الأولي هي التجميد, والثانية مرحلة صدور أحكام قضائية نهائية ملزمة تؤكد علاقة الأموال المجمدة في بريطانيا بجرائم فساد ارتكبها أي من الأسماء الواردة في قائمة الاتحاد الأوروبي, ويلي ذلك صدور أمر قضائي من محكمة مصرية باسترداد هذه الأموال, والمرحلة الثالثة هي تسليم الأمر إلي وزارة الداخلية وأجهزة التحقيق في بريطانيا للاستناد إليه في استصدار أمر قضائي بريطاني بتسليم الأصول المجمدة لمصر. ولاتزال السلطات المختصة في بريطانيا تنتظراستكمال المرحلة الثانية. والمصريون لم يتحركوا. ومع ذلك, فإن بريطانيا تتعهد بتقديم أقصي مساعدة ممكنة في إطار قوانينها, ومستعدة لمناقشة أي أمور قانونية مع الجانب المصري. ولا تملك وزارة الخزانة رد الاموال لأنها جهة تجميد وليست جهة إعادة. لايمكن, ايضا, تغيير القوانين, لتمكين المصريين من استعادة الأموال مع التفهم الكامل لحرصهم, ومعهم الحكومة البريطانية, علي محاسبة الفاسدين وحرمانهم من الاستفادة من الاموال المسروقة. والنصيحة الأخيرة هي أنه غالبا ما يكون رد الأموال المسجلة بأسماء أفراد أسهل من رد الأموال المسجلة باسم مؤسسات رسمية لأن التعقيدات القانونية أكثر.