عدة حوادث تزامنت مع بداية العام الدراسي تكشف حالة الانفصام بين المدرسة ورسالتها وبين الأسرة المصرية بمايكشف خللا حقيقيا في تربية الأبناء والأجيال الجديدة ، وظهور أنواع من العنف تجاه المدرسين في ظاهرة باتت واضحة في مفاهيم الآباء، ونعرض صورا منها تمثلت في تعرض معلم بمدرسة السيدة عائشة الثانوية بنات بالمرج لتعدي ولي أمر طالبة عليه بالحذاء أثناء طابور الصباح ، لتعنيفه طالبة لشغبها أثناء شرح المعلم داخل الفصل، كما اعتدي مجموعة من أولياء الأمور علي معلمة بمدرسة الجناين الابتدائية بالسويس داخل المدرسة قبل لحظات من بداية الطابور وانهالوا عليها ضربًا في الوجه والبطن ومناطق متفرقة من الجسد، وخلعوا حجابها بعد طرحها أرضًا وسحلها لمسافة 5 مترات، في مشهد مؤلم أصاب تلاميذ المدرسة بحالة من الذعر والبكاء المستمر. وتعرضت المعلمة لنزيف وكدمات شديدة وجروح متفرقة في أنحاء جسدها، كماأطلق شقيق طالب أعيرة نارية علي مدرسة الروضة الإعدادية بقرية أولاد سيف بالشرقية ، مما تسبب في إيجاد حالة من الفزع بين طلاب المدرسة وفي بني سويف، قفز أولياء أمور من أعلي سور مدرسة خالد بن الوليد الابتدائية بمنطقة عزبة الصفيح ، واقتحموا المدرسة واعتدوا علي ثلاثة معلمين بالضرب وأحدثوا تلفيات بالفصول. صحيح أن هناك حالات عنف لا تحصي بالمدارس لم تجد طريقها للنشر، أو يتدخل فيها البعض مثل حالة المدرس الذي ضربه ولي أمر بالحذاء ، ولم يملك إلا أن يتنازل عن حقه، لأن المدرس في زماننا أصبح مهضوم الحق ، لدرجة أن الأسرة بدلا من أن تعلم ابنها احترام المدرس فإذا بها، هي التي تبادر بالهجوم علي المدرس وضربه وسحله ، ليفتقد الطالب القيم الحقيقية، والنتيجة أن يتخرج لنا إنسان عديم القيم والأخلاق هادم، لا يحب وطنه0 وتؤكد السيدة فاطمة الزهراء هلال خبيرة بالتعليم أن السبب الأساسي لعمليات الاعتداء علي المدرسين هو ضياع هيبة المدرس أمام المجتمع والتلميذ مما أغري الكثيرين بحالات الضرب ومنه التلاميذ أنفسهم ، فالمدرس يحتاج إعدادا خاصا للتعامل مع الأداء المدرسي داخل وخارج الفصل لأنه المثل الأعلي للطالب ، فإذا به يندفع بقوة وراء الدروس الخصوصية ، وظهرت المافيا في هذا المجال حتي يأخذ المنهج بالكامل خارج المدرسة ، وبالتالي انعدمت أهمية مدرس الفصل بل المدرسة أيضا، إضافة إلي حالة الانفلات الأخلاقي التي سادت المجتمع، والتي يتبعها التفكك الذي أصاب الأسرة المصرية ، وقلة الاهتمام بتربية الابناء ، ، فتخرجت أجيال عدوانية أمام كل من يقابلها لدرجة أن يضرب التلميذ معلمه في الفصل ، والمعلم هنا لا حول له ولا قوة ، فمن يحميه إذا دخل ولي الأمر وضربه في وسط عمله بل في الفصل نفسه أمام تلاميذه ، وإذا حرر الطالب محضرا ضده فلا المدرسة أو الإدارة تتصدي للعدوان عليه ، كما لو أنه يقف في وكالة أو علي ناصية شارع ، وليس في بيت تربية وعلم ، فالغريب أن المدرسين الجادين والمحترمين هم الذين يتعرضون للاعتداء والضرب وهناك مدرسون يعمل لهم الأولاد حساباً فهم يتعاملون بالعنف والبلطجة ويستخدمون أبشع الألفاظ السوقية بمايناسب عقلية الشارع ،كما أن الأجيال الجديدة من بعض القيادات التعليمية ، لاتلقي بالا بمصلحة العملية التعليمية أو المدرس ، فكل منهم يحسب ما سيعود عليه الموقع ماديا دون أي عمل . من جانبه استنكر خلف الزناتي رئيس لجنة تسيير الأعمال بنقابة المهن التعليمية ما يحدث من امتهان كرامة وقيمة المعلمين في المدارس علنا وتعرضهم للضرب والإهانة ، وطالب بضرورة اتخاذ جميع الإجراءات القانونية والتنفيذية لحماية المعلمين وصون كرامتهم وهم يؤدون رسالتهم، وقال: إن النقابة بعثت بخطابات رسمية لكل من المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، والدكتور الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم ، والمستشار نبيل صادق النائب العام ، واللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية لاتخاذ الاجراءات لحماية المدرس . وشددت النقابة علي أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مايتعرض له المعلمون من إهانات واعتداءات جسدية جسيمة مستمرة ومتكررة ، منذ بدء العام الدراسي من بعض التلاميذ وأولياء أمورهم تجاوزت كل الحدود وحولت قاعات العلم إلي ساحات للاعتداء علي المعلم وهو يقوم برسالته المقدسة .
جذور العنف مع المدرس الدكتور رشاد عبد اللطيف أستاذ البحوث الاجتماعية بجامعة حلوان يري أن ظاهرة العنف بين المدرس والطالب وولي الأمر لها جذور ، فبعض المدرسين لا يحترمون وظيفتهم خصوصا في عملية الضغط علي الطلاب للحصول علي دروس خصوصية ، وربط أعمال السنة بها مما جعل عقيدة الطالب تهتز تجاه هذه المهنة التي تحولت إلي تجارة وربح علنا ، كما أن بعض المدرسين يستخدم ألفاظا تتصف بالسب والقذف للأب والأم ، مع استخدام العنف في التعامل خارج الإطار التربوي ، فتنعكس هذه الحالة علي أسرة الطالب ، وتكون هناك نية مبيتة في كراهية المعلم والمدرسة والتعليم أيضا، وتكون مقدمات للاعتداء علي المدرس فيتم اقتحام المدرسة دون أي حماية أو رقابة تمنع الجرائم ، في الوقت الذي اهتزت الأخلاق والقيم في المجتمع واكتسبها الأولاد من ذويهم والمتعاملين معهم ، فلم يعد المعلم في موقع صاحب رسالة علي مستوي ( كاد المعلم أن يكون رسولا ) ، وهناك الجانب الآخر، وأن هناك جانبا مهما آخر وهو انخفاض المستوي المادي للمدرس مما دفعه للبحث عن الدروس الخصوصية، وبالتالي للمهانة، فزاد اندفاعه نحوها في الوقت الذي غابت فيه أجهزة الوزارة عن متابعته ومساندته أو حمايته . وقال إن كثيرا من المدرسين غير مؤهلين تربويا ، وخريجو كليات لا علاقة لها بالتدريس من الأساس ،لذلك من الطبيعي أن تجد في حواراتهم ألفاظاً وأساليب لا تصلح داخل المدرسة أو الفصل . ويصف الدكتور أحمد حجي أستاذ الإدارة التعليمية وعميد تربية حلوان الأسبق، وقائع الاعتداء علي المدرسين من جانب الأهالي في داخل المدرسة بأنه نوع من التسيب والسلوك الشاذ ، لأن المفترض أن الآباء يقدرون دور المعلم في تربية أبنائهم ، كما أن ذلك يكشف القصور لدي المواطنين في فهم طبيعة الضغوط التي تقع علي المدرس، وهنا تكون أهمية دور الإعلام والصحافة في توعية الناس وتهذيب السلوكيات الشاذة التي تصدر عن الآباء من عدوان وضرب وتحريض الأبناء علي العصيان وضرب مدرسين ، وعلى وزارة التربية والتعليم إلي أن تبادر بتفعيل مجالس الآباء بالمدرس حتي يكونوا طرفا في الأحداث وحماية العملية التعليمية وانتظامها، كما يجب أن تتفاعل المدرسة مع البيئة المحيطة بعقد ندوات ولقاءات يحضرها الآباء ليحدث نوع من التفاعل بين الجانبين والتعرف علي مشكلات الطالب، فغالبا لا يعرف الآباء شيئا عن مستوي أبنائهم ، ولكنهم يندفعون وراء رعونة أبنائهم فالاندماج مع الآباء يخفف بل يمنع التوتر وتكون هناك ألفة وحب بين الجانبين ، وتتعاون الأسرة مع المدرس باستمرار0 كما يجب أن يكون هناك دور أساسي للإخصائي الاجتماعي الذي انقرضت مهنته عمليا ، مع ضرورة تفعيل لوائح الميثاق الأخلاقي علي المستوي التعليمي والرجوع للمحليات لحل المشكلات الصعبة، وتفعيل قانون الدولة في حالة مخالفة المدرس بفصله ، وإتاحة لعشرات الآلاف من التربويين الجالسين بالشارع أن يحلوا مكان المستغلين ومخالفي التعليمات والحرص علي نظام منح تراخيص التدريس كل مدة فيخضع المدرس باستمرار للتقييم والدورات والمشاركة في الندوات والمؤتمرات لتحسين مستواه العلمي والشخصي والسلوكي، والمقياس هنا ليس الحصول علي الدكتوراة ولكن جودة الأداء ، كما يجب عقد اختبار نفسي وعقلي للمدرس0 ويلاحظ أن هناك مناهج متضاربة في التعليم المصري ، مما يؤثر علي انتماء الطالب للوطن والدين ، فالازدواج في التعليم المصري يدفع للانفلات الأخلاقي بكل الوسائل . تغييرات المجتمع وترجع الدكتورة حنان اسماعيل رئيس أكاديمية المعلمين أسباب حوادث المدارس والاعتداء علي المدرسين إلي وجود تغيرات متلاحقة في المجتمع وانهيار القيم ، ودخول ألفاظ العامة إلي المدارس ، وحدوث تجاوزات سلوكية من الطلاب والمدرسين علي السواء ، في الوقت الذي يشجع فيه الآباء أولادهم علي احتقار المدرس ، فالتغيرات الاجتماعية الحالية انعكست علي المدرسة ، لذلك فإن دور الأكاديمية هو تنمية شخصية المدرس سلوكيا وتربويا بعد أن اهتزت صورته نتيجة تصرفات غير تربوية لا يدركها غالبا. وقالت: بعد أن كان النموذج لطلابه يحظي باحترامهم ، أصبح مصدرا أحيانا للإساءة للتعليم والمدرسة، في زمن مليء بالخلل والمفاهيم الخارجة عن طبيعتنا الشرقية، ومع ذلك فإن عودة أعمال السنة ودرجات السلوك هي أفضل وسيلة حتي يتجنب المدرس الصدام مع الأهالي وفي نفس الوقت يوقع العقاب علي الطالب المخطئ ، مع وضع محاذير تمنع استغلال المدرس لهذه الدرجات في ابتزاز الطالب والتأكد من استحقاق الطالب الدرجة ، وظهرت مقدمات الدرجات العشر التي حددتها الوزارة في حضور طلاب الثانوية العامة وتحسين سلوكهم . وأضافت رئيس أكاديمية المعلمين يجب علي المدرسة أن تفعل دور الأنشطة المرتبطة بمجالس الآباء وخدمات ونظافة البيئة بما يسمح بفهم الناس لدورها وتوعية الآباء بأهمية متابعة أبنائهم بالمدرسة وخارجها بعد ظهور حالات الانحراف ، وانتشار المخدرات نتيجة اهمال تربية الأجيال الجديدة ، والاستعانة بالمرشدين النفسيين لتقويم سلوكيات الطلاب0 وهنا يجب أن نذكر - والكلام للدكتورة حنان اسماعيل أن تحرص وزارة التربية والتعليم علي تعيين خريجي التربية ، والذين تلقوا تعليماً تربوياً والذي طبق منذ تطبيق نظام الكادر سنة 2007، وإلزام الجميع بالدبلوم التربوي، إضافة لدور كليات التربية في حسن اختيار طلابها ممن يتمتعون بصحة جيدة نفسيا وبدنيا ، لضمان تخريج جيل من المعلمبن يرقي بالتعليم أخلاقيا وعلميا.