أمر مؤسف أن تعجز دولتا السودان الشمالية والجنوبية عن حل خلافاتهما حول قضايا تعليم الحدود وقسمة الثروة البترولية وسداد مستحقات الديون المشتركة ومصير منطقة أبيي, وأن تسارع كل منهما الي استخدام القوة وقطع التواصل والحوار, رغم أنهما يعلمان جيدا أن المجتمع الدولي لن يمكن أي منهما من حسم الصراع لمصلحته بقوة السلاح!, وأن الوشائج التي تربط بينهما أكبر كثيرا من عوامل فرقتهما, خاصة أن الشمال لا يزال يشكل المنفذ الوحيد لبترول الجنوب الي البحرين الأحمر والأبيض وأن هجرة الجنوبيين تتجه شمالا وليس جنوبا, وأن التداخل القبلي والسكاني في مناطق التخوم لا يمكن أن يقطعه حد السكين, وأن الشعبين في الشمال والجنوب يعانيان فقرا مدقعا يلزمهما إنفاق عائدات البترول علي خطط التنمية وليس شراء الأسلحة, وأن تركيز الحرب علي المناطق البترولية في البلدين يمكن أن يحرم الشعبين من فرص تحسين جودة الحياة بعد الأضرار الجسيمة التي وقعت في منطقة هيجليج أغني المناطق البترولية في الشمال بعد أن اجتاحها الجنوبيون! ويخالج مصر إحساس قوي بأن صراع الدولتين يضر مصالح مصر الاستراتيجية لغياب الاستقرار عند حدودها الجنوبية, ولأن نزاع الدولتين السودانيتين يمكن أن تكون له آثاره السلبية العديدة علي علاقات دول المصب في حوض النيل, ويقلل من فرص نجاح المشروعات الكبري علي نهر النيل لتقليل حجم فواقد النهر وزيادة النصيب من حصة المياه, فضلا عن المخاطر العديدة التي تلحق بمناطق التخوم التي تسكنها قبائل زنجية وعربية صنعت جسرا للتواصل الحضاري بين شمال القارة الإفريقية وجنوبها يتحول الآن الي حزام حرب وصراع. وكذلك الأمر مع الصين التي يضير مصالحها صراع شمال السودان وجنوبه بعد أن استثمرت في البلدين ما يربو علي ثلاثة مليارات دولار في تنمية حقول بترول الجنوب وحقول بترول الشمال وفي بناء شبكة الأنابيب التي تنقل بترول الجنوب والشمال الي بورسودان, وبرغم أن البترول السوداني لا يشكل أكثر من خمسة في المائة من إستهلاك الصين فإن ميزته الكبري أن إنتاجه يتم من خلال شركات حكومية صينية, وكما يشكو الجنوب من إنحياز الصين للشمال ويهدد بإنهاء امتياز شركات البترول الصينية, يشكو الشمال من تراجع الصين عن تمويل عدد من مشروعاته الزراعية الضخمة بعد أن تقلصت عوائد الشمال من البترول. ولأن مصر و الصين تشكلان الدولتين الأكثر تضررا من صراع شمال السودان وجنوبه, يصبح من المشروع أن نسأل: لماذا لا تتعاون الدولتان مصر والصين علي إنجاز وساطة مشتركة تحقن دماء السودانيين شمالا وجنوبا وتنظم مصالحهما المتعارضة علي نحو عادل ومتكافئ؟, أظن أن القضية تستحق شرف المحاولة. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد