انتهت عملية التصويت للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب القادم، وخلال أيام تبدأ المرحلة الثانية والأخيرة، وبعدها يُدعى مجلس النواب للانعقاد للدور العادى ليتحمل مسئولياته الدستورية الجسام أمام الشعب، ولمدة خمس سنوات، تبدأ من تاريخ أول اجتماع.. ما لم يطرأ له طارئ!! وتجْمع نصوص الدستور الجديد أحكاماً جديدة، تَمنح المجلس النيابى -بصفته ممثلاً للشعب- سلطات واختصاصات واسعة، كما تشهد الساحة كذلك ندرة الخبرة فى ممارسة العمل البرلمانى.. ومهما كانت جدة هذه السلطات لمجلس النواب.. فإنها ليست سبباً للتأخير أو الخوف من إجراء الانتخابات وتشكيل مجلس النواب، خاصة وقد تأخرنا عن الموعد المحدد فى الدستور للانتخابات البرلمانية بما يزيد على سنة ونصف!! وتحملت البلاد خلالها ظروفاً صعبة، وادارتها بواسطة سلطة مؤقتة، وبعدها السلطة التنفيذية، مع غيبة السلطة الشريعية فى البلاد منذ ثورة يناير 2011.. فصدرت القرارات بقوانين، ورتبت الحقوق والواجبات التى من شأنها مضاعفة المصادمات والعقبات فى مواجهة مجلس النواب الجديد!! ولسوف يواجه المجلس القادم منذ أول جلسة لانعقاده، بعد تمام الانتخابات البرلمانية، العقبات والصعوبات العديدة، وربما المطبات والمصادمات، ولا يعنى ذلك حتمية وقوع الصدام بين المجلس وباقى السلطات، لأن الأمر يتوقف على كيفية اداء أعضاء المجلس لمسئولياتهم الدستورية.. وكيفية ادارة المجلس لاختصاصاته علنا وأمام الشعب، صاحب السيادة ومصدر كل السلطات. أول ما يصادف المجلس من مصادمات، فى أول جلسة لإنعقاده برئاسة أكبر الأعضاء سناً.. وعضوية أصغر عضوين من الأعضاء، واداء أعضاء المجلس اليمين الدستورية، ثم إجراء الانتخابات لاختيار رئيس ووكيلين للمجلس بالمادة 117، أن هذه الإجراءات تتم فى غيبة لائحة المجلس، والتى ينص الدستور على أن يُعدها المجلس وتصدر بقانون، ومازالت تلك اللائحة غائبة لم تصدر بعد ولسوف نجد أصواتاً عالية تطالب وتحتج بضرورة إصدار اللائحة أولاً التى تنظم عمل المجلس وتحدد قواعد وإجراءات انتخاب الرئيس والوكيلين.. وتشكيل هيئة المكتب، ولجان المجلس وبيان عددها عملاً بنص المادة 118، وتحديد اختصاصات كل لجنة وكيفية ممارسة الأعضاء لاختصاصاتهم وحقوقهم ومساءلتهم، وغيرها من الأحكام اللازمة التى تنظم عمل المجلس وأعضائه بصفة عامة ، وتبدو الصدمة أن اللائحة القديمة تحمل كثيراً من المطاعن منها الانحياز للمنصة ورئاسة المجلس على حساب باقى أعضائه، ولهذا فإن غياب اللائحة الجديدة، مع لزومها ، يتطلب حكمة وخبرة ومهارة فى إدارة المجلس القادم حتى لا يتصادم أعضاء المجلس وتتأخر أعماله، ومن المتوقع أن تنطلق الأصوات والخلافات وربما الاتهامات حول إيقاف أعمال المجلس وحتى إعداد اللائحة الجديدة.. ويداهمنا الوقت .. ونغرق فى شعارات.. وهى أول مصادمة تقابل المجلس القادم فى أول جلسة لانعقاده !! ومن المصادمات أيضاً التى يواجهها المجلس منذ أول انعقاد.. مناقشة برنامج الحكومة بالمادة 146 من الدستور، والذى قرر مجلس الوزراء فى اجتماع الأربعاء الماضى أنه يعدها للعرض على المجلس فور انعقاده، فاذا لم تحصل الحكومة على موافقة أغلبية أعضاء المجلس خلال ثلاثين يوماً، يكلف رئيس الجمهورية رئيساً آخر لمجلس الوزراء بترشيح من الائتلاف الحائز على أغلبية مقاعد المجلس.. فاذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية المجلس.. هنا يعد المجلس منحلاً بحكم الدستور، وعلى الرئيس أن يدعو لانتخابات مجلس نواب جديدة خلال ستين يوماً!! معنى هذا حضرات السادة، إنه اذا لم تكن مناقشة مجلس النواب لبرنامج الحكومة على مستوى المسئولية.. وتصادم أعضاء المجلس فيما بينهم، وسمعنا الأصوات والهتافات.. واتهامات المعارضة من أجل المعارضة.. وتوجيه الإتهامات.. والمزايدات.. ولم توافق الأغلبية على البرنامج حتى عند عرض الحكومة برنامجها للمرة الثانية.. عندئذ تحدث المصادمات التى تؤدى إلى حل المجلس حتماً بحكم الدستور.. فنعود إلى نقطة الصفر. كذلك من المصادمات التى قد تواجه مجلس النواب القادم هذا الكم الهائل من التشريعات التى صدرت أثناء غيبة البرلمان، والتى بلغت حتى 7 أكتوبر الحالى 494 قراراً بقانون، نعم 494 قراراً بقانون خلال ثلاث سنوات (2013 2015) وينتظر أن يتزايد عددها حتى تبلغ خمسمائة أو أكثر عند بداية إنعقاد البرلمان قبل نهاية هذا العام، فضلاً عما صدر قبلها منذ المجلس العسكرى 2011 2012 من أوامر وقرارات بقوانين بلغت حصرياً 403 قرارات بقانون.. هذه التشريعات يلزمنا الدستور بالمادة 156 بعرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس.. فاذا لم تعرض وتناقش أو عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى استصدار قرار بذلك!! ولم يتوقع الدستور بهذا النص، صدور هذا الكم الهائل من التشريعات فترة غياب المجلس، فماذا سيكون عليه حال الأعضاء عند مواجهتها ؟! وما هو موقف المجلس القادم من فهم النص وتطبيقه، ومن المتوقع أن نسمع أصواتا عالية بالموافقة عليها جملة واحدة، أو برفضها جملة واحدة، أو تجاهل النص واهماله!! وهى مصادمة واقعية!! كذلك من المصادمات المحتملة تحت قبة البرلمان، عندما يرى رئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عمله، أو إجراء تعديل وزارى، ويرفض أغلبية أعضاء مجلس النواب.. فى الحالة الأولى، أو لم يوافق ثلث أعضاء المجلس فى الحالة الثانية، رغم التشاور مع رئيس الوزراء، وهو الحكم المقرر بالمادة 147 من الدستور، فماذا عن موقف البرلمان وعلاقته بالحكومة نحو تحقيق مصلحة البلاد؟! ثم ماذا لو قدم أغلبية أعضاء المجلس طلبا باقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لأسباب فى نفس يعقوب، سواء وافق ثلثا أعضاء المجلس على سحب الثقة، وطرح أمر سحب الثقة فى استفتاء عام.. وكانت موافقة الأغلبية على سحب الثقة، أو جاءت نتيجة الاستفتاء بالرفض.. وهى مصادمة جديدة تؤدى إلى حل مجلس النواب حتماً بقوة الدستور وهو حكم المادة 161!! كذلك ماذا لو رأى رئيس الجمهورية وجود حالة الضرورة، وأن لديه قرارا مسببا لحل المجلس، لما وصل اليه من حال يهدد البلاد بالخطر والضرر، فماهية الضمانات المقررة فى هذه الحالة من المصادمات وغيرها ، مما قد يواجهه البرلمان القادم بسبب علاقة المجلس والحكومة، ويتوقف الأمر فى كل ذلك على حسن اختيار أعضاء المجلس القادم.. ونتائج الانتخابات وحال الأغلبية الفائزة .. وكيفية تعاملهم مع النصوص الدستورية وفهمها وتطبيقها بحسن نية وألا وقع المجلس فى الانحراف الدستورى. لمزيد من مقالات د . شوقى السيد