انتهى الدرس ولم نتعلم أن من المستحيلات أن تتمدين جماعة دينية وإن أعلنت أنها «حزب سياسي» يمارس العمل السياسي وفق الدستور والقانون؛ ذلك لأن التجربة المصرية في محاولة إدماج التيارات الدينية في المجال السياسي كانت تراهن على أن تؤثر الممارسة اليومية لهذه الجماعات على طبيعة الخطاب الذي ينطلقون منه ويدورون حوله ليل نهار.لكن غاب عن الدارسين والمهتمين بمسألة التحول الديمقراطي ومعوقاته أن يرصدوا لنا مدى كثافة طبقة الزيت العازلة بين ممارسات هذه الجماعات السياسية وطبيعة الخطاب السياسي المتجمِّد. لم يكن كافيًا بأي حال من الأحوال الاكتفاء بالقول إن هذه الجماعات تتسم بالانتهازية السياسية الفجّة في عملها السياسي اليومي، وأنها تشرعن فقهيًا لهذه الانتهازية على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات أو بعبارة اخرى الغاية تبرر الوسيلة! كما لم يكن كافيًا الاكتفاء بالقول إن هذه الجماعات بينها حمائم معتدلون مستنيرون لا يملكون القدرة على الفعل، وصقور متطرفون يملكون وحدهم كل قدرة على تحريك القواعد بخطاب شديد التطرف وبمصادر تمويل توصف بأنها على أقل تقدير مشبوهة! لم يكن كل ذلك كافيًا لتفسير تلك المناعة التي تتحصن بها الجماعات الدينية في مصر ضد التمدين، وأن يكون لممارساته السياسية اليومية على مدى عقود أي أثر على عقيدتهم السياسية ونواياهم تجاه الدولة التي يتنافسون على الإمساك بمقاليد الحكم فيها. أعتقد أنها لم تكن مسألة مناعة بقدر ما كانت مسألة تمنُّع عن التمدين مما يجعلنا نعتقد بأن اي محاولة لتمدين حزب ديني وإدماجه في الحياة السياسية مسألة محكوم عليها بالفشل الذريع! وهنا يجب أن نتخلص من الوهم القائل بالتمييز بين الإخوان والسلفيين استنادًا لزعم آخر بأن الإخوان كانوا يريدون السلطة، بينما السلفيون جماعة دعوية وطلاب علم شرعي؛ وقد أثبتت التجربة وواقع الحال أن «حزب النور» ، وهو حزب ديني يجب وفقًا للدستور تجميده، يتمنّع على التمدين ذلك أنه مازال يتصور أنه بإمكانه أن يرفع المادة الثانية من الدستور فزاعة في وجه الدولة المصرية لإرغامها على تديين المجال السياسي، وليس له من غاية وراء ذلك سوى مغازلة جمهوره الانتخابي ؛ مما يعني أنه يتحرك وفقًا للمخطط الإخواني في العمل السياسي العام وهو وضع الجميع في خانة المعارضين للدين وتنصيب نفسه متحدثًا وحيدًا باسم الدين الإسلامي، منكرًا على الأزهر دوره الفكري في حل هذه الإشكالية من خلال الوثائق التي قدمها بمشاركة الجماعة الوطنية وكبار المثقفين لتأكيد مدنية الدولة. إن تمدين حزب النور من رابع المستحيلات لأنه مُصاب في بنيته الفكرية بعوار يجعله لا يستطيع ان يحقق على هذا الطريق سوى علمانية عوراء؛ وليس أدل على ذلك من انتهازيته الساذجة بإغراء أقباط للانضمام له ماديًا حتى تسقط عنه صفة «الحزب الديني»، بينما لم يكن لهذا السلوك الانتهازي الساذج منه ومن أقباطه سوى دليل على كثافة طبقة الزيت التي تحول دون أن يكون لهذا السلوك السياسي مردود إيجابي ليعلن موقفه من مبدأ المواطنة القائمة على المساواة السياسية بين المواطنين دون تمييز على أساس الدين، وهو جوهر مادة دستورية أخرى يتغاضى عنها حزب النور حتى يختزل الدستور في مادته الثانية ووفق تفسيره المغرض له! لا جديد في هذا العوار العلماني الذي يتمتع به السلفيون عن ذاك الذي كان يتمتع به الإخوان وكنا نسميه انتهازية سياسية، لكن الجديد الذي أصبح يتميز به «حزب النور» عن الإخوان هو أن هذا الحزب يظهر في خطابه من وقت لآخر ما يثبت أنه حزب على طريق العداء مع الدولة المصرية إن آجلاً أو عاجلاً. لقد برزت الخطوة الأولى على طريق هذا العداء في الإحساس المتنامي لدى قيادات هذا الحزب بأنهم منّوا على الدولة وعلى المجتمع في آن بموقفهم في 30 يونيو حتى لا يتم تصوير ثورة 30يونيو على انها مؤامرة ضد الإسلام والإسلاميين! إن الإحساس بالمنّ على المجتمع والدولة ملمح أساسى من ملامح الوعي السياسي لدى قادة حزب النور، ولعل ذلك ما قد يزيد من طبقة الزيت الكثيفة التي تفصل بين ممارساتهم السياسية اليومية وخطابهم السياسي. إن حزب النور مدعو إلى ألا يمنّ علينا بعلمانيته العوراء، كما أنه مدعو لأن يعيد التفكير في خطابه السياسي المهترئ ؛ لأنه لا يدرك أنه حين يمنّ على المجتمع بأنه وقف مع ثورة 30 يوينو حتى لا يتم تصويرها على أنها مؤامرة ضد الإسلام والإسلاميين، فإنه يعترف بدون وعي وبشكل غير مباشر بأن الإخوان لم يكونوا يمثلون الإسلام ، ومن ثم عليه أن يدرك أيضًا أن هذا معناه أن حزب النور لا يمثل الإسلام! هذا الكلام لن يرضى عنه من يعتقد في نفسه انه يمثل الإسلام وجاء حاميًا للمادة الثانية من الدستور فحسب، مما يعني أنه لن يرضى إلا بأن يكون حزبًا دينيًا! وبكلمة واحدة ووفقًا للدستور : لا للأحزاب الدينية! لمزيد من مقالات سيد ضيف الله