يعتبر عضو البرلمان، محور عمليتي التشريع والرقابة، فمن خلاله يتألف البرلمان، وهو يقوم بهاتين الوظيفتين الفنيتين إلى جانب الوظائف الأخرى ذات الطابع السياسي كدعم الشرعية والتجنيد السياسي والتعبئة والاندماج القومي. وتتعدد الدراسات البرلمانية في النظم السياسية المختلفة التي تركز على طبيعة عضو البرلمان. حتى أن العديد من تلك الدراسات تميل إلى التركيز على الأعضاء أكثر من متابعتها للمُخرج النهائي لعمل البرلمانات، رغم أنه ناتج عمل الأعضاء سواء بخصائصهم الفطرية أو المكتسبة. وفي مصر، تتأثر تركيبة العضوية بمجلس النواب القادم، ومن ثم المهام التي سيقوم بها، بعدة أمور تتصل بالدستور والقانون والبيئتين السياسية والاجتماعية. فقد سطرت مواد الدستور العديد من الأمور المتصلة بتركيبة وشكل العضوية فى مجلس النواب، إذ تناولت تحديد شروط الترشيح من حيث العدد والجنسية والسن وطبيعة العملية الانتخابية، كالإشارة لعدد الأعضاء بأنه لا يقل عن 450 نائبًا، والجنسية المصرية دون حصرها فى الجنسية المنفردة، والسن كأن لا يقل سن المترشح عن 25سنة، والأخذ بالنظام الفردى أو نظام القائمة أو الجمع بينهما بأى نسبة. إضافة إلى ذلك، حدد الدستور تحديدا شبه دقيق تركيبة العضوية النوعية والفئوية والعمرية والدينية والصحية وما يتصل بمحل الإقامة، فأشار إلى تمثيل مناسب للمرأة دون التقيد بزمن، وتمثيل ملائم للعمال والفلاحين والمسيحيين والشباب وذوى الإعاقة والمصريين بالخارج مقيد بزمن وهو التمثيل للبرلمان الأول بعد وضع الدستور. وحدد الدستور بشكل هلامى تركيبة العضوية السياسية والإيديولوجية عبر تقرير التعددية الحزبية كحق للمواطنين دون ارتباط ذلك بالضرورة بالشأن البرلماني. وأومأ إلى صفة الاختيار انتخابًا أو تعيينًا، حيث نص على مبدأ تعيين رئيس الدولة 5% من أعضاء المجلس، وفق شروط. كما تطرق إلى شروط تقسيم الدوائر الانتخابية. الكوتات السبع وسياسيًا هناك أمور تفصيلية تتحكم فى تركيبة البرلمان القادم وأدائه فى المستقبل، فهناك تعريف لبعض الفئات وهم العامل والفلاح والشباب وذو الإعاقة والمصرى بالخارج والشباب. وتوزيع للمقاعد وعددها 568 مقعدًا منتخبًا ما بين 448 بالنظام الفردى و120 بنظام القوائم المطلقة. وفى كل مجموعة يحق للمستقلين والحزبيين المشاركة فى الترشيح من خلالهما شرط الإفصاح. وبالنسبة للقوائم هناك صنفان، قائمتان صغيرتان، تشتمل الواحدة 15 مترشحًا. وقائمتان كبيرتان، تشتمل الواحدة 45 مترشحًا. وتتضمن القائمة الصغيرة على 3 من كل من المسيحيين والعمال والشباب، وواحد لكل من المعاقين والمقيمين بالخارج، و7 سيدات من أى من الصفات السابقة أو من خارجهم. وتتضاعف الأرقام الخاصة بالفئات السابقة ثلاث مرات فى القوائم الكبيرة. سياسيًا أيضًا، شكلت الأمور السابقة، نتيجة الكوتات السبع، عائقًا كبيرًا أمام وضع نظام انتخابى يمكن من خلاله تمثيل المجتمع تمثيلا حقيقيًا عبر النظام النسبي. فالنظام الانتخابى المقرر اعتمد على نظام الترشيح الفردى بنسبة 100%. وما كلمة قوائم الموجودة فى قانون مجلس النواب سوى كلمة للتعمية على الواقع العملي. فالقائمة التى تفوز ب 51% من عدد المقاعد ستحصد كل المقاعد، وكأن القائمة هى فرد أو مرشح فاز بنسبة 51%. ويسمى هذا النظام بالقائمة المطلقة، وهو نظام هجرته كافة النظم الانتخابية فى العالم. جدير بالذكر، أن النظام الانتخابى المقر هو نظام يتجاهل 49% من أصوات الناخبين، لأنه يعتمد على الفوز بالأغلبية وإهمال النسبية فى التمثيل. ناهيك عن أنه يعزز الطائفية والمناطقية. إضافة لما يعرف عنه فى الأدبيات أنه نظام يفضى فى النظم البازغة ديمقراطيًا للترويج للعنف والرشاوى الانتخابية والعصبيات القبلية والعائلية. وبالنسبة للأحزاب، سيفضى الأمر بتركيبة العضوية إلى عدم وجود حزب أغلبية. فقط ستتواجد أكثريات محدودة التأثير، ما يشكل تناقضا ليس فقط مع الدستور الذى يعتبر التعددية هى المقوم الرئيس للنظام السياسي، بل وأيضًا مع العملية السياسية برمتها من زاوية كون الأحزاب هى مربط التنمية السياسية، وفى الواقع المصرى لكون الدستور يسمى رئيس الحكومة من خلال حزب أو ائتلاف الأغلبية. ومن ثم، فإن النظام الحالى الذى يعطى للمستقلين الغلبة فى البرلمان سيصًعب إلى حد كبير من اختيار رئيس وزراء حزبي. إذ أن هذا النظام يزيد من ضعف الأحزاب ولربما ينهى وجودها، حيث يجعلها بين شقى الرحى، رحى تجعلها تعانى فى البحث عن مرشحى العائلات والقبائل فى ترشيح ال 448 مقعدًا، لتجذبهم رغم أنهم ليسوا من أعضائها، ورحى استيفاء الكوتات، وكل ما سبق ينذر بانشقاقات كبرى فى البرلمان، والأثر العام هو ضعف العملين التشريعى الرقابي. ارتباطًا بما سبق، يجعل النظام الانتخابى الراهن الوظيفة الرئيسة للأحزاب أن تتحالف رغم أن وظيفتها التى خلقت من أجلها هى أن تتنافس. وقد وصل الأمر إلى أن تدعو الدولة رسميًا لوضع قائمة موحدة، وهو ما يعنى عمليًا إلغاء الانتخابات فى شق القوائم وتحويلها لتعيين 120 عضوًا من أعضاء البرلمان، مما يخلق برلمانا شبه تمريري. تحالفات سائلة إن النظام الانتخابى المقر، أدى بالفعل إلى سيولة فى التحالفات الحزبية إلى الحد الذى جعل الناخب يرى الاشتراكى مع الرأسمالى فى قائمة، والثورى مع فلول مبارك فى قائمة، وربما تنسيق بين أحد من هؤلاء والنور السلفى فى الشق الفردى فى بعض الدوائر، وكل ذلك ينذر بخرائط جديدة وتحالفات غريبة أخرى تحت قبة البرلمان القادم. لكن تبقى ملاحظة مهمة وهى أن تأثير التحالفات الانتخابية الحالية ضعيف على تركيبة العضوية، إذ يرجح أن ينشق كل حزب فازت قائمته ويضم مرشحيه الفائزين فى المقاعد الفردية ويشكلان تكتلا حزبيًا. وربما يحدث خرق للقانون، بجذب مستقلين من القوائم الفائزة ومستقلين كانوا مترشحين على المقاعد الفردية بغرض تكبير حجم التكتل الحزبي. وبالنسبة للتيارات الدينية، فإنها ستسعى دومًا للعودة عبر الفكر السلفى لا الإخوانى للتمثيل فى البرلمان. هنا يشار إلى أن هذا التيار ترشح له 160 مرشحًا فرديًا و60 مرشحا عبر القوائم. أما بشأن الحملة التى يقودها البعض المسماة «لا للأحزاب الدينية» فالأرجح أنها لن تؤثر سلبًا على النور، خاصة وأن الناخب المصرى يميل لانتخاب الفئات المستضعفة، وأن تلك الفئات ستسعى لاستمالة الناخب دينيًا، خاصة مع استشراء ظروف اجتماعية (الأمية- الفقر) تجعل هناك تشدق وولع لنفر من الناخبين بالخطاب الديني. أما بشأن أنصار النظام الأسبق، فقد أثر المناخ الذى أحاط ب3 يوليو2013 والقائم على اعتقاد هؤلاء بأنهم صناع ما حدث هذا اليوم، وكذلك تبرئة القضاء لساحة العشرات من رموز هذا النظام، على رغبة البعض فى العودة مرة أخرى للبرلمان. والأرجح أن هؤلاء سيشكلو أغلبية غير منظمة تحت قبة البرلمان، لا سيما وأن لهؤلاء وجودا قويا فى المحليات، ويطرحون أنفسهم بأنهم «أبناء وأحفاد الدولة» بمعنى أبناء الاتحاد الاشتراكى والحزب الوطنى الديمقراطي.. وينتمى معظم هؤلاء للعائلات والعصبيات والقبائل والجهويات القوية. ومما لا شك فيه أن هؤلاء سيكونون رصيدا كبيرا للذود عن السلطة التنفيذية عامة ورئيس الدولة خاصة فيما يتصل بكل ما هو مطروح أمام البرلمان. كل ما سبق سيفضى إلى أن الأغلبية ستكون لنائب الدائرة وليس لنائب الأمة الذى اختفى كلية، ومن ثم سيؤدى ذلك لاستشراء المصالح الشخصية والجهوية، وستجد مصر ذاتها أمام سلطة تشريعية عبارة عن مجلس محلى كبير، يتلاشى فيه الحديث عن السياسات العامة والخطط والأزمات القومية والفرص الوطنية لصالح بناء مدرسة أو مسجد أو جمعية زراعية أو شق ترعة. تمثيل نسائي أما على الصعيد الاجتماعي، فإن عدد السيدات فى البرلمان القادم سيصل على الأقل إلى 11.7%، حيث سيمثل فى هذا البرلمان 70 سيدة، منهم 14 بالتعيين، وذلك بحكم الدستور والقانون. وربما إذا ما فازت بعض السيدات من خلال المقاعد الفردية فسيزيد عدد السيدات فى البرلمان عن الحد الأقصى الذى وصلوا إليه فى برلمان 2010 وهو 12.7%. وسيؤدى هذا الأمر إذا ما حسن اختيار النوعية (وليس فقط الكم) لطرح قضايا جديدة تتعلق بشئون المرأة والطفل بشكل غير مسبوق. ونتيجة وضع كوتة للشباب، فإن تمثيل الشباب من سن 25-35 سيكون على الأقل بنسبة 2.7% من عدد المنتخبين، وهى نسبة مرجحة للزيادة إذا أضيف لها من هم أدنى من سن 41 عامًا سواء بالانتخاب أو بالتعيين، لكن الأرجح أن العدد الإجمالى للشباب سيكون دون المأمول من برلمان شهد خلال أربعة أعوام سابقة عليه أحداثا جساما قادها الشباب. وبالمقابل فإن شريحة كبار السن خاصة مع وجود النظام الانتخابى الفردى المعتمد بالأساس على الخبرة وعلى أبناء العائلات والتقاليد المتصلة بالسن، ستكون الأكبر. أما نسبة المسيحيين فى هذا البرلمان، فستكون الأعلى منذ ثورة 1952 (4% على الأقل من عدد المنتخبين). ورغم أن تلك النسبة لازالت محدودة، ألا أن تواجد هؤلاء لاسيما مع الاهتمام بحسن اختيارهم من حيث الكيف، سيؤثر إيجابًا على النقاش فى البرلمان فى القضايا المعنية. ونفس ما سبق سيكون بالنسبة لذوى الإعاقة والمصريين فى الخارج، إذا أن تمثيلهم بنسبة 1.4% لكل منهما من المنتخبين سيزيد من فرص طرح قضاياهم فى البرلمان، وسيكون وجودهم إيجابيا إلى حد كبير شرط تواجدهم. وبالنسبة إلى تأثر قانون الانتخاب الذى منع من هم دون التعليم الأساسى من الترشح، لا يبدو أن هذا سيؤثر إيجابًا على تركيبة العضوية من الناحية التعليمية، فقد مثل من هم دون ذلك فى برلمانات 2005 و2010 و2011 بنسبة 5.4% و5.7% و1.8% على الترتيب. منظور جهوي وختامًا، فإن تركيبة العضوية السابقة، فى ظل جدول أعمال متخم بالتشريعات الخطيرة، ستسفر مع خبرة النواب التى ستتسم بالحياد، وربما ستكون خبرة سلبية عن مشكلات كثيرة. خذ مثلا إجبار الدستور على سن تشريع «بناء وترميم الكنائس» فى السنة الأولى من عمر البرلمان، كيف لنواب انتخبوا فى مناخ شحذ طائفى وعصبى أن يسنوا هذا التشريع!! وكيف لهؤلاء المحليين أن يناقشوا الموازنة العامة، ويتعاملوا بإيجابية مع أمور كسد النهضة والاستثمارات الأجنبية والضرائب والفجوة الغذائية وأزمات كل من الطاقة والتعليم والصحة إلا من منظور جهوي، خال من الخيال والرؤية!! وبطبيعة الحال، فإنه فى ظل تلك التركيبة فإن الرقابة البرلمانية ستكون مناطقية ومحلية وخالية من طرح المشكلات المتصلة بالسياسات.