ومازال حديثنا عن تطوير فنادق مصر التاريخية مستمرا .. كنت قد كتبت مقالين متتالين في29 مارس الماضي و5 أبريل الحالي حول هذه القضية, التي أري أنها بمثابة مهمة قومية يجب ألا نتأخر في تنفيذها لمصلحة السياحة والاقتصاد والأجيال القادمة. ومنذ سنوات وأنا أكتب في هذه القضية ومايرتبط بها من قصور مصر التاريخية الرئاسية( عابدين ورأس التين والقبة وغيرها) والقصور الأثرية والقصور التي تحولت إلي فنادق تارخية وناقشت أكثر من مرة كيف يستفيد العالم المتقدم بهذه الثروة خاصة مع الرغبة الجامحة التي تصل إلي ما يمكن ان نسميها الولع أو الهوس والتي تجتاح نخبة من راغبي السياحة الأثرياء في العالم للإقامة في هذه الفنادق أو حتي زيارة القصور بتذاكر مثل قصر باكنجهام في لندن للاستمتاع بكل ماتمثله من قيمة تاريخية أو سياسية أو أثرية أو معمارية أو حتي من باب الفضول في التعرف علي كيف يعيش الأثرياء أو الزعماء أو الملوك والرؤساء. وفي أحد مقالاتي الأخيرة تحدثت عن أن أسعار هذه الفنادق غالية جدا وأن هناك أجنحة تباع بآلاف الدولارات في الليلة الواحدة, ولذلك طالبت بضرورة عودة فندق هليوبوليس بالاس(400 غرفة+55 جناحا) إلي قائمة فنادق الدولة التاريخية التي تمتلكها شركة ايجوث التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما وهو الفندق الذي حوله الرئيس السابق حسني مبارك الي قصر الحكم في عهده, والذي سمي قصر الاتحادية أو رئاسة الجمهورية, مع أن هذا الفندق الذي يتعدي عمره100 سنة كان يوصف بأنه أفخم فنادق العالم وكانت الإقامة فيه حلم أثرياء العالم في ضاحية مصر الجديدة.. والصورة المنشورة مع هذا المقال لاعلان في الصحف الانجليزية تؤكد ذلك وتتحدث عن انه كان افخم فندق في العالم؟ فكيف نهدر كل هذه الثروة الفندقية. ان علينا ألا ننتظر حتي يأتي الرئيس الجديد المنتظر لمصر ويجعله قصرا للحكم مرة أخري.. ولذلك نطالب بإعادة هذا الفندق إلي قائمة فنادق مصر التاريخية والبدء في تطويره فورا. ولعل مايدفعنا الي تكرار الحديث هذا الأسبوع بعد المقالين المشار اليهما في مقدمة هذا المقال هو ما أقرأه بشكل مستمر وأتابعه في عالم السياحة والفنادق بالعالم من الشغف أو الهوس بتطوير الفنادق التاريخية لأن الطلب عليها كبير من أثرياء العالم. ومن بين ما قرأته عن فرنسا الدولة السياحية الأولي في العالم انه في إطار إهتمامها بالفنادق التاريخية وتسويقها كعنصر جذب سياحي كانت قد شكلت لجنة العام الماضي من كبار الخبراء, واختارت8 فنادق تاريخية ومنحتها مرتبة أو درجة قصر وهي درجة المقصود بها أنها أعلي من فئة5 نجوم في التصنيف العالمي المعروف لمستويات الفنادق, وذلك بعد ما لاحظ الفرنسيون الاهتمام أو الولع من الأثرياء في العالم بالاقامة في هذه الفنادق. وهذه الفنادق القصر هي: بريستول وموريس وبارك حياة فاندوم وفندق القصر بمدينة بياريتز وليزريل وشوفان بلان بمنطقة التزلج كورشوفيل علي الحدود السويسرية وجراند اوتيل في منتجع كاب فيرا علي شاطئ المتوسط. وآخر ماقرأته منذ أيام هو مانشرته صحيفة الشرق الأوسط في تقرير لها من باريس عن تطوير فندق ريتز باريس وهو الفندق الذي شهد العشاء الأخير للأميرة الانجليزية ديانا وصديقها المصري عماد الفايد نجل رجل الأعمال المصري محمد الفايد, مالك الفندق, يقول هذا التقرير ان مجموعة بويج الفرنسية للإنشاءات قد فازت بعقد ترميم فندق ريتز الفخم في باريس حسبما جاء في بيان أصدرته إحدي شركات المجموعة أمس. وأضاف البيان أن أكثر من600 متعاون سيعملون في المشروع الذي تبلغ تكلفته140 مليون يورو, أي( مليار و200 مليون جنيه مصري) بالاستعانة بأهم المتخصصين في ميادين البناء والتأثيث بكل متطلباتها. وأن الفندق الذي يضم حاليا159 غرفة وجناحا ويطل علي ساحة فاندوم الراقية وسط العاصمة الفرنسية, رأي النور عام1898 علي يد السويسري سيزار ريتز ووضعت القيادة النازية يدها علي الفندق, أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية. واكتسب الفندق شهرة عالمية بفضل إقامة كبار زوار باريس من السياسيين والفنانين فيه. ومازالت أجنحته وأبهاؤه تحمل أسماء النجوم الذين مروا بها أمثال مصممة الأزياء الآنسة كوكو شانيل التي سكنت الفندق حتي وفاتها أو الكاتب الأمريكي إرنست همنجواي الذي جعل من حانة ريتز عنوانا له. وإثر وفاة شارل ريتز ابن مؤسس الفندق باعه الورثة إلي رجل الأعمال المصري محمد الفايد عام1976 وبرز الفندق تحت أضواء وسائل الإعلام العالمية بعد أن أمضت فيه ديانا سبنسر طليقة ولي العهد البريطاني وصديقها عماد الفايد نجل مالك المكان ساعاتهما الأخيرة قبل حادث السيارة الذي أودي بهما في باريس في صيف.1997 وكانت إدارة ريتز قد أعلنت أنه لن يستقبل النزلاء في صيف العام الحالي لأنه سيغلق للتطوير لمدة27 شهرا, ويعود آخر ترميم للفندق إلي ماقبل30 سنة, وهو واحد من بضعة فنادق باريسية من فئة5 نجوم, لكنه رغم فخامته وعراقة تاريخه لم يحصل علي تصنيف قصر, وهي تسمية تعتمد للمرة الأولي في فرنسا منذ العام الماضي. يشرف علي أعمال التجديد المهندس ديدييه بوتون وخبير الديكور تييري ديبون, وحسب الخرائط الجديدة فإن من المقرر بناء مطعم صيفي تحت قبة زجاجية متحركة ورفع عدد الأجنحة الخاصة وتوسيع قاعة الرقص والحفلات وتزويدها بأحدث التقنيات وسبق لمجموعة بويج أن تولت تجديد عدة فنادق فخمة في العاصمة الفرنسية مثل جورج الخامس وإنتركونتننتال ورويال مانصو ومقهي فوكيتس. وهكذا سيتم إغلاق الفندق الشهير لمدة عامين ونصف العام تقريبا للتطوير والتجديد.. الأغرب أنني كنت قد قرأت قبل ذلك ان فندق ال كريون الشهير في باريس سيتم إغلاقه لمدة عامين للتطوير ايضا, وإن الإغلاق سيتم قبل نهاية العام الحالي وأن تكلفة التطوير ستبلغ نحو100 مليون يورو(800 مليون جنيه مصري) وأن هذا الفندق الذي يطل علي ميدان الكونكورد الشهير الذي تتوسطه المسلة الفرعونية المصرية هو فندق تاريخي, به147 غرفة, ويرجع افتتاحه إلي عام1907, ومن اشهر فنادق فرنسا وأقام فيه الكثير من ملوك ورؤساء ونجوم العالم, ويقال ايضا أن احد المستثمرين العرب هو الذي يمتلك هذا الفندق. أرأيتم حجم المبالغ التي يتم إنفاقها علي تطوير الفنادق التاريخية.. مليارات الجنيهات أو ملايين الدولارات, ولا يتصور أحد أن ذلك في باريس فقط, بل هو في كل الدول أو المدن الكبري في العالم, فالكل يسعي لجذب هذه السياحة الغنية التي يدفع اصحابها من أثرياء العالم مبالغ ضخمة للإقامة في هذه الفنادق في إطار الحنين إلي الماضي وإلي التاريخ. والحقيقة ان مصر ليست بعيدة عن هذا الاتجاه, وهي بالفعل بدأت خطة أو برنامجا لتطوير الفنادق التاريخية في السنوات الاخيرة من خلال قيادات وخبراء في الشركة القابضة للسياحة والفنادق وشركة أيجوث التابعة لها لهم كل التقدير وماحدث من تطوير لفندق كتراكت أسوان وماريوت القاهرة ويحدث في اوبروي بالهرم وونتر بالاس بالأقصر يؤكد ذلك.. لكن الأمر لا يسلم من بعض الذين يخرجون علينا خاصة بعد ثورة25 يناير من وقت إلي آخر ويقولون لماذا الإنفاق علي تطوير هذه الفنادق, وكانهم في عالم غير العالم الذي نتحدث عنه.. مع ان المبالغ التي يتم إنفاقها لا تقارن بما ينفقه العالم, ومع أن العائد واضح لدي الجميع, والفندق الذي يتم تطويره تباع الغرفة ربما بأكثر من ضعف سعر بيعها قبل التطوير, والسائح يدفع فيها مانريده بعد تزويدها وتحديثها بكل الخدمات. إن ما كتبناه اليوم عن اختراع فرنسا لدرجة فندقية تسمي القصر تمنح لبعض الفنادق التاريخية, وكذلك تطوير الفرنسيين للفنادق التاريخية مثل ريتز باريس وكريون وحشد أكبر الخبراء وكل التخصصات وآخر ماوصل اليه العلم والتكنولوجيا في التطوير يجعلنا نتعجب من بعض المصريين الذين يترددون في تطوير فنادق مصر التاريخية أو لا يتحمسون أو ينادون بعدم التطوير وعدم الإنفاق. إننا نري ان في ذلك جريمة أو علي الاقل سوء إدارة وتفريطا وتقصيرا في حق الاجيال القادمة وفي حق السياحة والاقتصاد وتوفير فرص عمل لأبناء مصر.. وليكن لنا بما تفعله فرنسا بفنادقها التاريخية آية. لقد كان الأولي بعد ثورة25 يناير ان نحاسب من يهمل في تطوير تراث مصر وفنادقها التاريخية ونعتبر ذلك جريمة.. لا أن يطالب البعض من باب ضيق الأفق بعدم التطوير وضرورة التوفير.. وعجبي!! [email protected]