لا تبنى الأوطان بالكلمات والشعارات، لكنها تبنى بالحب الكبير، المقترن بالعمل الكثير.وفى هذه الأيام أتذكر الأب، والأستاذ، والعالم «الدكتور حسن الساعاتى» (30 سبتمبر 1916 30 سبتمبر 1997) الذى يفرض نفسه كعالم مصرى رائد، عمل على تطوير علم الاجتماعى فى مصر، فأخرجه من النطاق التقليدى، إلى النطاق الميدانى والتنموى. كان «الساعاتى»، أول من قام ببحث ميدانى، يجرى على أرض مصر، وعلى مواطنين مصريين، أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه، التى حصل عليها من جامعة لندن سنة 1946، وموضوعها، جناح الأحداث، وأطفال الشوارع فى مصر. وبذلك أرسى أول لبنة للبحث العلمى الاجتماعى فى مصر فى موضوع جديد، وجرئ، مازال يبحث حتى الآن فى علم الاجتماع كما أنه يشغل مكانا، وأهمية، فى الأفلام، والدراما المصرية التى تعكس كثيرا من أوجه الواقع المعاش، لقد جمع عالمنا الجليل، بين الجوانب النظرية، والجوانب العلمية التطبيقية، إيمانا من جانبه، بالأساس النظرى للمشكلات الاجتماعية، بالاضافة الى اعتقاده، بأن الفكر لا يعد فكرا دقيقا متكاملا إلا إذا تحول إلى عمل وسلوك. أما جهوده الأخرى فى بناء مصر، فقد تميزت أيضا، بالأصالة والجدة، والجرأة فى اقتحام الموضوعات التنموية، الاجتماعية، و،النفسية الاجتماعية، مثل مشكلة البناء فى الاقليم الجنوبى (مصر) سنة 1959 وتعاطى الحشيش كمشكلة اجتماعية سنة 1963، والمسح الاجتماعى لحى الباطنية، وكان الهدف منه مكافحة تجارة المخدرات، ولا يعرف الكثير من المتخصصين فى علم الاجتماع وعلم النفس، تدرج الساعاتى، فى وظائف السلك الجامعى، فكان أستاذ كرسي علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس، ووكيلا للكلية، وعميدا لها من عام (1964 1968)، وعميدا لكلية الآداب جامعة بيروت العربية لمدة خمس سنوات (من عام 19968 حتى عام 1973)، ورئيسا لقسم الاجتماع، بكلية الآداب جامعة عين شمس، منذ عودته من بيروت وحتى عام 1977، ولم تنقطع صلته بالكلية، وريادته العلمية إذ إنه حتى رحيله، كان يعمل أستاذا متفرغا بقسم الاجتماع جامعة عين شمس. وبعد اشتغاله بعلم الاجتماع، قرابة نصف القرن، أكد العالم الجليل وأستاذنا الدكتور حسن الساعاتى، أن عمل أستاذ الجامعة، لابد أن يتخطى أسوار الجامعة، وقاعات الدر س الأكاديمى، لتكون له بصمات هامة، وواضحة فى المجتمع، وكان يؤمن بأن من واجبه نحو مجتمعه، الاسهام فى تقدمه ورقيه، ولعل هذا يعد من أبلغ صور المواطنة، ومعانيها. ولم يكن نشاط الأستاذ الدكتور «حسن الساعاتى» بالنسبة لجامعة الاسكندرية، وجامعة عين شمس، والجامعة الأمريكية، أقل أهمية من نشاطه بجامعة حلوان، وجامعة القاهرة. لقد شارك بالتدريس فى جامعة الاسكندرية، وأسهم فى تطوير خطة الدراسة، بمعهد العلوم الاجتماعية بها. لقد اهتم خلال تدريسه بمعهد العلوم الاجتماعية بالاسكندرية (التابع للجامعة نفسها) بتوجيه طلابه إلى بحث الظواهر الاجتماعية بطريقة المسح الاجتماعى، واستخدام الأسلوب الكمى. فالنتائج لابد أن تكون مترتبة على أسباب محددة، ووجود علاقات ضرورية بين الأسباب والمسببات، ومما يدلنا على ذلك، اهتمامه بتدريس منهج البحث الاجتماعى، وطرائقه، ووسائله، والهدف من ذلك تعليم الطلاب، اجراء البحوث الاجتماعية، بالعمل الميدانى، وهذا يعد تدعيما للمنهج (الامبريقى) فى البحث الاجتماعى وهو المنهج الذى يؤمن به أستاذنا الكبير الدكتور حسن الساعاتى وقد اتضح غاية الوضوح فى قيامه ببحث ميدانى، يعد الأول من نوعه فى ميدان علم الاجتماع الصناعى، والعمالى، وعلم الاجتماع الحضرى، وعنوان هذا البحث الذى نشر 1958 بالعربية، والانجليزية معا بعنوان التصنيع والعمران: بحث ميدانى للاسكندرية وعمالها». أما بالنسبة لجامعة عين شمس، والتى عمل بها الرائد والمعلم، الدكتور حسن الساعاتى، فترة طويلة من حياته، فقد أسهم فى مجال الدراسات الاجتماعية والنفسية بها اسهامات كبيرة، فهل يمكن أن ننسى قيامه بتطوير خطة الدراسة فى قسم علم النفس، والاجتماع منذ عام 1959، وإنشاء دبلوم فى علم الاجتماع الجنائى وإشرافه على اجراء المسح الاجتماعى لقسم باب الشعرية فى صيف سنة 1960 وذلك تلبية لطلب من الاتحاد القومى آنذاك، الى جامعة عين شمس لتحديد اشد شياخات القسم حاجة الى التنمية لعلاج مشكلاتها، وقد كتب بنفسه التقرير العلمى لهذا المسح، وقامت الجامعة بنشره فى العام نفسه. وقد عمل الاستاذ الدكتور «حسن الساعاتى» كاستاذ زائر، بالعديد من الجامعات العربية والأجنبية، ومن بينها جامعة الإمام محمد بن سعود، الاسلامية، وجامعة أثينا، وجامعة لوفان، وغيرها من الجامعات العريقة العربية، وغير العربية، التى كانت حريصة على الاستفادة من علم الرائد الكبير وخبرته، وريادته. تلك هى بعض من فيض اسهامات أستاذنا الدكتور «حسن الساعاتى» نسوقها، حتى يتعرف شبابنا على معنى القدرة وخطورة الكلمة وقيمة الأستاذية الحقة ومسئوليتها، وجوهر الريادة بأحلى معانيها. هذا هو العالم والأستاذ والرائد، الاستاذ الدكتور «حسن الساعاتى»، الذى عشق مصر، وأسهم فى بنائها من زاوية اختصاصه، وأعطاها من فكره، وقلبه الكثير، فأعطته مصر التقدير والخلود. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى