يظل إطلاق برنامج الرئاسة للقيادات الشبابية، خطوة مهمة لتأكيد «نوايا» الرئاسة فى التعامل مع فئات متعددة من الشباب فى مصر، والتى لم تحصد بعد ثمار التغيير الذى أحدثته ثورتا 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، ولايزال مستقبل دورها فى بناء النظام الجديد ضبابيا، ليس بسبب عدم وجود مكان لها، حيث يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تصريحات متعددة أن الشباب هم مستقبل مصر، ولكن بسبب غياب القدرة على توظيف قدرات هذا الشباب والاقتراب منه. برامج مماثلة وتكشف المقارنة الأولية لبرنامج الرئاسة للقيادات ببرامج مماثلة طورتها دول أخرى سبقتنا فى هذا المجال من أجل إعداد القيادات الشبابية، مثل الإماراتوماليزيا والولايات المتحدة، عن تفرد هذا البرنامج، من حيث بداية ارتباطه بمؤسسة الرئاسة، رغم كونه كما يشير لذلك الموقع الرسمى له، «كيان مستقل»، ومن حيث طول مدة البرنامج التى تصل وفق ما تم الإعلان عنه إلى 8 أشهر، ومن حيث اتساع حجم الفئة العمرية المستهدفة، وكذلك من حيث اعتماده فى تمويله على تبرعات صندوق تحيا مصر. وهذه الملاحظات الشكلية، لا تقلل من أهمية التقييم الموضوعى لبرنامج الرئاسة، بالمقارنة بالبرامج التى طبقتها الدول الأخرى، ليس بهدف التقليل من قيمة البرنامج المصري، حيث يظل أهم مبادرة أطلقت فى هذا السياق منذ العام 2011، ويحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى تبنيها، ولكن بهدف التنبه لبعض القضايا التى تحتاج لمعالجة خلال فترة التنفيذ التجريبى للبرنامج. ويمكن فى هذا الإطار رصد عدد من الملاحظات، تنصرف الملاحظة الأولى إلى القائمين على تنفيذ هذا البرنامج، فتبنى الرئاسة لهذا البرنامج يعد مؤشرا مهما على اهتمام الرئيس به، وكذلك رئاسة الوزراء من حيث قدرتها على تنسيق تعاون الوزارات المختلفة مع هذا البرنامج، ووزارة التخطيط إلى جانب وزارة الخارجية التى أضيفت مؤخرا كشريك فى البرنامج، وهو أمر موجود فى دول أخرى، ومن ذلك برنامج قيادات حكومة الإمارات الذى يتبع رئاسة مجلس الوزراء فى الإمارات، وبرنامج القيادات الشبابية الذى تنفذه وزارة الخارجية الأمريكية. الشركاء الغائبون ولكن اللافت للانتباه هو وجود وزارة الدفاع كشريك فى هذا البرنامج كما هو مذكور فى الموقع الرسمى له، وهو أمر يثير تساؤلا حول الشركاء الغائبين، وتحديدا وزارة الشباب والرياضة رغم أنها المعنية بموضوع هذا البرنامج أكثر من غيرها من الوزارات، كما يطرح تساؤلا حول ما إذا كان وجود دور لوزارة الدفاع يعنى أن يتم التعامل مع البرنامج كمكمل للجهود التى تبذلها أكاديمية ناصر العسكرية فى مجال توعية الشباب بالأمن القومى والمفاهيم الإستراتيجية، وفق برامج تثقيفية محددة؟. وتتعلق الملاحظة الثانية بالهدف من البرنامج، فهذا النوع من البرامج كما تكشف عن ذلك خبرات الدول الأخرى، يسعى لإعداد قيادات من نوع معين فى مجال معين، ويتم بناء على ذلك تطوير برامج تنفيذية تعزز مهارات قيادية محددة وكذلك تحديد القطاع المستهدف من الشباب، فعلى سبيل المثال، البرنامج الخاص بالإمارات السابق ذكره، يحوى أربعة برامج فرعية يهدف أحدها إلى تنمية مهارات القيادة فى الشباب المنظم حديثا للعمل فى القطاع الحكومي، والآخر إلى تمكينهم من الالتحاق بوظائف قيادية فى المنظمات الإقليمية والدولية، ويتم استهدف شباب الموظفين الحكوميين فى الفئة العمرية 22-28 سنة مع اشتراط وجود خبرة عمل تتراوح بين 3-5 سنوات. وكذلك يهدف برنامج القيادات الشبابية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية إلى تعزيز ثقافة قبول المختلف ثقافيا ودينيا وتعزيز قيم التعايش المشترك فى شخصية القيادات الشبابية الأمريكية، ويتم استهداف الفئة العمرية 14-17 سنة. أهداف عامة وفى حالة البرنامج المصرى، تمت صياغة أهداف عامة، من قبيل كما هو مذكور على موقع البرنامج «إنشاء قاعدة قوية وغنية من الكفاءات الشبابية تكون مؤهلة للعمل السياسى والإدارى والمجتمعى»، ويستهدف الفئة العمرية من 20-30 سنة، وهو ما سيعنى بالضرورة تدريب قطاعات مختلفة من الشباب وإكسابهم مهارات محددة، دون أن تكون هناك مجالات تستوعبهم بعد اكتساب هذه المهارات، سواء فى المجال السياسى، حيث لا يوجد حزب سياسى نجح فى استقطاب القطاعات العريضة من الشباب فى عضويته طوال السنوات التالية على 2011، بما فى ذلك حزب «مستقبل وطن» الذى يقدم نفسه على أنه حزب الشباب، فضلا عن غياب حزب سياسى يدعم الرئيس السيسى، بحيث يجمع كل قطاعات الشباب المؤيدة له. وهذا الوضع ينطبق على مسألة تأهيل الشباب للعمل الإدارى، حيث يشير الموقع الرسمى للبرنامج، إلى أن «المواهب المميزة» و«المواهب الواعدة» ستحصل على وظائف قيادية مع كبار المسئولين، وفى الوزارات والمحافظات على التوالي، وهذا التصور يطرح تساؤلات حول اتساقه مع حقيقة تضخم الجهاز الإدارى فى الدولة ووجود مناقشات خاصة بتقليص حجمه، وهو ما سيخلق أزمة حقيقية للنظام، فارتفاع التوقعات دون أن يصاحب ذلك تعدد الفرص يخلق حالة من عدم الرضا الذى من الممكن أن يتم توظيفه على نحو يخل باستقرار وشرعية النظام. وهذا الوضع لا نجده فى البرامج المنفذة فى الدول المذكورة أعلاه، فنظرا لكون الهدف محددا وواضحا، فإن كل من يتم تدريبه يجد سياقا يسمح له بتوظيف مهاراته القيادية المكتسبة. إلى جانب ذلك، لم يدرج هذا البرنامج فى رؤية مصر 2030 التى عكفت وزارة التخطيط على إعدادها منذ يناير 2014، وتطرحها حاليا للحوار تمهيدا لإقرار الرئيس لها، وهو ما يطرح تساؤلات حقيقية تستدعى من مؤسسة الرئاسة وضعها فى الاعتبار لها علاقة بمكان هذا البرنامج فى الاستراتيحية المتعلقة بمستقبل مصر، وكذلك بمدى ارتباط القائمين عليه بتفاصيل المجتمع المصري، وما مر به من تحولات طوال السنوات الخمس الماضية. برنامج ممتد وتنصرف الملاحظة الثالثة، إلى طبيعة البرنامج من حيث كونه برنامجا ممتدا على مدى ثمانية أشهر، كما هو معلن على الموقع الرسمي، وهى تتضمن انقطاعا مكثفا لمدة 26 أسبوعا يتلقى فيها المتدربون محاضرات فى مجالات متعددة، إلى جانب فترات زمنية مخصصة للجولات التثقيفية، وهى مدة طويلة مقارنة بخبرات الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال، مدة البرنامج الخاص بأكاديمية القيادات الشبابية فى ماليزيا التى تنفذها إحدى شركات القطاع الخاص بالتعاون مع الجامعات الماليزية لا تتعدى السنة، وتتقاطع مع السنوات الدراسية للطلبة فى الجامعات الماليزية، حيث من شروط هذا البرنامج أن يكون مدرجا فى برامج التعليم الجامعى الأساسي، فى حين تتراوح مدته فى حالة البرنامج الأمريكى المشار إليه بين 3 و4 أسابيع، وفى حالة برنامج الإمارات فإنه ينفذ على فترات زمنية متقطعة طوال المدة الخاصة بكل برنامج فرعي، دون أن يحول انضمام المتدرب إليه قيامه بعمله الأصلي. إلى جانب ذلك، فإن الفئة العمرية التى يستهدفها هذا البرنامج وهى تقع بين 20 و30، تتقاطع مع الفئة العمرية المطلوبة للتجنيد فى الجيش، وكذلك مع الفئة العمرية المطالبة بتنفيذ الخدمة العامة كما أعلنت عنها وزارة التضامن الاجتماعى منذ أيام، ومن غير الواضح ما إذا كانت ستحل محل تأدية الخدمة العسكرية بالنسبة لحملة الشهادات الجامعية أم لا، ومحل الخدمة العامة. بالإضافة إلى ذلك، يتعارض تعريف سن الشباب الذى يبنى عليه هذا البرنامج مع الحد الأقصى لسن الشباب المنصوص عليه فى الدستور المصرى مادة 180 من حيث كونه يقع بين سن 21 و35 سنة، وقانون مجلس النواب الذى نص على أن سن الشباب يتراوح بين 25 و35 سنة، حيث اعتمد البرنامج سن أصغر من الحد الأقصى لسن الشباب المعتمد فى الدستور والقانون. توجهات الشباب وتنصرف الملاحظة الرابعة إلى الكيفية التى تم بها تطوير هذا البرنامج، من حيث محتواه والهدف الذى يسعى لتحقيقه، حيث إن هناك مشكلة حقيقية تتعلق بأنه يقوم على تصور أن ما يريده الشباب هو إكسابهم مهارات قيادية من أجل العمل فى القطاع الحكومى كما هو مذكور فى الرؤية الخاصة بالبرنامج، فى حين أن إطلاق هذا النوع من البرامج، يرتبط عادة بعمل دراسة مبدئية لتوجهات الشباب المصرى فى الفئة العمرية المستهدفة من أجل تحديد ما يتطلع إليه الشباب بخصوص أدوارهم القيادية فى مصر خلال الفترة المقبلة. التفكير المستقبلي من المهم التعامل مع التنفيذ الأولى لهذا البرنامج على أنه تنفيذ «تجريبي»، بمعنى أنه يخضع لعملية تقييم منتظمة ومستمرة، يكون الهدف منها اختيار أفضل طريقة لاختيار العينة من الشباب التى سيتم تدريبها فى هذا البرنامج، ويمكن فى هذا الإطار التفكير فى طلب ترشيح فئات محددة من الشباب من جهات معنية بالعمل الشبابى مثل وزارة الشباب، وأيضا النظر فى رفع الحد الأقصى لسن الشباب ليتسق مع الحد المنصوص عليه فى الدستور والقانون. وكذلك يرتبط بعملية التقييم، ضرورة تطوير برامج فرعية فى داخل هذا البرنامج تتناسب مع الفئات الشبابية المختلفة التى سيتم اختيارها، فما يحتاجه الشباب الذى يمارس وظيفة ما فى الجهاز الإدارى للدولة من تدريب لتنمية مهاراته القيادية يختلف عما يحتاجه الشاب حديث التخرج والذى لم يعمل بعد. ويظل الأهم من ذلك، هو مسار القيادات الشبابية بعد إنهائها هذا البرنامج والتى لا تمارس عملا فى القطاع الرسمي، وهو ما يحتاج إعادة تقييم حقيقية، فالتعامل مع مؤسسات الدولة على أنها «المدرب» و«المشغل» يضع على كاهل الدولة الكثير من الأعباء.