تنتهى اليوم المهلة التى حددتها الأممالمتحدة ولا يبدو فى الأفق أن أطراف الأزمة الليبية سيتوصلون إلى اتفاق ينهى معاناة الشعب من انعدام الأمن وتوقف الخدمات الأساسية خاصةً الصحية منها وينقذ ليبيا من مصير لن يقل سوءاً عن مصير العراق وسوريا اللتين سيطرت الجماعات المتطرفة والإرهابية على مساحات شاسعة منهما وأقامت عليها ما سمّتها إمارة إسلامية تطبِّق فيها تفسيرها المشوَّه لأحكام الشريعة. أغلب الظن أن أطراف الأزمة،خاصةً المؤتمر الوطنى (البرلمان المنتهية ولايته) لن يصغوا إلى تحذيرات المبعوث الدولى برناردينو ليون من عواقب الوضع المقلق أمنياً واقتصادياً أو قوله إن جولة المباحثات الحالية فى المغرب ستكون الأخيرة والحاسمة أو مطالبته بالإسراع بالتوصل إلى اتفاق يُخرج البلد من أزمته لأنه مازالت هناك خلافات أساسية بين المؤتمر وبين برلمان طبرق المعترف به دولياً.وحتى لو حدثت معجزة وتم إبرام اتفاق نهائى فقد لا يجد طريقه للتنفيذ لتعدد الجماعات المسلحة والمتطرفة الرافضة للطرفين معاً والساعية لإقامة نظامها الخاص فى الحكم،ومع ذلك ينتظر الشعب الليبى المغلوب على أمره بلهفة قُبلة الحياة التى تعيد إليه روحه التى حطمتها الحرب. صحيح أن المفاوضات قطعت شوطاً كبيراً وأفادت أنباء بأنه تم الاتفاق بين برلمانى طبرق وطرابلس على ثمان من النقاط التسع المختلف عليها وأن ليون قال إن المشاركين فى الحوار توصلوا إلى نقطة إجماع إلاّ أن إصرار برلمان طرابلس وحلفائه على أن يكون للمجلس الأعلى للدولة المقترح سلطات تشريعية،حيث معظم أعضائه من الموالين له،تكون خصماً من سلطات البرلمان الشرعى يبقى مع مطالب أخرى مثل إبعاد اللواء خليفة حفتر قائد القوات الحكومية عقبة كئوداً فى طريق الحل.وقد أعلن البرلمان الشرعى بالفعل رفضه التعديلات التى أجراها ليون على الاتفاق بطلب من البرلمان غير المعترف به ومن بينها إدراج حكم المحكمة الدستورية ببطلان الانتخابات البرلمانية التى أتت به إلى السلطة ضمن بنود الاتفاق.كما لا يُنتظر أن يوافق برلمان طرابلس على إصرار برلمان طبرق على أن يكون رئيس الحكومة الانتقالية ونائبه الأول من ترشيحاته هو.وهناك مطالب أخرى أعلنها رئيس البرلمان الشرعى عقيلة صالح حيث طالب المبعوث الدولى بتعهدات مكتوبة بعدم تعديل الاتفاق الذى وقّع عليه وفده وشخصيات مستقلة وممثلو بلديات يوم 11 يوليو الماضى وألاّ تتعارض ملاحقه مع مضمونه وأن يصدِّق عليها برلمانه وحده.أما رئيس الفريق المفاوض للمؤتمر فصرّح بأن فريقه سيحضر النقاش حول آلية اختيار رئيس الحكومة ولم يشر إلى ما إذا كان سيوقِّع على الاتفاق أم لا. المشهد على الساحة الليبية لا يبشر بخير لا سياسياً ولا أمنياً وليس قول المبعوث الدولى إن أطراف التفاوض وضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار سوى محاولة لدفعهم للاتفاق ولرفع الروح المعنوية لأبناء الشعب المُحبَطين. فالخلافات مازالت قائمة، وإن تقلّصت، وحتى لو اتفقوا فلا بد أن يتضمن الاتفاق نقاطاً لا يرضى عنها هذا الطرف أو ذاك وسيحاولون الالتفاف عليها عند تنفيذها. أما ميدانياً فلن تُسلِّم أية جماعة مسلحة أسلحتها أو تنسحب من مواقعها قبل قبض الثمن سياسياً ومالياً، وحتى لو امتثلت جماعات موالية للبرلمانين سترفض جماعات أخرى مثل داعش والقاعدة وأنصار الشريعة لأن هدفها إقامة نظام حكم ينفِّذ تصورها المتشدد لأحكام الشريعة فى إطار إمارة إسلامية. وهناك جماعات مسلحة أخرى مثل مصراتة والزنتان والطوارق والتُبُّو تريد الاحتفاظ بأسلحتها لدواع خاصة بأمن قبائلها وحفظ مصالحها والدفاع عن الأرض التى تقيم عليها منذ عشرات السنين. وإذا استمر الخلاف فمن غير المستبعد أن يسارع كل واحد من هؤلاء لإقامة دويلته الخاصة فوق منطقة نفوذه لتتفتت ليبيا ليس فقط إلى أقاليمها الثلاثة المعروفة تاريخياً (برقة وطرابلس وفزّان) بل إلى دويلات متعددة.فإن كانت حكومة طبرق الشرعية تسيطر على القطاع الشرقى باستثناء مناطق فى بنغازى وأجدابيا ودرنه فإن جماعة فجر ليبيا الداعمة للبرلمان والحكومة غير المعترف بهما تسيطر على جزء من بنغازى والمنطقة الممتدة من سدرة فى الشمال الأوسط إلى زوّارة فى الشمال الغربى وحتى سبها فى الجنوب الأوسط، أى معظم إقليمى طرابلس وفزان.وتهيمن أنصار الشريعة على جزء من كل من بنغازى وسرت ويسيطر حلفاء داعش على أجزاء من درنه وسرت وبنغازى والنوفلية فى الشمال الأوسط. أما الطوارق فيهيمنون على المنطقة الجنوبيةالغربية على الحدود مع الجزائر والنيجر وتسيطر ميليشيا التبو على جنوب شرق إقليم فزان. فماذا ستفعل الحكومة الانتقالية حتى لو نجحت المفاوضات فى تشكيلها ضد كل هؤلاء؟. إذا صح ما ذُكر عن أن الولاياتالمتحدة تعمل مع حلفائها الأوروبيين لتجهيز قوة عسكرية تتولى بموافقة من مجلس الأمن إعادة الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة المنهارة وتدريب قوات الأمن فيمكن أن تساعد على الأقل فى وقف تمدد الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة فى الصحراء الليبية المترامية الأطراف.لكن ذلك مرهون باتفاق الأطراف المتصارعة على الحكومة الانتقالية وتنظيم السلطة التشريعية وعلى ترتيبات أمنية تنفذها بحسن نية ولا تترك فرصة للجماعات المتطرفة لإفساد المشهد. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى