صحوة شعبية فجرتها شعوب أمريكا اللاتينية فى الفترة الأخيرة ضد الفساد الذى أصبح عُرفا سائدا فى القارة الجنوبية وأحد أبرز أسباب فقر سكانها فبعد سلسلة من الفضائح المالية التى أحدث هزات سياسية كبيرة للأحزاب الحاكمة فى كل من البرازيل وفنزويلا والمكسيك، جاء الدور على جواتيمالا لتقول "لا" للفساد الحكومى حتى ولو طال الأمر أعلى رأس فى الدولة وهو الرئيس. فقد نجح الشعب الجواتيمالى بعد سبعة أشهر من الاحتجاجات السلمية العارمة، فى الإطاحة بالرئيس أوتو بيريز وإيداعه السجن بعد أن رفع البرلمان الحصانة عنه تمهيدا للتحقيق معه فى اتهامات بتورطه هو ونائبته روكسانا بالديني، فى شبكة فساد كبرى تلقت رشاوى بملايين الدولارات مقابل السماح لمستوردين كبار فى البلاد بالتهرب من دفع الرسوم الجمركية. ويتهم الادعاء الجواتيمالى ولجنة بالأمم المتحدة بيريز – 64 عاما - بتزعم تلك الشبكة والحصول على 3،7 ملايين دولار من جرائم التحايل الجمركي. ورغم مقاومته لتلك الاتهامات فى البداية وإعلانه تمسكه بمنصبه، فإن بيريز لم يستطع مواصلة عناده أمام الغضب الشعبى العارم، وقدم استقالته فى الثانى من سبتمبر الجارى قبل أيام قليلة من انتهاء فترته الرئاسية وبدء انتخابات جديدة. ورغم حالة الغليان السياسى التى أعقبت استقالة بيريز وفراغ منصب الرئيس، لم تتمكن الفوضى من البلاد، بل تم إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة فى موعدها دون أعمال عنف أو شغب، وكأن قضية بيريز صفحة وانطوت. وتولدت آمال الشعب فى فتح صفحة جديدة فى تاريخ البلاد يكون عنوانها انتهاء الفساد وإعلاء سيادة القانون وهيبته. واصطف ملايين المواطنين أمام صناديق الاقتراع التى أسفرت نتائجها عن تقدم كبير ل الممثل الكوميدى - 46 عاما - الذى يخوض عالم السياسة لأول مرة، فى تصويت اعتبره مراقبون تصويتا “عقابيا” للنخب السياسية التى فقدت مصداقيتها لدى الشعب. وحصل موراليس علي24٪ من الأصوات، وهذا أقل بكثير من تجاوز نسبة ال50٪ المطلوبة لحسم الانتخابات، مما سيضطره لخوض جولة إعادة فى 25 أكتوبر المقبل مع الحاصل على المركز الثانى فى الانتخابات. ويتوقع محللون فوز موراليس فى الجولة الثانية نظرا لتقدمه بفارق مريح على أقرب منافسيه خلال الجولة الأولي، وهما ساندرا توريس الزوجة السابقة للرئيس السابق ألفارو كولوم، ورجل الأعمال المحافظ مانويل بالديزون. وكان شعار موراليس فى الانتخابات “لست فاسدا ولست لصا”, وتعهد فور إعلان فوزه بمعظم الأصوات، بحكومة تتسم بالشفافية بعد أن فاض الكيل بالمواطنين من الفساد، على حد تعبيره، ووسط آمال بأن يجلب موراليس “الكوميدي” الابتسامة لوجوه الشعب الجواتيمالى فى الحياة الواقعية وليس فقط من خلال شاشات التليفزيون التى كان يطل منها على المشاهدين. وفى النهاية، فإن جواتيمالا ضربت مثلا لباقى دول أمريكا اللاتينية فى القضاء على ثقافة الخوف والصمت التى تعد أحد أهم أسباب استيطان الفساد وتوغله. وبوجه عام، فإن التحقيقات”الشجاعة” فى قضايا فساد التى شهدتها مؤخرا دول مثل البرازيل والمكسيك، تدل على تحول كبير فى ثقافة شعوب تعتبر الفساد الحكومى شيئا عاديا، وتؤكد أن أمريكا اللاتينية بدأت بالفعل فى حملة تطهير ضخمة تتخلص فيها من أخطر آفاتها وهى الفساد.