ءصنعاء بعد شهرين. الإعلانان يذكران العالم بحرب اليمن المنسية عربيا ودوليا التى بدأت قبل خمسة أشهر ولا يراد لها أن تتوقف. وعن تحرير صنعاء لنا أن نتصور ماذا يعنيه من دمار وتهجير ومعاناة . الكاتب اليمنى الساخر عبدالكريم الرازحى فجعه إعلان التحرير وجدد فى 28 اغسطس طلبا قديما للهجرة أرسله إلى ملكة هولندا، لأن «فرائصه ارتعدت من الرعب عند سماعه الخبر.... من يوم التحرير... ومن فجر الحرية». فى تبرير الرازحى لهجرته يقول» لا الثورة التى أطعمناها الدم والأناشيد أطعمتنا من جوع وآمنتنا من خوف، ولا الوحدة التى تغنينا بها وغنينا لها وحدتنا وساوت بيننا، ولا الديمقراطية التى تحمسنا لها ودافعنا عنها فتحت لنا باب الأمل والحلم والمستقبل».ألا نتعظ ونحن ندق طبول الحرب بما عانته عدن وتعزمن دمار ليس فى صالح خيار تحرير صنعاء لأن الخيار الأكثر راحة لليمنيين هو الخيار السلمى ووقف الحرب كلية وعدم عرقلة مهمة المبعوث الدولى إسماعيل ولد الشيخ والتقليل من دوره ودعم جهود سلطنة عمان لإنجاز تسوية مقبولة لكل الأطراف وفقا للمرجعيات المتفق عليها. الخيار السلمى يجمع عليه المجتمع الدولى وهو المفضل لديه على غيره من خيارات الدمار والمعاناة. أمام الجميع وقتا للتفكير جيدا بما سيجنيه التحرير من كوارث على جوهرة الجزيرة العربية ودرّتها وأحد أقدم المدن فى التاريخ. وإذا وعينا درسى تعز وعدن والأولى لاتزال تتعرض للتدمير وسكانها على شفا مجاعة حتمية بسبب تعطل موانئ اليمن وأقربها لها ميناء المخا الذى كان ميناء تصدير البن اليمنى المعروف فى العالم كله ب «بن المخا» وخروجها من الخدمة بعد قصفها أشار إلى كارثيته مدير الصليب الأحمر الدولى بقوله إن مادمر فى اليمن فى خمسة أشهر يساوى ما دمر فى سوريا فى خمس سنوات. الصليب الأحمر اضطر فى 27 اغسطس إلى وقف عملياته فى عدن بسبب هيمنة القاعدة التى يصر البعض على إنكار وجودها فى عدن وتعز وتنسيقها مع حزب الإصلاح (إخوان اليمن). الكاتب اليمنى نبيل سبيع كتب فى 7 اغسطس أن عدن ستتحول إلى مكلا ثانية وأن القاعدة تتحرك بحرية فيها وتمارس الإعدامات فى الشوارع العامة ، واقتحمت مقبرة للإنجليز وحطمت شواهدها ، واقتحمت كنيسة وحطمتها، وأمور أخرى كثيرة لاتقول إن عدن أصبحت فى يد «الشرعية» بل فى يد «أنصار الشريعة». ويختم «عدن تحررت من الحوثيين ولكن ليس من القاعدة». ليكن لإنقاذ تعز وسكانها الأولوية بدلا من التفكير بتحرير صنعاء لأسباب منها، الاعتراف بدورها كحاضنة للتغيير فى الشمال وفى تحقيق استقلال الجنوب اللذين بدونهما ماكان الرئيس السابق صالح سيصبح رئيسا ثريا فى الشمال ولافى عهد الوحدة التى طعنها من الوريد إلى الوريد. ولأن سكانها مسالمون ويحبون العمل ويحملون القلم وليس البندقية ولا يحمل السلاح منهم سوى أعضاء حزب الإصلاح والسلفيين والقاعدة. ولأنها عانت من تهميش ومن تعطيش متعمد فى عهد صالح الذى ينسب إليه قولا لايصدر من رئيس دولة «سأجعل أبناءها يشربون بولهم».ولأن صالح ارتكب وإبنه أحمد قائد الحرس الجمهورى السابق مجزرتين فى تعز فى ابريل ومايو 2011 بعد مجزرة جمعة الكرامة فى صنعاء فى مارس لكى يخمد ثورة الشعب عليه. ومن تعز انطلق شعاع فكر الحركة الوطنية بقيادة أحمد محمد النعمان الذى عبر عن ألمه قبل وفاته لأن حكم اليمن آل إلى شخص مثل على صالح. ومن تعز أتت القوة البشرية الرئيسية التى دافعت عن ثورة سبتمبر وكانت مقرا للحرس الوطنى الذى كان نواة جيش الجمهورية وتطوع فيه أبناء الجنوب وجنوب الشمال للدفاع عن الثورة ضد محاولات إجهاضها. وكانت تعز مقرا للجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمنى ثم شقيقتها جبهة التحرير وفيها تدرب مقاتلو الجبهتين ومنها أعلن عبدالناصر فى ابريل 1964 صرخته الشهيرة «على الاستعمار البريطانى أن يحمل عصاه ويرحل»، وفيها أدارت مصر عملية صلاح الدين لتحرير الجنوب. كما شهدت تعز ميلاد الحركة الناصرية فى منتصف ستينيات القرن الماضى الذى أعدم صالح 23 من قياداتها عام 1978 بعد انقلابها الفاشل التى لم ترق فيه قطرة دم واحدة وكان شريكه فى القرار اللواء على محسن الأحمر الملوثة يدايه بدماء مئات اليمنيين قبل وبعد أن يتأسلم. لهذه الأسباب يجب إنقاذ تعز أولا وعدم السماح لحزب الإصلاح والقاعدة بالسيطرة عليها وحكمها هى أو عدن. يضاف إلى ما سبق أن شبابها لعبوا دورا مركزيا فى الدفاع عن الجمهورية ولكنهم أكلوا الحصرم. تعز تعيش كارثة إنسانية يومية قد تتكرر فى صنعاء التى تعانى أيضا حصارا شاملا وخانقا كغيرها من مدن اليمن تحدثت عنه منظمات الإغاثية الدولية.وإذا كانت هذه هى تعز- المدنية - فهناك قلة من سكان شمال الشمال لاتزال ترى أن الله خلقها للتسلط على سكان الجنوب وتهامة فى الغرب. التعزيون يُعرّفون مدينتهم بأنها «تعز العز» لأن لها بصماتها فى تاريخ اليمن وأنها كانت عاصمة للدولة الرسولية التى حكمت اليمن من 1229 حتى 1454 وامتد حكمها إلى مكة وظفار وكان من أكثر فترات اليمن ازدهارا واهتماما بالعلم وقبولا للتعددية المذهبية . تعز هى رمانة الميزان فى الحياة اليمنية ودورها محوري فيما شهده اليمن من تطورات بعد الحرب العالمية الثانية .وفى تعز نشأت الحركة الوطنية والأحزاب السياسية والرموز الوطنية وإليها أتى من عدن قبيل ثورة 1962 اليسارى عبد الله باذيب ونشر فيها جريدة الطليعة الأسبوعية كأول جريدة أهلية فى اليمن بدعم الإمام أحمد. و فى صباح 26 سبتمبر1962 رفعت حركة القوميين العرب بتعز فى «الباب الكبير» المعادل «لباب اليمن» بصنعاء يافطة كبيرة كتب عليها: «حركة القوميين العرب تفدى الثورة بالدم». فى 12 فبراير 2015 قال مراقب الجامعة العربية لدى الأممالمتحدة إن «معالجة الوضع الإنسانى فى اليمن جزء مهم من جهود الحل الشامل لمشاكله» واعتبر أن «عدم الاستقرار الإنسانى فى اليمن مضر باليمن بأكمله، وأكد أهمية العمل الفورى لتأمين وصول المساعدات الإنسانية لجميع السكان المتضررين أينما وجدوا وبدون أى معوقات». لاتعليق!. لكن هذا لايعنى عدم الطلب من الأشقاء العرب أن يسعوا لإنقاذ اليمن من الحرب قبل أن يحل بصنعاء ماحل بتعز وبعدن وقبل أن يواجه اليمنيون نفس مصير إخوانهم السوريين والعراقيين ويهيموا فى الأرض بحثا عن ملاذ آمن ويغرقوا فى البحار أويموتوا اختناقا فى شاحنات هربا من مجاعة وإذلال. هل يراد لليمنيين هذا المصير؟. لتتوقف الحرب لتجنب هذا المصير. لمزيد من مقالات على محسن حميد