دور الإعلام في المجتمعات الديمقراطية هو الموضوع الرئيسي الذي تمحور حوله برنامج قيادات الزائر الدولي الذي قام به وفد صحفي من مصر إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخرا. وكانت مصر خلال الجولة بمثابة الغائب الحاضر كونها تعيش فترة انتقالية مهمة للغاية ستؤثر نتائجها حتما في الانظمة العربية المحيطة والسياسات الدولية الخارجية. اللافت للنظر خلال جولاتنا في العاصمة الأمريكية, واشنطن وولايتي فيلادلفيا ونيويورك أن بعض المؤسسات والمراكز الصحفية الهامة التي زرناها قد صدرت لنا مخاوفها من جراء صعود التيار الاسلامي وسيطرة الإخوان المسلمين, وهو ما يعني وفقا لرصدهم أن موجة العداء لإسرائيل سوف تكون أكثر حدة, وربما تتغير سياسات الشرق الأوسط برمتها تجاه إسرائيل. وما يؤكد ذلك مخاوف روجر أرونوف مدير منظمة الدقة في الإعلام ومقرها واشنطن الذي يري أن صعود الإخوان المسلمين للبرلمان سيؤثر حتما علي الدول المحيطة قاصدا بالطبع إسرائيل. وعقد مقارنة في ذات السياق لم يقبلها الوفد المصري بين ما حدث في لبنان من تحول ديمقراطي في2005, وصعود حزب الله وما يحدث حاليا في مصر من صعود الإخوان والسلفيين, ورد عليه أحد الصحفيين بانه لايمكن تجاهل حقيقة مهمة جدا وهي أن مصر دولة سنية بالدرجة الأولي وتختلف تمام الاختلاف في تركيبتها ونسيجها عن لبنان وإيران. وما هي إلا لحظات حتي جاءت الإجابة عن مواقفه المتشددة عندما أعلن صراحة تحيزه الكامل لاسرائيل, وهو ما يعد امرا غير حيادي علي الإطلاق ويحمل الكثير من المفارقة,كون المنظمة التي يرأسها تقوم أساسا علي الحيادية. ويري الياس كرم خبير العلاقات السياسية الذي التقيناه في مركز ميريديان المنظم للجولة وجوب الفصل التام بين السلطة العسكرية والسلطة المدنية في أي دولة, وانه لا يمكن أن تنعم أي دولة بديمقراطية حقيقية اذا لم تخضع المؤسسات العسكرية للقرار المدني وليس العكس. وقبل أن يصل الينا مفهوم رفضه للحكم العسكري الذي تعيشه مصر حاليا خلال الفترة الانتقالية, أكد لنا أن المؤسسة العسكرية هي الضامن الوحيد للنظام إلي أن يتم تسليم الحكم في مصر لسلطة مدنية منتخبة تدريجيا ولكن علي وجه السرعة. ولم ينته اليوم حتي أعرب لنا كل من كين فايرمان وتيري أطلس كبيري محرري السياسة الخارجية في وكالة بلومبيرج الأمريكية للأخبار عن مخاوفهما من جراء التغيرات السياسية السريعة في مصر, واكتساح التيارات الاسلامية في الانتخابات البرلمانية ومدي تأثير ذلك علي الأقباط والمرأة واسرائيل. وعندما نقلت هذه المخاوف التي خرجنا بها للسفيرالمصري لدي الولاياتالمتحدةالامريكية سامح شكري من بزوغ توجه اسلامي سياسي, علل بقوله: ربما ترجع تلك المخاوف الي النظر إلي إيران علي انها نموذج غير مرغوب لتولي المؤسسات الدينية الحكم, وأكد أنه لا اساس لهذه المخاوف التي مرجعها الي الخلافات الأمريكيةالإيرانية. فما يحدث في إيران لن يحدث في مصر أبدا نظرا لوجود اختلافات كثيرة. وأضاف أن أي تيار سياسي سواء كان إسلاميا أو ليبراليا في مصر عليه ان يطرح رؤيته ومشروعه السياسي, منوها الي أن الولاياتالمتحدة لم تستمع بشكل توضيحي كامل عن طبيعة التيارات الإسلامية. وفي ولاية فيلادلفيا كان لنا لقاء موسع مع توم فيريك كبير محرري صحيفة متروبوليس الالكترونية الذي أكد فيه أهمية دور الصحافة في هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها مصر علي حد وصفه وقال: هذا هو الوقت الوحيد للشعب المصري كي يستفيد من ثورته, داعيا كل صحفي في مصر للتحرك من أجل ضمان دستور جديد به قوانين تكفل حرية التعبيرعن الرأي, وتسمح بتداول المعلومة حتي تتحقق الديمقراطية الحقيقية التي يستحقها الشعب المصري بعد ثورته العظيمة, ويمزح قائلا: لو كنت في دولة غير أمريكا لكنت حاليا في السجن لما اكتبه كل يوم! أما وكالة الأنباء الأمريكية أسوشيتد برس في نيويورك, فقد خرجنا منها بانطباع مغاير تماما عندما تحدثنا مع براين ميرفي خبير الشئون السياسية في الشرق الأوسط الذي رحب بحكم الإخوان المسلمين في مصر وقال: أعطوا فرصة للإخوان المسلمين فهم يتمتعون برؤية واسعة وهم أكثر حزب منظم في مصر حاليا, ولهم باع طويل في السياسة وخدمة المجتمع المدني وهو ما أعطاهم شعبية عالية في الانتخابات. وفي شبكة ان. بي سي التلفزيونية الأمريكيةبنيويورك التي انصب تركيزها مؤخرا علي الشرق الأوسط لتغطية ثورات الربيع العربي وما تبعها من تغيرات جذرية في مراحل هذه البلدان الانتقالية ولاسيما مصر, شعرت وأنا استمع لحديث ستيف كابوس رئيس الشبكة وهو يصف الإسلام بانه دين جميل مبني علي التسامح والسلام, بأن عقدة توءمة الإسلام والإرهاب التي خلفها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن لدي الغرب بعد أحداث11 سبتمبر في طريقها للزوال.. واستطرد قائلا: كل الأديان تعاني من الأصوليين والمتطرفيين, وقد ارتكبت مؤخرا الكثير من الافعال الفظيعة باسم الإسلام بهدف تشويه صورته لدي الغرب, في حين أن الاسلام ابعد ما يكون عن مفاهيم الإرهاب. ولكن برغم اشادته بالدين الإسلامي فقد أبدي نوعا من القلق لوصول الإسلاميين للحكم, نظرا لعدم وضوح توجهاتهم وسياستهم الخارجية حتي الان, ولاسيما تيار الأصوليين المعادي تماما لأمريكا,ولكنه في الوقت ذاته يؤكد احترام إرادة الشعب المصري وحرية اختياره. كما التقينا السفير ماجد عبدالفتاح رئيس بعثة مصر لدي الأممالمتحدةبنيويورك بمقر البعثة قبيل مغادرتنا بساعات لنعرف منه مايدور في أروقة الأممالمتحدة حول الأوضاع في مصر, قال ان سيطرة التيارات الدينية علي الحكم في منطقة شمال افريقيا بصفة خاصة والشرق الاوسط بصفة عامة تعد أبرز المخاوف الغربية في الدوائر الدولية, في خضم ثورات الربيع العربي. وذكر ايضا انه قد تلقي الكثير من الاستفسارات من منظمات ومؤسسات معنية بحقوق المرأة حول مخاوف تراجع دورها في المجتمع, إلا أنه أكد لكافة هذه الجهات أن مصر لن تعود إلي الوراء ولن يسمح الشعب لأي حكومة أيا كانت اتجاهاتها باقصاء المرأة أو المساس بحقوقها, مؤكدا في ذات السياق انه لاتوجد اي مخاوف لدي الاممالمتحدة علي اوضاع الاقباط في مصر. وبصرف النظر عن تباين الآراء أو تطابقها خلال جولتنا بالولاياتالمتحدةالأمريكية, فقد خرجنا بحقيقة مهمة للغاية أن مصر أصبحت محل اهتمام متزايد من دول العالم.. وهي الآن بشهادة كل من التقينا بهم في مراكز رصد اخبارية ومؤسسات صحفية ومحطات تليفزيونية أمريكية اصبحت نموذجا حيا لتطبيق الأنظمة الديمقراطية بعد ثورة25 يناير المجيدة, التي قلبت نظام الحكم الاستبدادي إلي أخر يسمح بتدويل السلطة وتعدد الأحزاب لأول مرة تاريخ البلاد.