وزير العمل يعلن عن 3000 وظيفة بمحطة الضبعة النووية    وزير قطاع الأعمال العام يستعرض مؤشرات أداء القابضة الكيماوية وشركاتها التابعة    مراسل «إكسترا نيوز»: إقبال كبير على منافذ حياة كريمة لبيع اللحوم بأبو النمرس    محافظ المنيا: الاستعداد لبدء الموجة 24 لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية    وزير التموين يعين رئيسًا جديدًا لشركة السكر والصناعات التكاملية    وزير الطيران المدني: المطارات المصرية ليست للبيع    طلاب جامعة المنوفية ينجحون في تحرير 4744 مواطنا من الأمية    الخارجية الفرنسية: إستدعاء سفير إسرائيل فى باريس بسبب استهداف قوات اليونيفيل جنوب لبنان    تسليم السفينة الثانية للمسح البحري إلى الهند    خبير عسكري: وقف إطلاق النار في غزة هدف حزب الله من دخول الحرب    روسيا تتهم سويسرا بالتخلي عن مبدأ «الحياد» في القضية الأوكرانية    الليلة.. الفراعنة و «المرابطون» في مواجهة أفريقية على استاد القاهرة    مدرب كوريا الجنوبية: مستوانا فاق التوقعات أمام الأردن    أونانا يحقق جائزة خاصة في الدوري الإنجليزي    ميناء القاهره الجوي: السيطرة على حريق خارج حدود المطار دون خسائر    فصل جديد في قضية شيك بدون رصيد ل إسلام بحيري    مهرجان الموسيقى العربية.. شاهد على تاريخ مصر الفني    بحضور وزير الثقافة.. مدحت صالح ولطفى بوشناق ولينا شاماميان نجوم افتتاح مهرجان الموسيقى العربية فى دورته ال32    وزارة الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 112 مليون خدمة مجانية خلال شهرين    الكشف على 1272 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بالبحيرة    ضمن جهود مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان.. الصحة تنظم دورات تدريبية حول الإسعافات الأولية من خلال فروع الهيئة بالمحافظات    لأول مرة منذ 7 سنوات القوات الجوية الكورية الجنوبية تجرى تدريبات بالذخيرة الحية    الأنبا توماس يشارك في ورشة العمل "القادة الدينيين وبداية جديدة لبناء الإنسان"    الداخلية تطلق قوافل إلكترونية لتقديم خدمات الأحوال المدنية والمرور بالمحافظات-(فيديو وصور)    ضمن مبادرة بداية.. ندوات ومحاضرات لأئمة الأوقاف في شمال سيناء    بالصور- محافظ بورسعيد يفتتح مسجدا جديدا بمنطقة كربة عايد    تشكيل منتخب مصر أمام روسيا مواليد 2008    جنوب سيناء تطلق برنامجًا رياضيًا احتفالًا باليوم العربي للمسنين    دويدار يؤكد.. ثنائي الأهلي سيكونوا كبش فداء عند خسارة مبارياته القادمة    مصرع شاب دهسا أسفل عجلات قطار بالمنيا    رسالة نارية من إبراهيم سعيد ل «شيكابالا»: اعتزل واحترم تاريخك    محافظ أسوان يستمع لمطالب المواطنين عقب صلاة الجمعة (صور)    الصعيد في عيون حياة كريمة.. مدينة إسنا تحصل على دعم كبير برعاية مجلس الوزراء    محمد راضي رائد السينما الوطنية وصانع ملاحم الحرب على الشاشة المصرية    4 أبراج مخلصة في الحب والعلاقات.. «مترتبطش غير بيهم»    دار الإفتاء توضح فضل زيارة مقامات آل البيت    الأردن يدين استهداف الاحتلال الإسرائيلى لقوات اليونيفيل جنوب لبنان    حزب الاتحاد ينظم ندوة بعنوان «إفريقيا عمق استراتيجي لمصر ومصير مشترك»    ضبط 5 آلاف زجاجة زيت مجهولة المصدر داخل مخزن دون ترخيص بالمنوفية (صور)    وكيل صحة سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد المركزي ووحدات الرعاية الصحية    فضل الدعاء للأب المتوفي في يوم الجمعة: مناجاةٌ بالرحمة والمغفرة    بالتزامن مع الاحتفال بذكرى بنصر أكتوبر.. تنسيقية شباب الأحزاب تعلن عن استراتيجيتها الجديدة    شبهت غزة بوضع اليابان قبل 80 عامًا.. منظمة «نيهون هيدانكيو» تفوز بجائزة نوبل للسلام    90 صورة من حفل زفاف مريم الخشت بحضور أسماء جلال ويسرا وجميلة عوض    مسؤولون أمريكيون: المرشد الإيراني لم يقرر استئناف برنامج السلاح النووي    أخصائية تغذية: هذا الجزء من الدجاج لا يُنصح بتناوله    أوقاف بني سويف: افتتاح 6 مساجد بالمحافظة خلال الشهر الماضي    تعرف علي حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    القومى للطفولة يولي مهام رئاسة المجلس لعدد من الفتيات في يومهن العالمي    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة سيارات النقل بالأقصر    الصحة: إغلاق عيادة جلدية يديرها أجانب مخالفة لاشتراطات التراخيص في مدينة نصر    خطبة الجمعة اليوم.. تتحدث عن السماحة في البيع والشراء والمعاملات    تغيرات حادة في أسعار الحديد والأسمنت بمصر: التقلبات تعكس الوضع الاقتصادي الحالي    مشادة كلامية.. حبس فتاة قتلت صديقتها طعنا داخل كمباوند شهير في أكتوبر    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم.. الماكريل ب 180 جنيهًا    اختللاط أنساب.. سعاد صالح تحذر المواطنين من أمر خطير يحدث بالقرى    ميوزك أورد وجينيس وفوربس.. أبرز 20 جائزة حققها الهضبة طوال مشواره    «بعيدة عن اللقاء».. تعليق مثير من نجم الأهلي السابق بشأن تصريحات حسام حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحب في عصر العولمة

كنت قد تجاوزت سن الأربعين حين شاهدت لأول مرة فتيانا وفتيات يتبادلون التهنئة بما أصبح معروفا بعيد القديس فالنتاين‏.‏ وعاما بعد عام اتسعت دائرة المحتفلين بهذا اليوم من حولي حتي وصل الاهتمام إلي مكتبي بالجامعة‏.‏ فتيان وفتيات في عمر الزهور يتبادلون في هذا اليوم ورودا حمراء ويدفعون ببعضها لي ولغيري من أساتذتهم‏.‏ ثم اتسعت دائرة الاحتفال لتشمل الأساتذة والموظفين جميعا‏.‏
وزادت في وسائل الإعلام مساحات الاحتفال‏.‏ وبلغ الاهتمام بالقديس فالنتاين ويومه الموعود ذروته بوصول موكب قداسته إلي منزلي لتبدأ الضغوط أن اشارك في تكريم هذا القديس الذي ظهر رمزا للحب بين المسيحيين الكاثوليك‏,‏ وأصبح أخيرا محبوبا عالميا عبر الثقافات والأديان‏.‏ فقد أصبح يوم الرابع عشر من فبراير هو ثاني عيد تأتي به العولمة إلي هذا العالم بعد الكريسماس منذ أن صرع الاقتصاد السياسة والمجتمع وأخضعهما كلية لرغباته‏.‏
الغريب أن فالنتاين الذي أصبح أكثر القديسين شهرة في العالم هو أكثرهم غموضا وتحيط بحقيقته الشكوك من كل جانب‏.‏ حتي إنه في عام‏1969‏ حذفت الكنيسة الكاثوليكية اسمه من تقويم القديسين الذين يتعين الاحتفال بهم عالميا‏.‏
فالإسم كان لعدد كبير من القديسين الشهداء‏,‏ ولايعرف أحد عن ذلك القديس أي شئ ومايقال عنه ليس إلا نوعا من الاساطير‏.‏ ومع ذلك بقي اسم فالنتاين رمزا لعيد الحب في الرابع عشر من فبراير عند الكاثوليك ومن تأثر بهم‏,‏ وفي السادس من يوليو عند الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية‏,‏ وعند غيرهما في‏30‏ يوليو‏.‏ ويبدو أن اساطير فالنتاين كانت اختراعات تم إبداعها في القرن الرابع عشر في انجلترا‏,‏ حيث أصبح فالنتاين الأسطورة المؤسسة للعلاقة بين‏14‏ فبراير والحب الرومانسي‏.‏
تلقفت الشركات التجارية يوم فالنتاين منذ زمن وحولته إلي عيد للمكاسب الضخمة‏.‏ ففي عيد فالنتاين الماضي تبادل الناس حول العالم قرابة‏30‏ بليون رسالة‏SMS‏ وبلغ إنفاق الأمريكيين وحدهم نحو‏120‏ بليون دولار‏,‏ وبلغت مبيعات الزهور في يوم واحد‏1.4‏ مليار دولار‏,‏ وهو ما يعادل‏40%‏ من إجمالي مبيعات السنة كلها‏.‏ وحصدت صناعة الشيكولاتة في ذلك اليوم‏450‏ مليون دولار‏.‏
واليوم الذي يعود بهذه المكاسب الهائلة علي الشركات التجارية لابد وأن يجعل فالنتاين هو الأهم بين القديسين جميعا‏.‏
حاول أن تتعرف علي غايات كل شاب في هذا العصر ولن تجد علي أجندته المستقبلية سوي ممتلكات مادية‏.‏ وإن وجدت شيئا من الحب في تلك القائمة فسوف تجده مرتبطا بما سوف يعود عليه بالنفع من هؤلاء الذين يتمني حبهم‏.‏ قدر لي يوما أن أبحث في المحتوي السياسي والاجتماعي للوعظ الديني في سنوات الستينيات والسبعينيات‏.‏ وقد لاحظت تغيرات كبيرة في الأفكار الدينية المطروحة علي مدي عقدين من الزمن‏.‏ كان الفكر الديني يعكس التغيرات في التوجهات السياسية السائدة في مصر‏,‏ وكان في النصف الثاني من السبعينيات قد اقر بأن التجارة مع الله هي الوسيلة الأفضل في العبادة‏.‏ ومن هذه التجارة استفحل الفكر الغيبي وانتشر في الثمانينيات وماتلاها واتسعت الفجوة بين الفكر الديني والأخلاق العامة‏.‏
في ظلال العولمة اصبح كل شئ محكوما بآليات السوق وتحقيق المنافع وعقد الصفقات‏.‏ لافرق في ذلك بين الأشياء والقيم فالكل في هذا العصر سلعة معروضة للبيع والشراء‏.‏ ولكنه في الواقع يحاصر مشاعر الحب الحقيقية في عصر اقتصاد السوق الذي جعل المشاعر وحتي الابتسامة تجارة وهو واقع تلقينا بشأنه تحذيرات منذ أكثر من نصف قرن‏.‏
في عام‏1955‏ نشر الفيلسوف الاجتماعي الألماني إريك فروم كتابالمجتمع السليم حيث طور نظريته عن الشخصية الاجتماعية التي تري أن كل مجتمع ينتج الشخصية التي يحتاجها‏.‏ وأشار إلي أن رأسمالية مابعد الحرب العالمية صبغت المجتمعات بشخصية التاجر حيث تحول كل شئ إلي سلعة بما في ذلك الإنسان نفسه‏,‏ طاقته الجسمانية‏,‏ مهاراته ومعارفه‏,‏ آراؤه ومشاعره‏,‏ حتي ابتساماته‏.‏ وقال فروم إن الشخصية الاجتماعية المثالية التي نريدها للمجتمع هي الشخصية الناضجة المنتجة والتي بلا أقنعة تحب وتبدع وتؤمن بأن وجودها أهم مما تمتلكه ولكن مجتمعا بتلك الشخصية لم يظهر‏.‏ لاحظ أن فروم كتب ذلك قبل نصف قرن حين كانت الرأسمالية لاتزال مقيدة ببعض القيود والتنظيم‏.‏ وهي الآن قد انفلتت من كل قيد أوتنظيم‏.‏
وفي عام‏1956‏ نشر كتابه الرائع فن الحب أكد فيه أن الحياة لايمكن أن تمضي بغير خوف أو حب‏,‏ وعليك انت أن تختار بينهما‏.‏ وقال إن الحب يريح الإنسان من عناء السؤال الابدي‏..‏ ما معني الحياة؟ فإذا كنت تحب فلن تسأل أبدا هذا السؤال‏.‏ تحدث فروم عن خمسة أنواع من الحب تتهددها جميعا الأخطار‏.‏
فالحب الأخوي الذي يمثل الأساس للأنواع الأربعة الأخري يتراجع حين تتحول الكائنات البشرية إلي سلعة‏.‏ وحب الذات الذي بدونه لا نعرف الحب للآخرين تدمره الأنانية التي تعلمك أنك غني بمقدار ما تملك وليس بمقدار ما تعطي‏.‏ وحب الأم الذي تهدده مشاعر النرجسية والاستحواذ‏,‏ وحب الله قد تراجع بسبب انتشار المفهوم الوثني للإله‏.‏ أما الحب بين الجنسين فقد تكاثرت عليه الأخطار‏.‏
فحين نهتم بالأرباح علي حساب كل قيمة إنسانية أخري‏,‏ فإن الخطر يهدد الوجود الإنساني كله بما في ذلك الحب الذي يمنحنا معني الوجود‏.‏ ومن الأخطاء التي لاتغتفر أن نضحي بالقيم الإنسانية لحساب اقتصاد قوي وصحيح‏.‏ في كثير من الأحيان جاءت الثروة لكثير من العائلات بمشاكل التفكك والتوتر في العلاقات الاجتماعية التي ترتكز اساسا علي الحب الذي اضاعه السعي الحثيث نحو هدف واحد هو الثروة وجني الأرباح‏.‏
مشكلة الحب عند الأغلبية من الناس أنهم مهتمون بالوسائل التي تمكنهم من الحصول علي حب الآخرين أكثر من اهتمامهم بتطوير قدرتهم هم علي الحب‏.‏
الرجال يسعون للنجاح والقوة والثروة حتي يحظوا بالحب‏.‏ والنساء يجرين وراء كل مايجعلهن أكثر جاذبية‏.‏ يعتنين بأجسادهن وملابسهن حتي يجتذبن المحبين‏.‏
وهما معا يحاولان تطوير أسلوب تعامل يمكن أن يوصف بالرقي‏,‏ وقدرة علي التحدث بطريقة مثيرة للاهتمام‏,‏ والظهور بمظهر التواضع‏.‏ قلة قليلة هي التي تهتم بتطوير قدراتها هي علي أن تحب بدلا من أن تحظي به من الآخرين‏.‏ إنها عملية تسويق لقدرات وممتلكات وصفات الإنسان في عالم الحب‏.‏ والثقافة المعاصرة تدعم هذا الاتجاه حين ترتكز علي إشباع رغبة الإنسان في الشراء والصفقات التي تحقق منفعة متبادلة‏.‏ ويري فروم أن الحب فن يتطلب معرفة وجهدا وليس شعورا بالسعادة يقع فيه الإنسان بالمصادفة‏.‏ فالمصادفة لاتصنع حبا دائما‏.‏
مازلنا في المجتمع المصري نحتمي بالكثير من العلاقات الاجتماعية الدافئة التي لاتخضع تماما لآليات عصر العولمة‏.‏ وهي تعبر عن نفسها في الأزمات والكوارث التي تصيب البعض منا‏.‏ فلا يزال التكافل الاجتماعي سندا قويا يجعل الحياة ممكنة‏.‏ ولكن تلك العلاقات تتهددها الأخطار بزحف قيم العولمة شيئا فشيئا‏,‏ ولدينا مؤشرات كثيرة علي ذلك في حياتنا الاجتماعية‏.‏ فالكثيرون منا يتمنون زيادة عدد المليونيرات في المجتمع فهو دليل عافية اقتصادية ولكن كما يقول نيل كلارك إن لدي كل المجتمعات العدد الكافي من صانعي الأرباح وما نتمناه أن يقرأ فقط خمسمائة من السياسيين كتاب فن الحب للفيلسوف الألماني إريك فروم‏.‏
المزيد من مقالات د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.