يخطئ من يظن أن حلم المصريين فى التنمية، سيتوقف عند افتتاح قناة السويس الجديدة، فالمشروع كما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي- ليس إلا خطوة من ألف خطوة لتحقيق التنمية الشاملة.. وإذا كانت الخطوة الأولى قد تمت بافتتاح القناة، فإن الخطوات التالية قد بدأت بالفعل بافتتاح القناة، حيث أكد الرئيس - خلال كلمته أمام الندوة التثقيفية السابعة عشرة للقوات المسلحة، أن مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، لا يقتصر على تطوير المجرى الملاحى للقناة، وإنما يشمل العديد من المشروعات التنموية والصناعية فى منطقة القناة، فضلاً عن ربط الدلتا بسيناء عبر حفر ستة أنفاق أسفل القناة، وتطوير ميناء شرق بورسعيد، إلى جانب تخصيص 40 مليون متر مربع لإقامة مناطق صناعية فى إطار مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، وإنشاء أكبر مزرعة سمكية فى منطقة الشرق الأوسط، بمنطقة شرق بورسعيد، ومن المتوقع أن تسهم مشروعات تنمية الثروة السمكية فى زيادة إنتاج مصر الأسماك من 50 إلى 100ألف طن سنوياً. وبشكل عام، احتفلت مصر وفرحت فى 6 أغسطس الحالى كما يقول الدكتور عبد النبى عبد المطلب الخبير الاقتصادى ووكيل وزارة الصناعة والتجارة للبحوث الاقتصادية بالحدث التاريخى المتعلق بافتتاح قناة السويس الجديدة. وكما هو معلوم فقد تم تسويق هذا المشروع القومى على أنه بداية الطريق لتنمية شاملة فى المنطقة على ضفاف القناة، بغرض إقامة تجمعات صناعية، وزراعية، وعمرانية تصل تكلفتها الاستثمارية إلى نحو 100 مليار دولار، تحقق عائدا(حال إقامتها وتشغيلها) يتراوح بين 15 و 20 مليار دولار سنويا، وهو أعلى عائد على الاستثمار فى العالم. ورغم الخلافات التى صارت عن جدوى المشروع وأهميته، فإنه من الثابت إن هذا المشروع حقق مجموعة انجازات لا يمكن لأحد إنكارها ومنها إخراج نحو 28 مليار جنيه من مدخرات المصريين الشخصية، ( أى من خارج الاقتصاد الرسمى ومن خارج الجهاز المصرفي، أو من تحت البلاطة كما يقولون ) ليتم استثمارها بشكل جيد فى الاقتصاد الرسمى المصري، كما ساهمت فى تشغيل نحو 43ألف مصري، وساهم المشروع أيضا فى زيادة رغبة المصريين بالخارج فى المساهمة فى الاستثمار داخل مصر، فى مشروعات على نفس المستوي، حيث أظهرت بعد الاستطلاعات إلى استعداد المصريين فى الخارج للاكتتاب فى أسهم وسندات تنمية محور القناة بما يتراوح بين 10 و 20 مليار دولار، وهو ما يزيد على 40% من التكلفة الاستثمارية للعام الأول لمشروع تنمية محور قناة السويس، إضافة إلى خفض زمن نقل البضائع بما يتراوح بين 8 و 11 ساعة، وبذلك قلل تكاليف نقل السلع والخدمات بما يتراوح بين 3% و7% فى المتوسط، مما قد يسهم فى تخفيض الأسعار للمستهلك العالمى بنسبة تترواح بين 2 الى 5%، . ويبقى السؤال المهم هى ما انعكاسات افتتاح القناة والمشروعات التنموية على الاقتصاد الوطني؟ د. عبد المطلب: تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن دخل القناة سيرتفع بما يتراوح بين 3 مليارات دولار إلى 5 مليارات دولار سنويا، لكن هذا العائد مرتبط بعدة عوامل قد تتحقق وقد لا تتحقق، (منها على سبيل المثال زيادة عدد السفن العابرة للقناة، وزيادة الحمولة، وزيادة رسوم المرور أو فرض رسوم إضافية على السفن العابرة نتيجة تحسين الخدمة وتقليل زمن الرحلة)، حتى وان تحققت التوقعات، وارتفع اجمالى دخل القناة إلى 13مليار دولار، و هذه الأموال سوف تسهم فى تحسين العجز فى الموازنة العامة للدولة، وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة، مما سيسهم فى تحسينهما. والسؤال الذى يطرح نفسه أيضا: ماهو البناء المطلوب؟ الإجابة تكمن فى ضرورة استمرار العمل لتنمية منطقة القناة صناعيا، وزراعيا، وعمرانيا، إذ تشير التوقعات إلى أن استثمار 100 مليار دولار فى هذه المنطقة سيتولد عنه إضافة منطقة عمرانية وسكانية ومجتمعية تصل الى 3%من مساحة مصر أى رفع المساحة المأهولة فى مصر بنسبة تتراوح بين 30% الى 50% لتصل المساحة المصرية المأهولة إلى نحو 10 إلى 12% من المساحة الكلية لمصر، وهذا سيكون انجازا تاريخيا حال تحققه، وإضافة استثمارات تقترب من 45%من الناتج المحلى الاجمالى الحالي، وكذلك توليد فرص عمل حقيقية تترواح بين700 ألف ومليون فرصة عمل حقيقية، اى تخفيض بين 20% الى 35% من حجم البطالة الحالية والبالغة نحو 3 ملايين عاطل تمثل نحو 13.4% من حجم القوى العاملة المصرية. فرص التمويل وهنا نطرح السؤال: ما هى فرص التمويل المتاحة لتلك المشروعات المقترحة؟ هناك عدة بدائل للتمويل ، وتوفير الأموال المطلوبة للاستثمار منها: الإعلان عن إنشاء شركات مساهمة وطرح أسهمها بالدولار للمصريين بالخارج، وإنشاء شركات مشتركة مع رأس المال العربى والأجنبى لتنفيذ مشروعات تموين السفن، وإقامة المنطقة اللوجيستية، وطلب التمويل من البنك الدولى باعتبار ان تنمية هذه المنطقة يضمن استقرارها، وإيجاد حل مقبول وعادل لجميع الصراعات فيها، وذلك من خلال مبدأ الاستقرار من خلال التنمية، وأعتقد ان هذه البدائل، أو إيجاد مزج بينها قد يسهم فى توفير مابين 10 و 20 مليارا، وهو مبلغ كفيل بتحقيق المرحلة الأولى من تنمية منطقة القناة. مشروعات مقترحة أما المشروعات التى نقترح تنفيذها فى تلك المنطقة- والكلام مازال للدكتور عبدالنبى عبد المطلب- فتتمثل فى إقامة مدينة صناعية متخصصة فى صناعة الأمصال والدواء، و مدينة صناعية متخصصة فى الصناعات الغذائية، و منطقة صناعية لصناعة التعبئة والتغليف، ومدينة صناعية خاصة بتجميع السيارات والمعدات وجميع السلع الهندسية، وأخرى سياحية تسويقية لأطقم السفن التى تمر من قناة السويس، وإقامة ترسانة بحرية لإصلاح وصناعة السفن تعمل على صيانة وإصلاح السفن التى تمر بالقناة،وإحياء مشروعات الهيئة العربية للتصنيع الخاصة بالمركبات والجرارات، ومشروع زراعة مليون فدان المسمى بقرية «الأمل» - «الاستزراع السمكي» وغيرها ، وكلها مشروعات لن تتمكن الدولة وحدها من إقامتها وإدارتها، بل وليس من المطلوب أيضا ان تتحملها الدولة وحدها، بل وليس من الملائم حرمان رأس المال المحلى من المشاركة فيها لتنميتها من جهة، والحصول على عوائد لاستثمارها من جديد، بما يحقق نظرية مضاعف الاستثمار. 4 معايير للنجاح ومن هنا، فان المطلوب الالتزام بتطبيق 4 معايير لضمان نجاح تجربة التنمية فى محور قناة السويس، وتجنب سيناريو فشل المشروعات الكبرى التى تم الاعلان عنها فى اواخر تسعينات القرن الماضى ، والشرط الأول هو وجود دراسات جدوى تفصيلية لاولويات التنمية، طبقا للمناطق ونوع الاستثمار،وتحديد مناطق الاستثمار المتاح للمصريين فقط، وما هو متاح للاستثمار الاجنبى او الاستثمار المشترك، والعمل على تذليل جميع العقبات امام انتخاب برلمان يعبر عن الاحتياجات الحقيقية للمصريين، ومد جسور الثقة بين الدولة وبين رجال الأعمال المصريين فى الداخل والخارج، وكذلك مع اتحادات العاملين المصريين بالخارج، لبحث إمكانية إنشاء أو المساهمة أو تمويل المشروعات المقترحة فى منطقة محور قناة السويس، وإعادة هيكلة وزارة الاستثمار بما يجعلها المسئولة عن إصدار مختلف تراخيص إنشاء الشركات، أو جعلها الوسيط الكامل بين كل قطاعات الدولة، وبين المستثمرين. نقلة نوعية ومن حيث المبدأ، فإن انجاز قناة السويس الجديدة خلال عام كما يقول عبد الحميد كمال منسق الجبهة الشعبية لتنمية محور قناة السويس - يعد عملا تاريخيا تنعقد عليه الآمال فى نهضة اقتصادية، ومع هذا الإنجاز، الذى تم فى هذا الوقت القياسي، أصبح من الضرورى مناقشة تفاصيل مخطط التنمية فى محور قناة السويس مع منظمات المجتمع المدني، ولابد من الاستفادة من الأسباب التى أدت على تعثر العديد من المشروعات التنموية التى تم عرضها من قبل، كمشروع تنمية شمال غرب خليج السويس الذى تأخر أكثر من 12 عاما، ولم يحقق التكلفة والعائد المرجو منه، يضاف إلى ذلك تعثر مشروع وادى التكنولوجيا فى الإسماعيلية، أما مشروع شرق التفريعة فى بورسعيد فحدث ولا حرج ، فقد تأخر أكثر من 12 عاما، بالرغم من حصول المستثمرين ورجال الأعمال على الإعفاءات الجمركية، والضرائبية، والتسهيلات المصرفية من البنوك، وكانت النتيجة ضياع فرص الاستثمار المحلية والدولية المتاحة فى تلك المنطقة، كما تأخرت المنافسة بين المناطق الاقتصادية فى مصر ومثيلتها فى جبل على بدبي، والمناطق الحرة فى جنوب شرق آسيا، بالرغم من أهمية موقعنا الاستراتيجي. مشروع متكامل للتنمية ويشكل مشروع قناة السويس الجديدة كما يقول الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية- خطوة مهمة تستهدف زيادة الدخل القومي، بمضاعفة إيرادات القناة بنحو 259 %، مما يوفر ما يقرب من مليون فرصة عمل فى إنشاء مدن صناعية على ضفاف القناة منها منطقة إنشاء سفن وحاويات، وتصنيع سيارات، وتكنولوجيا متقدمة وصناعات خشبية ، ومنسوجات، وأثاث، وصناعات زجاجية، وتحقيق عائد سريع ، وتوفير الأمن الغذائى من خلال إقامة مشاريع الاستزراع السمكي، مؤكدا أن مصر أمام مشروع ينهض بالمنطقة بشكل كامل، ليس فى محافظات القناة فقط ، ولكن فى شمال وجنوبسيناء، كما أن مشروع قناة السويس سوف يسهم فى إحياء حلم وادى التكنولوجيا فى الإسماعيلية ، وإقامة جامعة تكنولوجية حديثة فى محيطه، وتغيير خريطة مصر السكانية، حيث من المقرر وفقا لمخطط المشروع، بناء مجتمعات عمرانية جديدة فى سيناء، وعلى جانبى القناة فى محافظاتالسويس ، والإسماعيلية ، وبورسعيد، ومن ثم يسهم فى تخفيف الكثافات السكانية فى المحافظات المجاورة وتحقيق الأمن القومى لسيناء التى كانت تعانى لفترة طويلة من الفراغ السكانى.