انتقد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فتاوى تحريم التحف والتماثيل والتكسب من التصوير وتدمير آثار ذات قيمة فنية باسم الإسلام. مؤكدا أن الكثير من آلام الناس ومشكلات الأسر والبيوت التى تهدمت وتفكَّكت كان بسبب فتاوى مقولبة، وأحكام بنيت على أعراف ملائمة لبيئة وغير ملائمة لبيئة أخرى، أو على أعراف قديمة تبدلت وتغيرت عدة مرات، ولا يزال ينقل ما بنى عليها من فتاوى نقلًا حرفيًا مُسلّمًا، كأن التشريع توقف بحياة الناس عند تاريخ معين، وفى بيئة جغرافية معينة. وحذر من التساهل فى فتاوى التكفير والتفسيق والتبديع والذى يؤدى إلى إثارة الفتنة بين المسلمين، وتعميق الفرقة والخلاف بينهم. واستحلال الدماء المعصومة باسم الكفر والخروج عن المِلَّة. وأضاف شيخ الأزهر فى كلمته خلال افتتاح المؤتمر أن تحريم صناعة التماثيل فى صدر الإسلام معلل بما استقر عليه من أنها كانت تعبد من دون الله، وكان من المحتم تحريمها من باب سد الذرائع، متسائلا: ما علة التحريم الآن بعد أن استقر الإسلام وتلاشت عبادة التماثيل مع التوحيد ولم نسمع أن مسلما عكف على عبادة تمثال؟ وأكد الطيب أن الرسول طمأننا قبل الانتقال للرفيق الأعلى أنه لا يخاف علينا من الشرك، وأن المسئولية تحتم التيسير على المسلمين ورفع الحرج ومراعاة الأحوال، فإن التساهل فى فتاوى التكفير والتبديع آل بنا إلى ما ترون من قتل وسفح واستحلال للدماء باسم الكفر والخروج عن الملة، مشيرا إلى أن قاعدة تغير الفتوى بتغير العرف أصبحت مهملة. وأوضح أن الفتاوى المتشددة شغلت المسلمين عن أخذ مكانتهم بين الأمم، لافتا إلى أنه لا تزال هناك فتاوى بنيت على أعراف انتهت، وأن الفترة المقبلة لابد أن ترتب فيها الأولويات لمجابهة الواقع وتحدياته حتى تؤسس لواقع صالح لكل مكان وزمان. وقال الطيب إن مراعاة الفتوى الصحيحة هى العاصمة من الترخص الذميم والتحلل من ربقة الدين، وإن صناعة الفتوى السليمة هى الكفيلة بترغيب الناس فى الالتزام بالشرع الحنيف،، وان التحرُّج والتأثم هما مفترق طريق تضل فيه الفتوى بين الإفراط والتفريط. وأشار إلى أنَّه من حق المسلمين أنْ يجَدِّدوا النَّظَر فى هذه القضايا وأمثالها، فإن وُجد قاطع صريح لا يحتمل التأويل بحال، فلا كلام ولا نظر ولا تجديد، ولا يسع المسلمَ حينئذ - إلَّا أنْ يُسَلِّم لله ورسوله طائعًا مختارًا.. وإن لم يوجد قاطع، فالمسئولية أمام الله تُحَتِّم التيسير على المسلمين فى هذا الزمان، ما دام هذا التيسير فى إطار المقاصد الشرعية والقواعد الكلية، بعيدًا كل البُعد عن التقليد المعصوب العينين، والجمود على ظواهر النصوص دون استشراف لآفاق التيسير ورفع الحرج ومراعاة الأحوال، والتى تختزنها هذه الظواهر أنفسها، غير أنَّها تحتاج إلى مَن يكتشفها وينزل بها إلى واقع الناس. كما طالب المفتين بأن يجدِّدوا النظر فى تولى المرأة القضاء، فى وقت صارت المرأة فيه ضابطًا وقائدًا للطائرات وأُستاذًا فى الجامعة ووزيرًا فى الحكومات.. فهل لا تزال أحكام المرأة فى ظل هذه الأعراف المتغيرة هى أحكام المرأة أيام كان العرف يقضى بأن الحصان الرزان من النساء هن من كنَّ حبيسات القصور والدور والخيام؟!. وقال الطيب إنه آن الأوان لأن نبعث مثل هذه الكنوز من مراقدها فى تراثنا العظيم، وننفض عنها غبار الإهمال الذى حرم الناس من يسر الشريعة ورحمتها، وأن نستلهم هذه الكنوز فى صناعة الفتوى، فهى وحدها الكفيلة بترغيب الناس فى الالتزام بأحكام الشرع الشريف، وهى وحدها العاصمة للفقيه والمفتى من إرهاق الناس وحملهم على ما يشق عليهم، وهى العاصمة أيضًا من الترخص الذميم الذى يقترب من تحليل الحرام وتشجيع الناس على التحلل. وأعرب شيخ الأزهر عن أمله أن يكون المؤتمر فاتحة خير لعهد جديد من الإفتاء تُرتب فيه الأولويات، وتراعى فيه الأعراف والمقاصد حتى نتمكن من مجابهة الواقع وتحدياته ومستجداته بفتاوى تؤسس لمجتمعات تنعم بالأمن والسلام فى ظل شريعة سمحة صالحة لكل زمان ومكان.