رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة :"أمين عام الأممالمتحدة بان كى مون يطالب الدول الأعضاء برفع السرية عن الأحداث المحيطة بمصرع أمين عام الأممالمتحدة السابق داج همرشولد". قفزت تلك الرسالة المقتضبة على شاشة تليفونى المحمول لتفتح الكثير من ملفات الماضى الغامضة التى مازالت تؤثر فى عالمنا حتى اليوم. كان داج همرشولد القادم من إحدى الأسر العريقة بالسويد هو أمين عام منظمة الأممالمتحدة خلال الفترة بين عامى 1953 وحتى مصرعه عام 1961. وما من شك أن فترة قيادته للمنظمة الأممية إستحقت عن جدارة أن توصف ب "العصر الذهبى للأمم المتحدة". وقد لقى همرشولد، ومعه 15 شخصا، مصرعهم بينما كان فى طريقه للتوسط فى هدنة فى كاتانجا التى توجد حاليا بجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتحطمت الطائرة فوق روديسيا الشمالية التى تعرف حاليا باسم دولة زامبيا. وخلال السنوات الأخيرة عاد الإهتمام بمعرفة حقيقة إذا ما كان همرشولد قد تم إغتياله فى حادث مدبر أم أنه لقى مصرعه فى حادث طيران عادى. وقد عين أمين عام الأممالمتحدة الحالى بان كى مون فريقا مستقلا من الخبراء (3 أفراد) فى شهر مارس 2015 عملا بقرار الجمعية العامة لدراسة وتقييم المعلومات الجديدة المتعلقة بمصرع همرشولد والمرافقين له. وتضمن عمل اللجنة فحص وتقييم المعلومات الجديدة، بما فيها تلك المتعلقة بفرضيات مختلفة من الأسباب التي أدت إلى وقوع الحادث. وقدم الفريق تقريره الذى يتضمن النتائج والاستنتاجات والتوصيات فى يوليو 2015. ووجد الفريق معلومات جديدة، تم تصنيفها كمعلومات ذات قيمة ثبوتية معتدلة، كافية لمواصلة السعى وراء إحتمال وقوع "هجوم جوى" أو "تدخل آخر" بوصفه فرضية أو سبب محتمل لتحطم الطائرة". وقد لمس الفريق أن هناك جهات ودولا تخفى معلومات حول الحادث الذى وقع منذ أكثر من 50 عاما مما دفع الأمين العام إلى الدعوة لمزيد من التحقيق للتوصل إلى الحقائق، وحث الدول على رفع السرية عن أى معلومات تتعلق بالظروف المحيطة بالحادث وتقديم أية سجلات ذات صلة. لقد حصل همرشولد على جائزة نوبل للسلام بعد "مصرعه" فى عام 1961 لأنه دفع حياته من أجل السلام، ومساندة حركات التحرر فى العالم. فقد ذهبت الأممالمتحدة فى عهد قيادة داج همرشولد إلى مناطق وقضايا لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يتخيل أن تطرقها المنظمة الأممية ولا أن تسهم فى تسويتها. وكانت السنوات التى قاد فيها همرشولد الأممالمتحدة حاسمة فى تاريخ البشرية. فقد تولى منصبه عقب الإطاحة بترجيف لى الذى تم إجباره على تقديم إستقالته. وفيما يشبه معجزات الأساطير الإغريقية نجح همرشولد فى تمكين عدد كبير من دول العالم الثالث من الحصول على حريتها وإستقلالها عن دول الإستعمار القديم وفى مقدمتها بريطانيا وفرنسا. ولم يكن من الغريب أن يفقد همرشولد حياته فى سماء أفريقيا بعد عام التحرر الأفريقى عام 1960 الذى شهد إستقلال عدد كبير من الدول الأفريقية. كما كان "من المتوقع" أن يفقد حياته نتيجة حربه ضد قوى الإستعمار وضد الطامعين فى السيطرة على الأممالمتحدة (مثل الولاياتالمتحدة والإتحاد السوفيتى وحلفائهما) وتحويلها من مؤسسة للتعاون الدولى وإدارة مشكلات العالم إلى مجرد "أداة" لخدمة مصالحهم!! وإتخذ همرشولد موقفا قويا ضد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وأسهم مع قوات الأممالمتحدة فى خروج قوات العدوان الإستعمارى من مصر تنفيذا لقرارات الأممالمتحدة. ولم يكن بالأمر الغريب أن تذيع وسائل الإعلام الأمريكية بعد مصرعه تصريحات الرئيس الأمريكى السابق، هارى ترومان، عندما قال للصحافة بعد يومين من الحادثة: "داج همرشولد كان على وشك إتمام أمر ما عندما قُتل. لاحظوا أنى قلت (قتل)". وهكذا يبدو من الواضح أن الصراع أبدى لا ينتهى بين قوى الطغيان والهيمنة ودعاة الإستعمار وإستعباد العباد من جانب وبين دعاة التعاون والتضامن والتآلف والتنمية الإيجابية من جانب آخر. ويبدو أيضا أن الوقت قد حان للتحرك والنجاة بالبشرية والعالم من جنون قوى الطغيان التى تكاد تحرق بسوء إدارتها للأمور ماضى وحاضر بل ومستقبل البشرية. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ