بمناسبة قانون الخدمة المدنية الجديد ، والاحتجاجات التى تقودها مجموعات من موظفى الدولة ، يلفت النظر أن جميع الموظفين فى نهاية خدمتهم تجدهم لم يحصلوا على الورق على أى إجازات رسمية ، ولا حتى يوم غياب طوال السنوات الخمس أو العشر التى تسبق الإحالة للمعاش وهم فى الحقيقة حصلوا على أضعافها إذ ان هذه السن يكون فيها الموظف أكثر تعبا وأقل إنتاجا من الناحية الصحية ، بدليل أنه يتحول إلى المعاش بعدها ، وهى الفترة التى يعتبرها البعض "لعبا" فى الوقت الضائع ، وأن خدمتهم انتهت ببلوغ الخامسة والخمسين ، فعندما تحادث أحدهم يقول لك خلاص قربنا على المعاش ، فلا يعمل أى شئ وبجلس متجمدا فى ظل العمل براتب صخم بلا أى إنتاج ، ليعد الأيام منتظرا هذا المعاش ومكافأة آخر الخدمة ، وبرغم غيابه عن العمل دائما تحت مسمى انتظار المعاش يحرص على أن يكون حاضرا يوميا على الورق ، وعدم تدوين إجازاته السنوية أو شبه اليومية ، ليطالب الدولة ببدل هذه الإجازات بأجر ، وليحصل على عشرات الآلاف من الجنيهات دون وجه حق ، والغريب أن مسئولى الدولة جميعا يعرفون ذلك لأنه مقدمة لهم لنهب المال العام ، وتحت أى مسمى أو تبرير أخلاقى أو غير أخلاقى كل حسب ثقافته وفكره ، نضيف إلى ذلك المسئول الكبير الذى ليس له توقيع حضور وانصراف ، وإذا كان له فالتوقيع تم بالفعل وهو نائم فى منزله ، وكل المسئولين كذلك بلا استثناء ، يحصدون عشرات الآلاف من الجنيهات بدل إجازات بالكامل عن السنوات العشر الأخيرة ، فالعملية هنا مهما كان مسماها جريمة سرقة لمال الدولة ، فهل هذا الموظف أو المسئول لم يحدث له طارئ أو لم يذهب بأولاده إلى المصايف أو لفرح أوعزاء فى بلده أو منطقة نائية طول عشر سنوات ، حتى لو كان آلة فهى فتحتاج قطع غيار ، أمايحدث فهو سرقة للدولة التى تتسول رغيف الخبز ، كما يلاحظ أن الموظف الذى لم يغب عن عمله وفق الأوراق الرسمية لو كان ذلك حقا كذلك لما استحق المكافأة ، ولتأكدنا أنه لم يعمل شيئا مفيدا ، لأن الإجازات إحدى وسائل الاستجمام والاستمرار فى العطاء فى العمل والإنتاج
لذلك لا نتعجب أن يفضل معظم الناس العمل الحكومى ليس لأنه مضمون الراتب فقط. ولكن لأنه لا أحد يحاسب الموظف ، فيفعل كل شئ دون حساب أو عقاب ، وتجتمع هذه الرغبة لدى الموظف ورئيسه أحيانا ، فهو يقفز دون عناء للموقع الوظيفى الذى يعتمد على أشياء غير الكفاءة ، وبعد مدة قضاها نائما على المكتب فهو يحصل على تقدير امتياز ، لأنه لم يحصل على أى جزاء فهو لا يعمل ، ومن لايعمل لا يخطئ ، كما أن الفصل من العمل شبه ممنوع ، فليست هناك مشكلة ، فيتفرغ للحرب من أجل العلاوات والامتيازات ، حتى يصل إلى أعلى المناصب ، لذلك لا تتعجب أن تكتشف أن معظم من يتولون المناصب الكبرى هم دون المستوى الفكرى والعقلى والوظيفى ، وربما الأخلاقى أيضا ، بينما ينسبون لأنفسهم بطولات وهالات وهمية ، ويصبحون مثلا أعلى مدمر لأخلاق ومستقبل الشباب ، ونموذجا للفهلوة وسرقة الدولة ، لأنه ليس لها صاحب _حسب تعبيرات البعض ، فهم يديرون العمل بنظام (الشلة) ، فالمهم هنا ليس العمل أو الغياب والحضور والانصراف الوهمى عادة ، ولكن الأهم هو أن يكون رئيس العمل راض عن الموظف من خلال العلاقة الخاصة جدا ، والتى تمتد للترقى والتميز دون مقياس ألعمل والإنتاج لذلك تجد هذه النوعية تفوز بالمكافآت والحوافز ، فإذا جاء سن المعاش يصعب عليهم أن يتركوها دون امتصاص دمها ، فيطالبون بفرق أيام الأجازة التى أخذوها عمليا ، وذلك كله نتيجة غياب أجهزة الرقابة التى استطيع أن أقول إنها الأخرى تحتاج رقابة على بعضها بعد أن فسدت الضمائر. إن كل هذه المشاهد اليومية والمعتادة فى الحياة الوظيفية تستحق إعادة النظر فى أداء الموظف وأحقيته من حيث الكفاءة والإنتاج للاستمرار . لمزيد من مقالات وجيه الصقار