في كتابه المهم: مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان. ورغم سيل الكتب التي تصدر عن السنوات الماضية. إلا أن كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل يبدو علامة فارقة في كتاباته. له ما قبله وسيكون له ما بعده. وهو ليس كتابا واحدا. بل ثلاثة كتب تشكل ثلاثية تتحدث عن مصر في الثلاثين سنة الأخيرة. وما جري فيها وما وقع لها وما حدث حولها. في الفصل الأول من الكتاب نقرأ أكثر مما يبدو علي السطح. يورد الأستاذ محمد حسنين هيكل قصة اغتيال الهادي المهدي بشحنة متفجرة وضعت داخل سلة من ثمار المانجو وصلت إليه. وقيل ضمن ما قيل عن عملية الاغتيال أن اللواء حسني مبارك. وهو الرجل الثاني في بعثة سافرت للخرطوم مع أنور السادات نائب الرئيس جمال عبد الناصر في ذلك الوقت. وكان تمرد المهدية علي نظام جعفر نميري وصل لنشوب صراع بين الطرفين. كان ذلك سنة.1970 وقد ذهب مبارك إلي السودان في صحبة أنور السادات لبحث ما يمكن أن تقوم به مصر لتهدئة موقف متفجر جنوب وادي النيل ولتعزيز موقف جعفر نميري في تلك الظروف العربية الحرجة. كانت أول توصية من بعثة أنور السادات وقتها هي الاستجابة لطلب الرئيس السوداني بأن تقوم الطائرات المصرية المتمركزة في السودان بضرب مواقع المهدية في جزيرة أبا لمنع خروج قواتها إلي مجري النيل. وقد رفضت القاهرة الوحدوية عاصمة القومية العربية تنفيذ الطلب لأنه لا يمكن لسلاح مصري أن يسفك دما سودانيا مهما كانت الظروف. وأول اتهام لمبارك بمسئوليته عن التفجير يورده الأستاذ هيكل هو ما قاله الفريق محمد أحمد صادق لهيكل: - إذا كان مبارك قد دخل في هذا الموضوع فلا بد أن الإلحاح والتدبير الأصلي كان من جانب نميري ثم أضاف صادق: - أن أول مزايا مبارك أنه مطيع لرؤسائه. ينفذ ما يطلبون ولا يعترض علي أمر لهم. ودليل الاتهام الثاني وثيقة بخط يد سامي شرف شفاه الله من مرضه بتاريخ1970/4/1 ومن الواضح أن أنور السادات كان يحكي علي التليفون وسامي شرف يلاحق ما يسمع ويسجل ما قاله له السادات: - مبارك تقرير عن سبت القنابل اللي بعتناه وسبب نجاح العملية. نتائجه قوية جدا. وفي هامش أسفل الصفحة يكتب هيكل: - أي أن السادات طلب من مبارك أن يضع تقريرا مفصلا عن عملية وضع القنابل في سلة المانجو. والدليل الثالث: ظهور أجواء في الصحف الموالية للمهدي في الخرطوم عن شكوك بأن حسني مبارك كان اليد الخفية التي دبرت إرسال الهدية الملغومة. ثم تلقي الوفد المصري وفيه السادات ومبارك أمرا من القاهرة بمغادرة الخرطوم والعودة فورا لمصر. أضيف من عندي أنني استمعت بأذني من الصادق المهدي ومن زوجته سارة المهدي في منزله بالخرطوم ترديد لنفس الاتهامات لمبارك بضلوعه في قتل الهادي المهدي. وإن كانا لم يذكرا حكاية قنابل المانجو. بل قال إنه كان هناك قصف بالطيران أدي إلي قتل الهادي المهدي. ومن قام بالقصف هو مبارك. قبل مناقشة الأدلة التي ساقها الأستاذ هيكل في كتابه لاتهام مبارك بقتل الهادي المهدي. والأستاذ هيكل هو من هو في التدقيق والبحث والتمحيص وفحص كل الأدلة بعناية ربما تفوقت علي قدرة رجل القضاء. وأنا لست في حاجة للتعبير عن إعجابي الشديد بكتابة الأستاذ هيكل الذي تفوق علي كل ما كتب عن مبارك حتي الآن. وأنا أعرف مدي إحساسه بالمسئولية فيما يكتبه وتدقيقه لكل معلومة يوردها. وسؤاله أكثر من مصدر حول المعلومة الواحدة مهما كان من عدم أهميتها. ولكن ليسمح لي الأستاذ الكبير بل أستاذ الأساتذة أن أناقشه في ملابسات الحادث: من المعروف أن مبارك عندما سافر إلي الخرطوم برفقة السادات كان يشغل منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية. وهو الدور الذي تولاه من يونيو69 حتي أبريل1971 عندما عين قائدا للقوات الجوية. ليس هدفي الدفاع عن مبارك أبدا. ولكن هل يتمكن رئيس أركان حرب القوات الجوية من تنفيذ عملية بهذا القدر من التعقيد؟ التي تتطلب تكاتف وتعاون أجهزة أخري كثيرة في الدولة المصرية؟ كان لا بد من تعاون كبير من قبل جهاز المخابرات العامة. وغيره من أجهزة الدولة المصرية في ذلك الوقت. فهل كان يمتلك ذلك رئيس أركان حرب القوات الجوية أن ينسق بين هذه الأجهزة الكبيرة التي كان يتبع بعضها الرئيس مباشرة؟!. ثم أن قتل زعيم سوداني ينتمي لبيت المهدي المعروف بعدائه التاريخي مع مصر. مثل هذا القرار هل كان يقدر السادات وهو مجرد نائب لعبد الناصر إن يتخذه وأن يضعه موضوع التنفيذ؟. لا يجب أن ننسي أننا نتكلم عن مصر عبد الناصر حيث كانت الدولة المصرية شديدة القوة والتماسك. وكان ظل الزعيم يطوي الوطن كله تحته. وكانت شرعية العصر كله هي شرعية الرجل الواحد الذي كان جمال عبد الناصر. المزيد من مقالات يوسف القعيد