تعاطى المخدرات بأنواعها المتعددة، إلى درجة الاعتياد أو الاعتماد أو الإدمان، ظاهرة شائعة منذ القدم. ذلك لأن من البشر أناسا لا يستطيعون تحمل أعباء الحياة ويجدون أنفسهم عاجزين عن مواجهة مشاغلها، وتضيق صدورهم بهمومها، فينشدون الخلاص من وطأة الأعباء والمشاغل والهموم، بتعاطى شتى أنواع المخدرات التى يعتقدون خطأ أنها تنقلهم من حالتهم التعسة، إلى حال أخرى هنية ينعمون فيها بخلو البال وهدوء النفس، وارتخاء الجسم وصفاء الحس. وإذا أردنا أن نتعمق فى النظر إلى مشكلة المخدرات، كى نفهمها، ونفسرها، على أساس كونها من الظواهر المعتلة الملازمة للمجتمع، قديمه، وحديثه، نجد أن لها جوانب أربعة محددة، لكل منها ميدان قائم بذاته، متكامل الحقائق، مترابط العناصر. تلك الجوانب هي: جانب الانتاج، وجانب التوزيع، وجانب الاستهلاك، وجانب المكافحة. وبهذه الصورة تبدو ظاهرة تعاطى المخدرات ظاهرة اقتصادية تعتمد على قانون العرض والطلب، الذى يتحكم فى انتاجها وتسويقها. ولعل الجانب الثالث من مشكلة المخدرات وهو شديد الأهمية لأنه يرتبط بمستهلكيها، أى أولئك الذين يتعاطونها، سواء أكان هذا التعاطى بالمصادفة فيكون بتأثير رفيق من معتادى تعاطى المخدرات الذين يحبون استهواء رفقائهم اليها، وتزيينها لهم، والمبالغة فى وصف آثارها فى نفوسهم، وأجسادهم بأسهل الطرق لتعاطيها. أما التعاطى للمناسبة فيتبع نوعا خاصا من العرف الذى يشيع بين بعض الناس، ويحتم عليهم تقديم المخدرات فى المناسبات التى تشيع فيها البهجة مثل أفراح الزواج والميلاد، وغيرهما. والجانب الرابع من جوانب مشكلة المخدرات هو جانب مكافحتها، ويشمل هذا الجانب العوامل التى تدفع الدولة إلى تجريم منتجيها، وناقليها، وبائعيها، ومتعاطيها. كذلك تشمل الاجراءات العلاجية كل الجهود الاصلاحية التى تهدف إلى إعادة تعويد المتعاطى الانقطاع عن تناول المخدرات سواء أكان ذلك بواسطة العيادات الخارجية، أو مؤسسات للإقامة الداخلية، أو عن طريق الاندماج فى جماعات مكونة من أفراد كانوا مدمنين، ثم استطاعوا التخلص من استعباد المخدر، وتنفيذ برامجهم الصارمة فى تعويد المدمنين على العيش والعمل دون تعاطى مخدرات. وقد رأيت أن أبدأ الحديث عن ظاهرة المخدرات، تعاطيا، وإدمانا، وذلك فى إطلالة تنويرية كاشفة، وجدتها شديدة اللزوم، قبل أن يحين الوقت لتناول مسلسل ناجح موضوعه الأساسى «المخدرات»، فالمسلسل، معاصر، وهو أيضا مجتمعي، كما أنه جديد وجاد، لأنه يلقى الضوء على ظاهرة اجتماعية نفسية معتلة، تهاجم بيوتنا، وأسرنا، وأبناءنا، وبناتنا، وهى أولا وأخيرا، تهاجم وطننا الذى نحرص على بنائه من جديد. ويصور المسلسل الذى نتناوله (تحت السيطرة) ملامح حقيقية من الشخصية المصرية، فى بعض جوانبها، ودقائقها، فهو يكشف عن (أسلوب حياة) من يتعاطون، وأين يسكنون، وما هو مستواهم الاجتماعى والاقتصادي، وما هى اللغة اليومية التى يتعاملون بها ويتحدثون، فلغة بعض المتعاطين من الطبقات العليا، والمتوسطة، تختلف عن لغة الحياة اليومية لتجار الصنف (وهم درجات)، ولغة الموزعين، والبائعين، وأساليب الحياة لكل فئة تختلف، وتتعدد. والحقيقة أننى أسجل إعجابى الشديد بالتكامل، والتضافر، والتآزر بين المؤنث والمذكر فى المسلسل. تفوقت الإناث، وتميز الذكور، لم يفكر أحد من أبناء المسلسل، فى دوره فقط، قدر ما كان يفكر، بروح الفريق (team work). أول مؤنث شدنا فى المسلسل هى المؤلفة، مريم ناعوم، التى اختارت موضوعا مجتمعيا، ليس بسهل التناول، وهو «ظاهرة المخدرات»، بتعقيداته، وأخطاره، وجهل الكثيرين به. فكانت هى التى كتبت، وأبدعت، وتفردت، ومن الصدف الحلوة، أن يشاركها الكتابة، والمعالجة مخرج العمل تامر محسن، الذى جمع بين محاسن التأليف والإخراج، فاستطاع أن يكون المايسترو لفريق العمل كله حتى أتى بهذا الشكل المتميز المبهر، وبذلك استحق تهنئة مضاعفة. أما ثانى إسهام مميز للإناث فى مسلسل (تحت السيطرة)، فكان إسهام مريم أو نيللى كريم رائعة المسلسل التى أكدت معنى السهل الممتنع، لقد أقنعتنا ببساطة شديدة، أن عملها فى المسلسل يرشحها للعالمية، فهى عفوية الحركات، بسيطة الملبس، والماكياج، حقيقية وليست بمفتعلة، مزجت فى أدائها بين النفسي، والاجتماعي، فى ذات الوقت، لهذا استحقت أن تكون بطلة المسلسل بلا جدال، مع الأخذ فى الاعتبار أن المسلسل كان يوشى دائما، بالبطولة الجماعية، وروح الجماعة. أما أصغر إناث المسلسل وهى (هانيا)، فقد قدمت دورا استثنائيا، شديد الإيحاء، عظيم الإقناع، وهى رغم صغر سنها، فقد أدت أدوارا متداخلة شديدة التعقيد، فهى فتاة متمردة، وبخاصة على أمها تارة، وهى زوجة صغيرة جدا، لمتعاط اسمه »علي« فى المسلسل، قام بتعليمها التعاطي، الذى أوصلها إلى الإدمان، وهى تتعرض لحادث اغتصاب، على مرأى ومسمع من زوجها، الذى كان لا حول له ولا قوة تحت تأثير التعاطي، ميكانيزمات الأداء الصعب عند »هانيا« فى المسلسل، والتى كانت تقدمها ببراءة شديدة، وصدق أشد، توحى بمولد نجم من طراز جديد، فقد كانت بحق مفاجأة المسلسل. وتتوالى الأسماء ما بين مذكر ومؤنث، فى مسلسل (تحت السيطرة)، فيطالعنا وجه شريف المبتسم الودود دائما، والمقنع لزملائه بعد تعافيه من المخدر، «بالتبطيل» سواء كانوا إناثا أم ذكورا، فله التحية والتقدير. أما «حاتم»، فقد كان يجسد شخصية الزوج الشرقى المركبة، الذى تتنازعه عوامل الحب والكره معا، طلق حاتم مريم «فى المسلسل» حين علم بأنها كانت مدمنة، لكنها تعافت، ورفض أن تربى «مريم» ابنتها منه، كانت ردود الفعل السلبية من المشاهدين «لحاتم»، تنبئ عن نجاحه. إن المسلسل يدعو إلى أهمية العلاج بالحب، والاحتواء، وليس بالتباعد والإنكار، ولكن بشكل تلقائى, والمسلسل يخلو تماما من الصوت العالي، أو التوجيه المستفز. ومن مميزات (تحت السيطرة) أيضا، أنه أسهم فى تنوير الناس، وتوعيتهم بلغة، قد يعرفها أبناؤهم، وهم لا يدرون مثل الانتكاسة، والتعافي، التساؤل المتكرر بعين شخوص المسلسل، «هو فيه تبطيل؟»، ربما يعكس إرادة الكثيرين فى التخلص من هذه العادة التى تتملكهم، وتحط من إنسانيتهم. إن باقى أدوار المؤنث، وأدوار المذكر فى المسلسل كثيرة، كنت أود أن أتحدث عنها، وأوفيها حقها، لكنى مقيدة بعامل المساحة. شكرا لأسرة مسلسل (تحت السيطرة)، الذى سطر بحب، وأداه أبطاله بحب، وجاء بدعوة إلى الحب، فوصل إلى كل قلب. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى