أتابع باهتمام شديد القصص الإنسانية لقرائك.. وقد وجدتني أمسك بالقلم وأسطر إليك رسالتي التي اتوقف فيها عند قصتي أنا واختي فنحن شقيقتان وعينا علي الدنيا بلا أم وعلمنا أنها ماتت وهي تضع أختي التي تصغرني بعامين ولم يتحمل أبي الحياة بمفرده فغادر بلدتنا إلي مكان لانعلمه وتزوج واستقل بحياته وتركنا في رعاية جدتنا لأمنا وهي سيدة بسيطة. ولم يكن لها مورد رزق سوي معاش الضمان الاجتماعي ولم يكن لها أولاد آخرون. وقد كرست جدتي حياتها لنا, وعملت في التجارة البسيطة ثم افتتحت محلا صغيرا للبقالة..وأسهم معها أهل الخير, وتدرجنا في التعليم حيث تخرجت في كلية التربية, وتخرجت اختي في كلية الآداب وجاءنا من يطلب يدي من أهل البلدة, وكان يعلم ظروفنا جيدا, فلم يطلب منا أي مساهمة في الأثاث وقال إنه سوف يتكفل بكل شيء, وأنه يكفيه ما أنا فيه من أدب وأخلاق, وانه يقدر هذه السيدة العظيمة علي حد تعبيره, لكنها أصرت علي أن تسهم في الزواج بما تستطيع, وبالفعل اشترت لي الأجهزة الكهربائية بالتقسيط, وأسهمت في شراء الأثاث.. ولا استطيع ان اصف لك فرحتها يوم زفافي, ووسط الزغاريد شاهدت الدموع تنساب من خديها.. وفي نهاية الحفل اخترقت صفوف الحاضرين الذين جاءوا من أنحاء البلدة لمشاركتي فرحتي, وطبعت علي جبيني قبلة العمر إنها أمي التي لم أرها.. والتي ربتني واحتضنتني وأختي عندما رمانا أبي وكان الله معها ومعنا فشد من ازرها واعانها علي تربيتنا وانتقلت إلي عش الزوجية. .. ووجدت كل حنان ورعاية من زوجي, وأحسست ان الله سبحانه وتعالي كافأني وعوضني به عن جدتي, وبعد عام انجبت ولدا جميلا وصارت لي أسرة صغيرة, ثم تزوجت اختي بنفس طريقتي وتكرر السيناريو نفسه معها..ونظرت إلي جدتي فوجدت علامات الرضا والطمأنينة قد بدت علي وجهها البشوش, فلقد أدت رسالتها تجاهنا, وأصبحت لنا أسر مستقرة. إنني اكتب إليك هذه الكلمات لكي يعرف قراؤك ان هناك من قمن بدور الأمهات لأبناء لم يضعنهن.. ولكي اقول لجدتي شكرا لك يا أمي, وكل سنة وانت طيبة. من حق جدتك ان تبتسم وترتسم علي وجهها علامات الرضا والسعادة, فلقد احسنت تربيتكما وكانت لكما الأب والأم معا.. بعد ان ماتت أمكما, وتخلي عنكما ابوكما. انها سيدة من طراز خاص ندر وجوده في هذا الزمن الذي طغت فيه الماديات, وأصبح هم معظم الآباء والأمهات بعد الانفصال أو رحيل أحدهما ان ينصرف إلي نفسه وملذاته. وإذا كان أبوكما قد تخلي عنكما فإنه سوف يدرك إن عاجلا أو آجلا الخطأ الفادح الذي وقع فيه بالتخلي عنكما, فالإنسان كما يدين يدان. هكذا علمتنا تجارب الحياة, لكن الانانية تقف دائما بالمرصاد أمام هؤلاء الذين يغلب عليهم حب الذات.. وعندما يفاجأون بتقلبات الأيام لاينفعهم الندم! هنيئا لك ياسيدتي بحياتك وبجدتك المخلصة الصابرة التي حصدت بعض ماصنعت وهي علي قيد الحياة بزواجكما الناجح, وسوف تحصد المزيد من الخيرات في الدار الآخرة بإذن الله.