سطرت مصر أمس فصلا رائعا فى تاريخها الضارب فى عمق التاريخ بافتتاح قناة السويس الجديدة التى انتهت سواعد المصريين من حفرها فى عام واحد فقط فى إنجاز أدهش العالم، شرقا وغربا، ومنح الشعب المصرى طاقة أمل جديدة فى عملية إعادة البناء والتنمية الشاملة. وقف الرئيس عبد الفتاح السيسى على منصة الاحتفال الأسطوري، أمس، وسط زعماء وقادة الدول ورؤساء الحكومات من كل أنحاء العالم، فخورا وراضيا بما حققه أبناء شعبه من إنجاز كبير ولسان حال كل من شارك مصر فرحتها يقول: «إنكم أمة عظيمة تتحدى الزمن والصعاب لتصل إلى ما تصبو إليه» قصة القناة الجديدة.. سيرويها الآباء للأبناء والأحفاد بفخر وثقة وستكون نبراسا وبوصلة فارقة فى مستقبل أمة ركبت الطريق الصعب فى السنوات الأخيرة وأبحرت فى بحر الشرق الأوسط العاتية أمواجه والذى لو استسلم المصريون أمامه لكان البؤس والشقاء مصيرهم اليوم. احتفل المصريون أمس بالانتصار على دعاوى اليأس وكسر الإرادة التى حاول بعض السفهاء وكارهو استقرار دولتهم إشاعتها بينهم، وجاء حفر قناة السويس الجديدة رداً حاسما ومدويا على كل أعداء الحياة، وإشارة إلى العالم كله إلى أن مصر التى خرجت قبل عامين ضد جماعة ظلامية آن لها أن تأخذ مكانتها التى تليق بها فى عالم لا يعترف إلا بالإنجازات الحضارية والكد والعمل الشاق لصناعة المستقبل الأفضل. مشاهد أعلام مصر فوق البنايات وفى شرفات المنازل تمس القلوب وكلما اقتربنا أكثر من المجرى الملاحى لقناة السويس شعرنا أكثر بعظمة الملحمة وروعة الإنجاز التاريخى بينما كان الحضور الممثل لكل أطياف الشعب المصرى من شباب وشيوخ يصدح بالأغانى الوطنية التى تركت فى المكان عبقاً لا ينسى ورسمت على الوجوه ابتسامات موحية لا يمكن وصفها. فى المقابل، كانت العروض الجوية لسلاح الجو المصرى رسالة طمأنينة وفخار بقواتنا المسلحة التى مدت يدها إلى الأمة تدافع عن وطنها بساعد وتبنى بالساعد الآخر ولعلها كانت رسالة من قواتنا المسلحة أننا قد أوفينا العهد وقهرنا الصعب فى عام واحد بعد أن قاد رجالها البواسل أعمال الحفر ليظهر إلى النور المجرى الملاحى الأسرع فى العالم والقناة المزدوجة التى لا ينافسها أحد بمقاييس صناعة الشحن العالمية. مقاييس الإنجاز والعمل المدهش فى عام واحد، دفع دول العالم المختلفة إلى إرسال وفود رفيعة المستوى لتهنئة المصريين والإعراب عن تضامنهم مع شعب يعيش أجمل أيامه ليس فقط بسبب إقامة قناة ملاحية فى عام أو أقل ولكن أيضا لأنه شعب أثبت للكثيرين خرافة ما يروج فى الإعلام الدولى عن وطن غير مستقر وشعب على حافة الهاوية. لا يٌخذل شعب طامح إلى الترقى والتقدم طالما كان إيمانه بربه وعمله فوق أى محن أو صعاب. على ضفة القناة الجديدة أمس عبرت الحشود إلى الضفة الأخرى يحدوها الأمل فى عبور أكبر إلى المستقبل الواعد ولم يكن فى مخيلتهم أن حفر قناة نهاية المطاف بل هو مجرد وضع أساس لنهضة جديدة تزرع التفاؤل فى نفوس جيل جديد يتوق إلى رفعة الوطن بالعلم والعمل الجاد وتحقيق تكافؤ الفرص والإدارة الواعية. ملامح بعث روح جديدة فى نفوس المصريين بدت جلية فى احتفال الأمس وحانت فرصة تتويج ما وصلنا إليه فى ثورة الشعب فى 30 يونيو من رغبة فى الارتقاء بالوطن فوق كل الدعاوى الظلامية والاستبدادية.
قصة النجاح فى القناة الجديدة.. لا يمكن أن تمر مرور الكرام، لا نعلم الكثير عن حجم التحديات الضخمة التى وقفت فى وجه المشروع العملاق، فما نعلمه أن القوات المسلحة قد نجحت فى إحباط الكثير من المؤامرات التى حاولت عرقلة عمليات الحفر وبذلت جهودا هائلة لتأمين العمال والمعدات. وأذكر فى حوار مع أحد القيادات أن بادرنى بالقول هل فكر أحد كيف وفرنا كميات المازوت الهائلة للمشروع؟، فى إشارة بسيطة إلى واحدة من التفصيلات الكثيرة التى مر بها صانعو الإنجاز العملاق. من ينسى وقفة الشعب العظيم أمام البنوك المصرية لشراء شهادات الإستثمار فى القناة الجديدة وتغطية تكلفة المشروع فى أيام قليلة وصدق الرئيس السيسى عندما قال أمس الأول الشعب هو صاحب الإنجاز، ولم يبخل بأى شيء. لم يكن هناك تمويل من مؤسسات دولية مثل البنك الدولى أو غيره ولم نستعن ببيوت خبرة عالمية وكان التخطيط والتنفيذ والتمويل مصريا مائة بالمائة فى ظل ظروف داخلية وإقليمية غير مواتية للمضى فى عمل بضخامة حفر قناة جديدة ولكن حدث ما حدث ووقفنا بالأمس على شاطئ القناة نحتفل بإنجاز شعب.
على شاطئ القناة الجديدة.. وقفت وفود 121 دولة، يمثلون ثلثى دول العالم تقريبا، يصفقون للإنجاز العظيم ويثبتون أن خيارات المصريين فى محلها وأن رهانهم على صواب تلك الخيارات مسألة لم تهتز يوما فى العامين الماضيين. راهنت الولاياتالمتحدة وأوروبا على تصورات بعينها ورأت ان مصر ستدفع ثمنا غاليا للثورة الشعبية التى سحقت الأفاعى وعندما صمدت الأمة المصرية، وهو ما لم يحدث فى حالة دول كبرى واجهت جماعات الإرهاب لسنوات دون فائدة، ولم يحدث ما تصوره البعض راجعت تلك الحكومات مواقفها واليوم تقف داعمة لمصر فى خطط التنمية وهو انقلاب فى المواقف لم يكن سهلا أو بسيطا ولكنها إرادة المصريين التى انتصرت ودفعت الآخرين إلى تغيير منهج التعامل معنا. صمدنا فى وجه الإرهاب وحدنا دون تحالفات، مثلما وقف المصريون إلى جانب دولتهم فى تمويل مشروع القناة الجديدة بمجرد أن دعاهم الرئيس السيسى إلى شراء شهادات الاستثمار.
عندما.. وقفنا على شاطئ القناة الجديدة, تذكرت كيف هزم المصريون خط بارليف والساتر الترابى العملاق باستخدام مدافع المياه وحدها بعبقرية ضابط مصرى هو باقى زكى يوسف بعد ان كانت التقديرات الإستراتيجية فى أعتى الأكاديميات العسكرية تتحدث عن صعوبة تحطيم خط بارليف وقالت إن عملية تدميره تحتاج إلى قنبلة ذرية لكنها إرادة المصريين التى انتصرت بأقل الوسائل المتاحة، فكيف لنا أن نشك فى قدرة شعبنا على إنجاز قناة جديدة فى 12 شهراً أو تتزعزع ثقتنا فى هزيمة الإرهاب وإفشال خطط المتأمرين. بالحسابات النظرية، أو بالورقة والقلم، لم يكن إنجاز قناة السويس الثانية ممكنا فى الفترة الزمنية التى حددها الرئيس السيسى للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة والتى أمر بإختصارها من ثلاث سنوات إلى عام واحد فقط. وقد أضيف إلى تحدى الوقت، ظروف داخلية صعبة منها الإرهاب الأعمى والإصلاحات العاجلة فى مشروعات البنية التحتية ومنها التدخل العاجل لسد العجز فى توليد الكهرباء لكن القوات المسلحة المصرية مضت فى خطط الإشراف على حفر القناة وواكبت العمل فى المشروع الكبير عملية تحديث لقدرات الجيش المصرى شملت التدريبات المشتركة وإبرام صفقات نوعية بالغة الأهمية مثل صفقة مقاتلات الرافال الفرنسية وشراء فرقاطات حديثة وفى الطريق المزيد من صفقات التسليح الكبري. قائمة الدول التى وقفت إلى جانبنا تطول اليوم وفى مقدمة تلك الدول روسيا والصين وإيطاليا وفرنسا واليونان وقبرص والسعودية والإمارات ثم دول أوروبية مؤثرة مثل المانيا وبريطانيا ومؤخرا ما صدر عن الولاياتالمتحدة على لسان وزير خارجيتها جون كيرى خلال زيارته الأخيرة للقاهرة للمشاركة فى الحوار الإستراتيجى بين البلدين.
على ضفاف التاريخ المجيد.. لفصل من كفاح المصريين، وقفت حشود المصريين ووفود العالم ترمق الإنجاز الحضارى الكبير الذى برهن على صدق نوايا أمة تسعى إلى الأفضل، يسهر جيشها على حماية حدودها وصيانة أمنها وأمانها ويشرف على عمليات بناء وتشييد وتنمية حقيقية فيما ترى غالبية من شعبنا أن الطريق مازال طويلا وأن كل حبة عرق وقطرة دماء تهون من أجل رفعة الوطن الغالي.. لحظة الأمس على شاطئ القناة تمثل لنا جميعا تجديدا للوطنية المصرية وتجسيدا لمعنى الانتماء عندما يقترن بإنجاز نفخر به جميعاً ولو أحسنا صنعا ستكون تلك بداية لمزيد من الجهد والعمل المخلص من أجل مستقبل تلوح بشائره من هناك على شاطئ القناة التى عبرها المصريون يوماً فى معجزة لا تتكرر! المجد للسواعد التى حفرت قناة السويس الجديدة المجد لشهداء الوطن من رجال الجيش والشرطة تحيا راية أمتنا خفاقة عالية فى بلد حر تحيا مصر .. تحيا مصر لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام