علي الرغم من تعهداتهم بتسليم السلطة سريعا إلي حكومة مدنية أثار انقلابيو مالي تساؤلات عدة حول جدوي اطاحتهم بالرئيس المنتهية ولايته أمادو توماني توري. فمن ناحية جاء الانقلاب العسكري قبل أيام قليلة من انعقاد انتخابات رئاسية كان موعدها في شهر أبريل الجاري ولن يشارك فيها الرئيس توري بعد أن أمضي فترتين رئاسيتين في الحكم وفق ما ينص عليه دستور الدولة. وقد أعلن الانقلابيون أن استيلاءهم علي السلطة كان ردا علي سوء إدارة الرئيس توري للتمرد المتصاعد في الشمال وتقصيره في تسليح الجيش المالي, فقاموا بحل المؤسسات وعلقوا العمل بالدستور. ومن ناحية ثانية, أدي الانقلاب العسكري إلي نتائج كارثية دفعت قائد المجلس العسكري الذي استولي علي السلطة في مالي النقيب أمادو سانوجو إلي طلب مساعدة من الخارج لتأمين البلاد بعد استيلاء متمردي الطوارق علي عدة مدن استراتيجية في الشمال. في الوقت الذي يواجه الانقلابيون رفضا دوليا وإقليميا واسعا لاستيلائهم علي السلطة بصورة غير دستورية. فقد علق الاتحاد الأفريقي عضوية مالي وأصدر قرارا بفرض حظر سفر علي الحكام العسكريين في البلاد وجمد أرصدتهم وفرض عقوبات فردية علي زعماء وأعضاء الجماعات المسلحة الضالعين في اشتباكات في شمال مالي. كما حذرت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا( ايكواس) قادة الانقلاب وقررت تعليق العلاقات الاقتصادية بين دولها ومالي لحين عودة الأوضاع الدستورية للبلاد, وعقدت قمتين استثنائيتين في أبيدجان وداكار لبحث تطور الأوضاع في مالي وخاصة بعد سقوط ثلاث مدن رئيسية هي جاو وكيدال وتمبوكتو في أيدي قوات الطوارق, وبعد انتهاء المهلة التي حددتها لقادة الانقلاب لترك السلطة دون استجابة من جانبهم أعلن رئيس ساحل العاج ورئيس الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الحسن واتارا قرار الجماعة بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية علي الانقلابيين في مالي. وطالبت الولاياتالمتحدة قادة الانقلاب في مالي بالتنحي, معربة عن قلقها الشديد من التقدم الذي يحرزه الطوارق الذين يساندهم الإسلاميون, لما يشكله هذا الوضع من تهديد لمصالحها في غرب أفريقيا ولاستراتيجيتها في مكافحة الإرهاب في الإقليم من خلال مبادرتها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء التي تعد مالي احدي دولها. كما أعلنت عدد من دول العالم تجميد مساعداتها لمالي وأدان مجلس الأمن الدولي الانقلاب وطالب بإعادة العمل بالمؤسسات الدستورية وإجراء الانتخابات كما كان مقررا. وفضلا عن هذه النتائج التي تحمل تهديدات للاستقرار في مالي بل ولإقليم غرب أفريقيا ككل, فإن انقلاب مالي يعكس أزمة تعايشها دول القارة الأفريقية منذ حصولها علي الاستقلال وهي أزمة بناء الدولة, فقد قسمت القوي الاستعمارية في مؤتمر برلين1884 1885 أراضي القارة الأفريقية فيما بينها ولم تراع هذه القوي الجماعات البشرية التي تعيش علي هذه الأراضي وامتدادات هذه الجماعات فجاء هذا التقسيم ليفتت جماعات بين عدة دول وليدمج جماعات في اطار دول بعيدة عنها. وبعد الاستقلال لم تساهم برامج التنمية والتحول الديمقراطي التي تبنتها نظم الحكم في الدول الأفريقية في استيعاب مطالب الجماعات المختلفة داخل الدولة بل كرست معظم هذه النظم جهودها في خدمة مصالح النخبة الحاكمة وجماعاتها الاثنية دون غيرها من الجماعات. ومثل كثير من الجماعات الاثنية في أفريقيا تطلع الطوارق لبناء دولتهم الكبري, حيث يتوزعون في مناطق شاسعة بين دول المغرب العربي خاصة ليبيا والجزائر وبعض دول الساحل والغرب الأفريقي وتحديدا تشاد والنيجر ومالي وبوركينافاسو, حيث يتركز85% من الطوارق في كل من النيجر ومالي, ويعيشون في مناطق صحراوية جافة تتميز بالخفة السكانية, وقد شارك الطوارق في مقاومة الاحتلال الفرنسي خلال القرن التاسع عشر إلا أنهم لم يحصلوا علي أي مكاسب سياسية عقب استقلال دولهم, فقد زادت عزلتهم في ظل انخفاض مستويات تعليمهم, مما زاد من التوترات بينهم وبين حكومات هذه الدول التي عملت علي تهميش مناطقهم. فبدأت مطالبهم بالحصول علي حقوقهم السياسية والثقافية تتصاعد في مالي منذ عام1963 إلا أن حكومة الرئيس موديبو كيتا واجهت هذه المطالب بقمع عسكري. ومع بداية التسعينيات عاد الطوارق للثورة علي الحكومات والمطالبة بحقوقهم السياسية وبنصيب عادل من الثروات المعدنية التي تذخر بها هذه الدول, وأنشأوا حركات مسلحة مثل حركة النيجر من أجل العدالة, و الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي تأسست عام2010 وتطالب بحكم ذاتي في ثلاث مدن في شمال مالي هي جاو وكيدال وتمبوكتو. وخلال العامين الماضيين صعدت حركة أزواد من عمليات اختطاف الجنود في مناطق الشمال وواجهت الحكومة المالية هذه العمليات بمزيد القمع العسكري. ومع ظهور رياح التغيير في الشمال الأفريقي في ظل ثورات الربيع العربي وما طرحته من آثار علي دول الجوار ومن بينها دول غرب أفريقيا التي شهدت بعضها تحركات ثورية لاسقاط النخب السلطوية واستعادة حقوق الجماعات المهمشة كان أبرزها نجاح السنغاليين في اسقاط عبد الله واد عبر انتخابات تعددية. زاد نشاط حركة أزواد وضغوطها علي الحكومة المالية وخاصة بعد عودة مقاتلين من الطوارق شاركوا في كتائب القذافي وبحوزتهم معدات وأسلحة حديثة. ثم جاء الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس توري ليفتح الطريق امام قوات الطوارق لا لتحقيق حكم ذاتي في الشمال المالي بل لاعلان دولة الأزواد المستقلة في الشمال, إذ أعلن الطوراق فور وقوع الانقلاب أن الحل السياسي لقضية أزواد كان أقرب خلال فترة حكم الرئيس توري. وبعد النتائج الكارثية التي أعقبت الانقلاب وأهمها تمكن قوات الطوارق من السيطرة علي كبري مدن الشمال وتراجع قوات الجيش أمامها تلاشت مبررات الانقلابيين بعد أن اتضح أن هؤلاء لم يستطيعوا قراءة المشهد السياسي في مالي بصورة جيدة, فلم يكن هناك حاجة للقيام بانقلاب عسكري للاطاحة برئيس انتهت ولايته ولم يسع إلي تعديل الدستور كغيره من الرؤساء في بعض دول غرب أفريقيا من أمثال عبد الله واد في السنغال ومحمد تانجا في النيجر ليحظي بفترة رئاسية ثالثة. ومن ثم لم يقتنع الكثيرون بمغزي الانقلاب العسكري في دولة ظلت لعقدين من الزمن تمثل نموذجا للدول المستقرة نسبيا التي يتم تداول السلطة فيها سلميا( خلال عهد الرئيس كوناري و الرئيس توري) في إقليم مضطرب. كما أن فشل الرئيس توري في إدارة المواجهة مع قوات الطوارق كان يعني أن الحل العسكري ليس البديل الأوحد لتسوية الأزمة وأن هناك ضرورة لفتح قنوات للحوار والتفاوض مع حركة أزواد. ويبقي المشهد في مالي مفتوحا علي توقعات كثيرة سواء فيما يتعلق بتداعيات الانقلاب العسكري علي الأوضاع المعيشية والإنسانية للسكان في الداخل الذين يعانون من نقص المواد الغذائية والوقود وانتشار عمليات النهب هذا إلي جانب آثار العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الايكواس, وقد اضطر آلالاف السكان إلي اللجوء إلي دول الجوار هربا من العمليات العسكرية. أو ما يتعلق بالأوضاع الأمنية بعد زحف الطوارق علي المدن المالية الأخري عقب استيلائهم علي مدن الشمال في ظل دعم بعض القوي الإسلامية لهم مثل جماعة أنصار الدين وتردد شائعات عن مشاركة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عملياتهم وما تثيره هذه التطورات من احتمالات نشوب صراعات بين هذه الجماعات إذا لم يتم ايقاف زحف الطوارق علي المدن المالية. هذا بينما تتصاعد المخاوف الإقليمية من انتقال عدوي احتجاجات الجماعات المهمشة في دول غرب أفريقيا أو تصاعد المطالب القومية للطوارق في الدول الأخري لدعم نظرائهم في مالي وأملا في تحقيق حلمهم في تكوين دولة الطوارق الكبري. بالإضافة إلي ما توفره الاضطرابات في مالي من فرص للتدخل الدولي في الإقليم وخاصة من قبل القوي ذات المصالح الاستراتيجية في غرب أفريقيا كالولاياتالمتحدة وفرنسا.